لم تكن الفزعة الشعبية التي هب فيها شبان وشيوخ الضفة الغربية نصرة لأهالي بلدة "برقة" شمال غرب مدينة نابلس بحاجة لكثير من الجهد، هو نداء الوطن فقط كان كفيلا بتجميع الاف المنتفضين من كل حدب وصوب وسط البلدة وعلى أطرافها المهددة بجرائم المستوطنين.
المشاهد كانت كفيلة بأن تعود بالذاكرة لمئات المنتفضين ممن عايشوا الانتفاضة الأولى حيث الكلمة الواحدة والموقف الواحد والاستعداد والاقدام على التضحية في سبيل دحر المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
ما جرى في برقة كان إشارة على استعداد الجماهير بمختلف فئاتهم العمرية على التضحية والإصرار على إفشال مخطط المستوطنين الذي كان يستهدف الاعتداء على المنازل في بلدة "برقة" بشكل خاص إلا أنه أفشل مخطط المستوطنين للعودة إلى جبل القبيبات مكان مستوطنة حومش المخلاة منذ العام 2005 .
ويقول رئيس لجنة التنسيق الفصائلي في محافظة نابلس نصر أبو جيش لموقع "زوايا"، :" إن ما جرى مؤشر واضح أنه عندما تكون هناك وحدة للعمل الميداني في الشارع وتحت راية العلم الفلسطيني سيكون هناك مشهد شعبي ويذهب بالجماهير للدفاع عن الأرض والبيوت وكرامة أي مواطن فلسطيني.
اقرأ أيضاً: بمساعدة المهربين..منتجات المستوطنات تدمر الأسواق الفلسطينية بالضفة
وأضاف أبو جيش بأن ما جرى مؤشر إيجابي وسيؤدي ذلك إلى مزيد من التلاحم الشعبي في وجه زيادة الجرائم من قطعان المستوطنين، ومن الملاحظ أنه عندما تكون هناك زيادة في جرائم المستوطنين فإن الروح الشعبوية والعمل النضالي يرتفع أيضا لصد هذه الجرائم ومنعها.
ورغم أن أبو جيش لا يهذب بعيداً في مآلات الأوضاع بعد حادثة "برقة" وصولا إلى انتفاضة عامة، إلا أنه يؤكد بأن ما يجري من هبات شعبية في قرى برقة أو سبسطية او بيتا وبيت دجن وبقية المناطق بغض النظر عن تسمية ذلك إلا أن ذلك شيء يبعث على المعنوية العالية والايجابية لدى الجماهير في التصدي لزعرنة وبلطجة المستوطنين وقوات الاحتلال.
بدوره يستذكر سامي دغلس أحد نشطاء المقاومة الشعبية في برقة أجواء الانتفاضة الأولى بعد أن شاهد الشبان قادمون من معظم المحافظات بالضفة الغربية.
ويتابع في حديث لموقع "زوايا"، بأن جميع من حضر وكان لهم نشاطاً في الانتفاضة الأولى قالوا إنهم يعيشون أجواء تلك الانتفاضة من خلال الحشد الجماهيري والوحدة والتلاحم بين الجميع، معبراً عن أمله في أن تكون هذه شرارة الانتفاضة الثالثة ولكن على أسس صحيحة.
ويضيف دغلس بأن ما عاشه الفلسطينيون إبان الانتفاضة الأولى وخاصة في بدايتها كانت تقوم على الجماهير والحجارة والاطارات المطاطية والهتافات وما جرى في "برقة" هو يوم أو ساعة مصغرة عما كانت عليه انتفاضة الحجارة.
ورغم تقدم دغلس بالسن ليدخل عامه الستين إلا أنه قاد الهتافات الحماسية والتعبئة لدى الجماهير التي احتشدت للتصدي لمسيرة المستوطنين، مشيراً إلى أن الشعار الموحد وغير الحزبي كان له الأثر الإيجابي في صفوف الشبان.
وأضاف دغلس بأن الأيام الأولى من انتفاضة العام 1987 وربما بعد مرور عشرة أيام على انطلاقتها كانت "برقة" على موعد مع تجربة المطاردة وكانت تجربة جديدة وحتى هذا الوقت أظهرت الجماهير استعدادها للمطاردة مرة أخرى في سبيل حماية الجبل من عودة المستوطنين.
وحسب دغلس فإن المواطنين مصرين على حماية البلدة من ردة فعل إجرامية قد يقدم عليها المستوطنون على غرار ما جرى مع عائلة دوابشة، ومن ناحية ثانية منع الاستيطان في جبل القبيبات وعدوتهم الى مستوطنة حومش، مشيراً إلى أن الأهالي لديهم قرار مما تسمى محكمة العدل العليا بإخلاء المستوطنة وعودة الأهالي إلى أراضيهم إلا أن ما يحصل هو منع الأهالي من الوصول إلى أرضهم بينما المستوطنون تحت حماية جيش الاحتلال يحاولون البقاء فيها.
وأكد دغلس فشل مخطط المستوطنين حتى الآن، ويصر المواطنون على التصدي لهم في الجبل وكذلك تشكيل لجان حراسة ليلية للمراقبة والتضامن مع أصحاب المنازل المهددة، مؤكداً استلهام تجربة "بيتا" و"بيت دجن" في المقاومة الشعبية، وقد يستلهم آخرون تجربة "برقة" لأن هذا هو الأسلوب الأفضل والامثل لوقف موجة الاستيطان الشنيعة التي على ما يبدو ليس لها حدود.
من جهته أكد أمين سر حركة فتح في سبسطية ورئيس بلديتها حمد عازم في حديث لموقع "زوايا"، بأن ما حصل في برقة وسبسطية دليل على أن هناك الروح الثورية والشعبية مازالت متقدة وهناك حالة من المعنوية العالية في الدفاع المنازل والأرض.
وتابع عازم بأن ما حصل في برقة والتصدي لمحاولات المستوطنين من خلال هبة جماهيرية امتدت لمحافظات الوطن التي أرسلت أبناءها للدفاع عن "برقة" في حالة التفاف جماهيرية أشبه ما يكون بالانتفاضة الأولى، عندما كانت تصدر أي قرية استغاثة أو طلب مساعدة فجميع القرى تلبي النداء.
وأضاف عازم بأن هذا يدل على أن الناس مازالت لديها الروح الوطنية والدافع لمواجهة المستوطنين وقوات الاحتلال التي تحاول قتل هذه الروح ورغم كل محاولات الإحباط التي يمر فيها شعبنا إلا أن هذه الحالة أثبتت العكس وفشل تلك المحاولات لقتل الروح المعنوية لدرجة أنه قد تكون هذه شرارة واستعلت في وجه المستوطنين.
واستعرض عازم ما جرى في سبسطية من خلال محاولة المستوطنين الاعتداء على المنازل بعد فشلهم في تنفيذ مسيرتهم الى مستوطنة حومش، مشيراً إلى أنه خلال دقائق كانت جموع الشبان قد توجهت من "برقة" إلى "سبسطية" للمشاركة في التصدي لهذا الإجرام بعد ورود إشارات من لجان الحراسة في البلدة.
وأوضح عازم بأن الإصرار والعزيمة لدى المواطنين الذين أخذوا على عاتقهم منع جريمة المستوطنين أفشلت مخططاتهم رغم كثافة النيران التي أطلقت من قبل المستوطنين وهذا مؤشر فعلي على أن شعبنا ينتظر من يعلق الجرس ويطلق الانتفاضة الشعبية في وجه عصابات المستوطنين وجيش الاحتلال الذي يوفر لها الحماية.