وهم الشعار ورفاهية الاختيار

العصيان المدني والمقاومة السلمية

مواجهات مع الاحتلال بالضفة
مواجهات مع الاحتلال بالضفة

جاء في رسالة نيلسون مانديلا من السجن للمجلس القومي الإفريقي عام 1980.

ما بين سندان المقاومة الشعبية، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري.

لا شك عندي إن رؤية إسرائيلية مرنة ومتدحرجة تتعاقبها الحكومات الإسرائيلية منذ عقدين تخيم على الأرض الفلسطينية وعلى السلوك السياسي الفلسطيني والعربي لفرض وقائع على الأرض تنهي الصراع مع الفلسطينيين من خلال مراكمة الحقائق المريرة على الأرض. كما لا شك عندي أن حمل السلاح شرف ما بعده شرف في مقاومة المحتلين وان العلاج بالبندقية كما يروي التاريخ دوما، ولكن ليس لذات حمل السلاح وإنما لتحقيق الأهداف السامية لا غيرها.

كما أنه ليس بالضرورة أن نتفق على خيار واحد ولم يفعل شعب دوما، ولكن المهم أن تتفق الرؤى وان تعددت الخيارات شريطة تكاملها لتحقيق الأهداف السامية، فلا يوجد مقاومة لاحتلال الا بثمن مهما كان شكلها فان لم نكن قادرين على دفع الثمن فلم نتشدق بالوطن، ولكن الفلسطيني هو من اثبت بجدارة قدرته على التضحيات.

ليست المقاومة قوة السلاح فقط أو المدنية فقط، بل المقاومة التكامل مع القوى السياسية والمجتمعية فلسطينيا وحلحلة مفاصل القوة إقليميا ودوليا بما يسمح بتحقيق الأهداف الوطنية، إن المقاومة مقاومة الفساد ومراكز القوى وتحقيق شفافية الحكم والإدارة قبل كل شيء.

أما مصالحات القوى المجتمعية المبنية على المقاسمة والمحاصصة على أساس ارتباط نفعي مصلحي حزبي وفردي انتهازي ترسخ إرادة المحتل لا تقاومه، إن المقاومة الحقة هي بلورة الشعوب لإستراتيجية وطنية تكاملية تقبل الآخر وتحتوي إرادة القوى المجتمعية بكل أشكالها وتسعى لتحقيق الأهداف الوطنية، وهي وحدها التي تعزز أدوات الفعل المقاوم بمختلف أشكاله وأنواعه.

اقرأ أيضاً: نهاية 2021.. أغرب زيارة من عباس لغانتس

يمكنني أن أطلق على ما سبق شرطا ضروريا لخلق الإرادة المقاومة التي يمكن أن تنتصر على العدو، أما إهمال هذه الضرورة فسيؤدي لتشكيل الذات المُطَوّعَة فردية كانت أو جمعية، وهو أن يرسم لك خصمك حدودا لأدائك وفعلك يريدها لك، دائمة أو مؤقتة، فيطوعك لقبولها فلا تقوم حتى بالاعتراض أو المقاومة فعليا ألا ضمن حدود معينة، كما يرسم لك مستوى الاحتجاج وهيئته على أن تظن أنها إرادتك، أي أن ترضخ شريطة ألا تشعر بذلك، وهي ما تنعكس لتطويع الأفراد للسلطة الحاكمة المطوعة من العدو.

أما تحقيق تلك الشروط فيخلق تجانسا مجتمعيا وإرادة جمعية تساهم بكل قواها لتحقيق أهدافها وتجربة المقدسيين "بمعركة البوابات" خير مثال على ذلك حيث الشعور الجمعي الوطني اصدق أداء وامثل تكاملا وارشد قرارا.

أما المثال النقيض فهو تبني السلطة الفلسطينية خيارا سلميا مطلقا وهو حقها ولكنها تنفي أي خيار آخر وهو ما لا يحق لها لغرض نجاح خيارها على الأقل فلا بد من تكامل الخيارات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا تمارس هذا الخيار إلا شكلا وشعارا دون أي مضمون حقيقي على الرغم من كون المقاومة السلمية وازنة جدا، ومن ناحية ثالثة تناقض خيارها السلمي المقاوم الذي ترفعه فتحشد مواردها للإنفاق الأمني على حساب كل الأولويات الأخرى، مما يستحوذ عليه رجالاتها على عملية صنع القرار. إنها تناقضات ظاهرية لكنها تتوافق مع الأغراض التي تخدمها القوة الأمنية للسلطة الفلسطينية والذي بدوره يعود ليحدد ويحد طبيعة خيارها السلمي. وهو ما يظهر تراجعا فادحا في قوة المساومة أمام العدو عبر الزمن. إن التنسيق الأمني المطلق دون وضوح تفاصيله ودون تجزئته والتدرج في مستوياته للمساومة به لتحقيق الأهداف العامة لهو تنسيق مناقض للإرادة المقاومة وموافق لإرادة المحتل. لست اقبل هذه الكلمة من قريب ولا بعيد ولكني أناقش كيفية تقبل من يتبناها لها، ضمن خيار سلمي تام للتحرر في ظل انعدام عملية سلمية حقيقة لسنوات طويلة.وعليه تتجمد مسارات تحقيق الأهداف الفلسطينية وتترسخ تدريجياً الرؤى الإسرائيلية التي تفرضها يوما بعد يوم.

اذا كنا جادين حقا في المقاومة السلمية فهناك الآلاف الخطوات والإجراءات التي يمكن أن تشكل ضغطا حقيقيا على إسرائيل والمجتمع الدولي لاسترداد حقوقنا ولإعادة الزخم لقضيتنا الوطنية، فما الذي تنتظره السلطة الفلسطينية بالخصوص التي ترفع شعار السلمية.

أولا، من الممكن استخدام الطاقات الحكومية والمدنية والأحزاب السياسية لبناء منظومة توعوية لتفعيل المقاطعة الاقتصادية الشاملة، في ظل حالة يكاد المستهلك الفلسطيني يحرص على المنتج الإسرائيلي بالخصوص.

ثانيا، التسهيلات اللوجستية والقانونية لتوفير المنتجات البديلة عبر المحيط العربي والعالم للتمكين من مقاطعة البضائع من وعبر إسرائيل، ناهيك عن تعزيز البدائل الوطنية، وتحصيل رسومنا الجمركية بأنفسنا إن أمكن. إن هذا حقا يتطلب جز جذور الاحتكارات الإسرائيلية في السوق الفلسطيني وهي الاحتكارات الفلسطينية المرتبطة بدورها بإسرائيل.

ثالثاً، استقطاب الإعلام الدولي والإسرائيلي للتأثير على الرأي العام الدولي والإسرائيلي عبر خطط إعلامية وثقافية مختلفة لصالح دعم وجهة النظر الفلسطينية في استرداد حقوقها وإنهاء الصراع وكشف زيف الرؤية الصهيونية ومنهجية السرقة للأرض والموارد والثقافة الفلسطينية، وكشف حالة الفصل الثنائية بين العرب واليهود في فلسطين التاريخية مما يعزز فكرة الدولة الواحدة حال تبنيها فلسطينيا. وتعزيز الديبلوماسية الفلسطينية المريضة في هذا المجال.

رابعا، لم لا تتم دعوة الشباب بالضفة الغربية للاعتصام بعشرات الألوف في مراكز الطرق الالتفافية أو الأراضي المعرضة للمصادرة أو للتوجه للقدس سلما وبملابس الإحرام وذلك كله تحت عين وسائل الإعلام والهيئات الدولية، والتنسيق مع القوى الدولية لحماية الحشود السلمية.

خامسا، الإعداد ليوم العودة عبر ملايين الشباب ليسير لابسا كفنه مع حفنة من التمر والماء ليعود لقراه على مرآى ومسمع العالم وبشكل سلمي تام، مما يرعب السلطة الاحتلالية ويعيد الزخم القضية والوزن للقيادة.

سادسا، زرع الحشود الجماهيرية وبكثافة وبالاستعانة بمختلف المؤسسات والجمعيات الدولية الداعمة لتأسيس قرى في مناطق C تحت بث ومتابعة إعلامية دولية لفضح الازدواجية والسرقة الصهيونية.

سابعا، حصر وتفعيل تشابك الجاليات الفلسطينية عبر مناطق العالم المختلفة مثل أوروبا واللاتينية عبر سفاراتنا وإصدار هويات خاصة لتحديد حجم التيه الذي وقع فيه الفلسطينيين ولتنظيم اعتصامات دائمة أمام مقار الهيئات الدولية حول العالم عبر جالياتنا والمتضامنين معنا، وإحياء الدبلوماسية الفلسطينية التائهة.

ثامنا، التهديد بوقف التعامل بالشيكل الإسرائيلي وإحلال الدينار أو الدولار والنقود المساعدة مكانه وهو ما يعرف بالدولرة.

إن هذه مجرد أفكار عامة وسريعة للتنويه بأهمية المقاومة السلمية وبقصور أداء من يرفع هذا الشعار الذي حقق أماني الكثير من الشعوب. كما أن حالة الركود والتطويع التي تعيشها الحالة السياسية الفلسطينية تخدم الاحتلال أيما خدمة

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo