تل أبيب تشق توازناً صعباً بين منافع الصين ومخاوف أمريكا

نفتالي بينيت
نفتالي بينيت

تسعى دولة الاحتلال إلى توطيد علاقاتها مع الصين التي باتت تهيمن على العديد من سلاسل إمداد الطاقة النظيفة العالمية الحيوية في القرن الحادي والعشرين، ونظراً للتطورات الهائلة التي شهدتها "بكين" اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً وتكنولوجياً، والتي يسمح لها في المدى المنظور فرض نفسها على البيئة الدولية.

ولعل سعى الاحتلال من أجل توطيد العلاقات مع الصين يكمن في رغبته في أن يصبح اقتصاد إسرائيل أقوى لمواجهة عدة أزمات من بينها التهديد النووي الإيراني، وهو ما عبر عنه صراحة رئيس الحكومة الإسرائيلية "نفتالي بينيت" في مؤتمر معهد هرتسليا للدراسات الاستراتيجية مؤخراً عندما أشار إلى أن إسرائيل ستنتهج استراتيجية جديدة في مواجهة الأزمة الإيرانية، من بينها أن يصبح اقتصاد إسرائيل أقوى ويعالج سريعًا تداعيات أزمة كورونا.

وفي وقت لاحق نشر موقع قناة التليفزيون الإسرائيلي "القناة "12" تقريرًا عن أهمية توثيق العلاقات الإسرائيلية الصينية، ليس فقط لمواجهة التهديد الإيراني، بل من أجل ملاحقة الركب العالمي الجديد الذي تصيغه الصين، خاصة في مجال التكنولوجيا الفائقة.

وقد تعاونت الصين وإسرائيل بالفعل في الطاقة الشمسية وتحلية المياه لتوليد الطاقة الخضراء لمدة عشر سنوات تقريبًا، حيث استثمرت الشركات الصينية أيضًا في بطارية الألومنيوم وتقنيات الشحن السريع في إسرائيل، وبحلول عام 2020، زادت نسبة الصفقات بنحو عشرة أضعاف، حيث شكّلت استثمارات التكنولوجيا النظيفة ما يقرب من 11.1٪ من إجمالي الصفقات.

اقرأ أيضاً: بمساعدة المهربين..منتجات المستوطنات تدمر الأسواق الفلسطينية بالضفة

ونظمت إسرائيل قبل أيام مؤتمرًا في تل أبيب جمع أكثر من 100 شركة إسرائيلية في ريادة الأعمال والأعمال الحرة، تحت عنوان "إسرائيل في عمر المائة" ضم كبار الشخصيات من كبار النخب الاقتصاديين، والاجتماعيين، والأكاديميين، والسياسيين في إسرائيل، لرسم خريطة السياسات ذات الاهتمام لدى صناع القرار الإسرائيليين من أجل تعزيز وضع الاقتصاد الإسرائيلي على الخريطة العالمية.

بكين تنظر لموقع "إسرائيل" الاستراتيجي

في المقابل تسعى الصين لتطوير مشاريعها في إسرائيل، للاستفادة من اللوبي القوي الذي تملكه في الولايات المتحدة والعالم الغربي، أو على الأقل عدم استعدائه بما يُعوِّق مصالحها هناك، خاصة وأن بكين تعترف بإمكانات إسرائيل لربط الصين بالغرب، نظراً لموقعها الاستراتيجي عند تقاطع ثلاث قارات "أوروبا وآسيا وأفريقيا".

وفى دراسة حديثة أجرتها جامعة تل أبيب حول المشاركة الاقتصادية للصين في إسرائيل، حددت الدراسة ما لا يقل عن 463 استثمارا واندماجات واستحواذات من قبل الشركات الصينية في إسرائيل من 2002 إلى ديسمبر 2020.

وتشمل الصفقات الرئيسية الأخرى داخل إسرائيل فوز الشركات الصينية بعقد بناء أجزاء من سكة حديد تل أبيب، ومناقصة بقيمة 2 مليار دولار لبناء خط سكة حديد يربط ميناء أسدود بإيلات، ما يمنح الصين نفوذا كبيرا على التنمية الداخلية لإسرائيل.

ويبقى السؤال المطروح بالنسبة لإسرائيل هو إلى أي مدى ينبغي أن تذهب في احتضان الصين كشريك تجارى، بالنظر إلى الشكوك الأمريكية حول الدوافع الحقيقية للصين؟.

ضغوط أمريكية

حيث أسهمت الضغوط الأمريكية على "إسرائيل" في تخفيض حجم صفقات السلاح مع الصين، التي لم تعد تظهر كمصدّر أسلحة مهم للصين. كما أن الكيان الإسرائيلي يراعي القلق الأمريكي المتزايد من انتقال التكنولوجيا الغربية عبر الكيان، ومن تصاعد الدور الصيني في الشرق الأوسط.

وبالرغم من التفوق الأمريكي الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي؛ إلا أن الصين حققت قفزات هائلة في جَسْرِ الهُوَّة مع أمريكا، باتجاه فرض نفسها، والسعي الحثيث لكسر الهيمنة العالمية الأمريكية، وتحول البيئة الدولية إلى نظام متعدد القطبية، الأمر الذي زاد الشعور الأمريكي بـ"الخطر الصيني" وبصعوبة تحييد الصين، وهو ما دفع الرئيس باراك أوباما سنة 2011 إلى تحويل مركز الاهتمام إلى شاطئي المحيط الهادي.

من ناحية أخرى، فليس هناك أسس دينية أو ثقافية أو تاريخية لدى الصين للموقف تجاه قضية فلسطين أو قضايا المنطقة، مما يجعلها أكثر تحرراً من المواقف المسبقة؛ وذات تفكير حُرّ غير أسير بالماضي أو الأيديولوجيا، بالإضافة إلى أن الصين ليس لديها خلفيات استعمارية أو تاريخ استعماري في المنطقة العربية؛ وهو ما أدى إلى عدم وجود مواقف مسبقة معادية للصين لدى أهل المنطقة.

اقرأ أيضاً: دراسة: حكومات الاحتلال خلقت واقعًا يصعب التراجع عنه في القدس

كما أن الصين لم تعد أيضاً أسيرةً لأيديولوجيتها الشيوعية، ونُصرتها للشعوب المستضعفة؛ وتراجعت من المواقف القديمة القوية، إلى المواقف السياسية التقليدية الهادئة، المُتجنِّبة للمواجهة مع القوى الدولية. ولذلك، فإن "البراجماتية" والمصالح الصينية العليا هي سيدة الموقف. وبالتالي، فإن السياسة الصينية تجاه قضية فلسطين هي سياسة براجماتية متسقة مع الموقف الدولي، مع الاحتفاظ بقدر من التمايز والخصوصية، في إطار التزامها التقليدي بدولة فلسطينية كاملة السيادة على الأرض المحتلة سنة 1967، وتبني حلّ الدولتين، وفق "الشرعية الدولية"؛ وعدم المشاركة في الرباعية الدولية، والاحتفاظ بعلاقة "باردة" مع حماس، تَصعدُ أو تهبط وفق قدرة حماس على فرض نفسها في المعادلة الفلسطينية وفي المنطقة.

"إسرائيل" في موقف صعب

وفي كل الأحوال، فإن تزايد النفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني في المنطقة، وحلوله مكان أو منافسته للنفوذ الأمريكي يبقى أمراً غير مرغوبٍ "إسرائيلياً" لاعتبارات الخلفيات الثقافية والدينية والاستعمارية الأمريكية الغربية التي تحكم علاقتها بالكيان، وتجعل ارتباطها به أكثر عمقاً، مقابل معايير المصالح الصينية.

وهنا يؤكد مدير البرنامج الإسرائيلي الصيني في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي (INSS) أساف أوريون، أن "إسرائيل" لا يمكنها تجاهل المخاوف الأمريكية بشأن الصين لصالح الحفاظ على العلاقات التجارية مع بكين".

وتابع خلال حديث صرح به لموقع 24 NEWS، أن علاقات إسرائيل مع الصين هي انعكاس للعلاقات الأمريكية الصينية"، وأن "إسرائيل" تتطلع إلى علاقات واشنطن مع بكين للحصول على بعض عناصر التوجيه في نهجها الخاص للعلاقات مع بكين.

وأضاف أوريون أن إسرائيل "في موقف صعب، مثلها مثل العديد من الدول الأخرى في العالم ، ولكن أكثر من ذلك، لأننا نقف بين حليفنا الاستراتيجي الذي لا بديل له، وهو أمريكا، وشريك اقتصادي وتجاري مهم وهو الصين".

وأشار أوريون على أن "سياسة الولايات المتحدة ثاقبة للغاية بالنسبة لإسرائيل، لأن السياسة الأمريكية تقول" سوف نتنافس مع الصين، وسوف نتعاون حيثما أمكننا، وقد نكون في مواجهة قضايا أخرى"، مضيفا أنه "ليس لدى إسرائيل مشكلة المواجهة مع الصين، نحن نفضل أن نكمل بدلاً من التنافس، ونراه جانبًا من التعاون".

وشدد أوريون على أن "إسرائيل لا يمكنها تجاهل المخاوف الأمريكية بشأن الصين لصالح الحفاظ على العلاقات التجارية مع بكين، لأن مثل هذه الخطوة ستكون ضارة بالعلاقات مع واشنطن".

وتواجه إسرائيل، بعض التحديات الفريدة، خلال فترات التوترات بين واشنطن وبكين، بحكم أن الدولة لها علاقات مهمة مع الولايات المتحدة، ومع الصين، في نفس الوقت.

يشار إلى أن الحكومة الصينية تسعى لعقد شراكات استراتيجية مع دول المنطقة، أو شراكات استراتيجية شاملة مثل تلك التي مع مصر والجزائر والسعودية وإيران. ولا ترغب إسرائيل في أن تكون بمعزل عن هذا الحضور المتنامي والذي يحمل جدوى اقتصادية وتنموية عالية الدرجة.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo