الهجرة من وإلى "إسرائيل" يشكل أزمة سياسية ومجتمعية

مهاجرين إلي إسرائيل
مهاجرين إلي إسرائيل

وصف الباحث شادي محسن في تحليل له حول ملف الهجرة من وإلى "إسرائيل"، بأنه يمكن وصفه بـ "الأزمة"، كونه يحمل أبعاداً متعددة قد تمس تماسك المجتمع الإسرائيلي حتى وإن كان بنسب بسيطة حاليا، ولكن قد تصل تداعياته المحتملة إلى مزيد من التأزم السياسي بين الأحزاب الإسرائيلية، ومزيد من التأزم المجتمعي الذي ينعكس في ظاهرة النزوح الخارجي للإسرائيليين وهروب العقول وما شابه من ظواهر سلبية.

واستعرض الباحث محسن في تحليله الذي نشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الصورة العامة للهجرة، والتي ترتكز على نقطتين رئيسيتين وهما:، النقطة الأولى، من هو المهاجر حسب التعريف الإسرائيلي؟ والنقطة الثانية خريطة المهاجرين في "إسرائيل".

النقطة الأولى: من هو المهاجر؟

وأوضح، أن وضع المهاجرين في "إسرائيل" ينظمه، ثلاثة قوانين وهم: قانون العودة، وقانون المواطنة، وقانون دخول إسرائيل، وبذلك فإن الحكومة الإسرائيلية هي التي تتحكم في سياسة الهجرة استناداً لهذه القوانين.

ولفت إلى أن "إسرائيل" تُميز "المهاجر" بين ستة أنواع مختلفة، يتميز أهم هذه الأنواع في (الأول): "المهاجر الأصلي" (عوليه بالعبرية)؛ أي الصاعد أو العائد إلى أرض "إسرائيل" (حسب الرواية الصهيونية الدينية لإسرائيل وهو ما يعد مؤشرا على أحد أبعاد هيمنة الرواية الدينية على السياسات العامة في "إسرائيل" منذ 1948)، وهو المهاجر إلى "إسرائيل" بغرض الاستقرار الدائم.

وينص قانون "العودة" في إسرائيل على أن يكون هذا النوع من المهاجرين معتنقا اليهودية أو على الأقل ابنا لأما يهودية، ويحق لهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: تجارة "البالة" في غزة.. ما دلالات رواجها؟

وأشار الباحث في تحليله إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة شجعت هذا النوع من الهجرة، كونه يعزز التماسك المجتمعي والديموغرافي للإسرائيليين أمام الفلسطينيين، ويحافظ على شرعية "إسرائيل" في نظر يهود العالم. ويمهد لتحويل "إسرائيل" إلى دولة قومية تحتضن اليهود أو تحافظ على حقوقهم حول العالم. ودعم القوة البشرية للجيش الإسرائيلي.

ولفت إلى أن لنوع الثاني من المهاجرين يطلق عليه "المهاجر العادي" (مهجير بالعبرية) ويسمى أيضا طالب العمل؛ أي المهاجر إلى "إسرائيل" بغرض العمل أو الاستثمار والمكوث فيها لوقت محدد إما عام واحد أو أكثر من عام (ويشترط القانون الإسرائيلي مكوث هذا النوع 63 شهرا فقط)، ولا يشترط اعتناقه اليهودية.

الهجرة الي إسرائيل


 

بينما النوع الثالث من المهاجرين يطلق عليه "النازح الخارجي" (يوريد بالعبرية)؛ أي الذي ترك "إسرائيل" بكامل إرادته ليستقر في الخارج، وهذا النوع من الهجرة وصمته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وإكسابه وصمات عقائدية بهدف تقليل فرص النزوح كونه يمثل أزمة حقيقية في المقدر البشري القومي لإسرائيل.

النقطة الثانية: خريطة المهاجرين في "إسرائيل"

وأما بشأن الخريطة الديموغرافية للمهاجرين في "إسرائيل"، فقد هاجر إلى إسرائيل (في 2020) 27.4 ألف نسمة، منهم 19 ألف تقريبا يتصفون بمصطلح "المهاجر الأصلي" أي بغرض الاستقرار. تمثل هذه النسبة انخفاضا ملحوظا بـ 40% تقريبا مقارنة بالعام الماضي (بسبب تداعيات أزمة جائحة كورونا في المقام الأول).

كما أن ما نسبته 52% من المهاجرين هم من فئة النساء العواجز في أعمار من 60 إلى 65 عاما، إضافة إلى أن ثلث المهاجرين من روسيا وهي النسبة الأكبر، و12% من أوكرانيا، ومن الولايات المتحدة جاءت النسبة 11%، إلى جانب وصول 35 ألف متسلل لإسرائيل معظمهم من أرتيريا والسودان. بحسب سلطة السكان والمهاجرين في إسرائيل، والمركز الإسرائيلي للإحصاء، ووزارة الصحة (بداية من عام 2020 حتى أكتوبر 2021).

التحديات والأبعاد 

ويرى الباحث محسن في تحليله، أن ملف الهجرة في "إسرائيل" يلامس مجموعة من التحديات والعوامل التي تصيغ أبعاده والتي ترسم المؤشرات اللازمة من أجل توصيف الملف بـ "الأزمة" في إسرائيل. لخصها في عدة نقاط وهي: "تضخم الصلاحيات الإدارية"، والذي يتمثل في تعدد المؤسسات والجهات الناظمة للمهاجرين، كسلطة الإسكان والمهاجرين، والوكالة اليهودية للهجرة ولهما نفس الاختصاصات، وارتفاع مستويات البطالة والفقر في "إسرائيل"، وسياسة تهويد المهاجرين، وسياسات التمييز الاجتماعي ضد المهاجرين.

وأوضح الباحث محسن في تحليله، أن هناك جملة من التداعيات المحتملة التي قد تلقى بضلالها على الطيف السياسي والاجتماعي في إسرائيل، جراء ملف الهجرة من وإلى إسرائيل، وعلى رأسها "الانقسام المجتمعي"، حيث يتبين أن اليهود الفلاشا يشعرون بفصل عنصري عن المجتمع الإسرائيلي (الأبيض)، كما يمكن دراسة ملامح التمرد والانعزال بين شباب الفلاشا بدراسة سلوكهم في الجيش الإسرائيلي، إذ أن 86% من شباب الفلاشا يدخلون الجيش جبريا، و50% تقريبا يدخلون السجن في مخالفات انضباط، و20% منهم يدخلون السجون العسكرية لتهم بدرجات أكبر، وهو ما استدعى الجيش لرفض تجنيدهم في أحيان كثيرة.

كما يلقي ملف الهجرة في إسرائيل بظلاله على مسألة قديمة وآخذة في التعقد وهي "من هو اليهودي؟" إذ سمحت قوانين الهجرة الإسرائيلية دخول أفراد لا يعتنقون اليهودية ولا يفخرون كثيرا بـ "إسرائيليتهم" ومع ذلك يتجنسوا بالجنسية الإسرائيلية.

وأضاف أن من تداعيات الهجرة لإسرائيل هو التأثير في الطيف السياسي الإسرائيلي، حيث تمكن المهاجرين الروس من تشكيل حزب سياسي يتزعمه أفيغدور ليبرمان وزير المالية في الحكومة الائتلافية يعرف باسم حزب يسرائيلي بيتينو حزب يميني علماني، نظراً لأن أكبر هجرة روسية وإثيوبية شهدتها "إسرائيل" كانت عام 1991.

أما بخصوص المهاجرين الأثيوبيين وإمكانية تشكيلهم حزب سياسي، فقد أوضح الباحث محسن في تحليله، أن الذي يحدد إمكانية تشكيلهم حزب سياسي هو نسبة الحسم في الانتخابات الاسرائيلية والمحددة بنسبة 3.25% أي ما يعادل 137 ألف صوت، وهو أمر لم يصله الأثيوبيين بخلاف المهاجرين الروس.

وأشار الباحث إلى أن أحد أهم أسباب عدم رغبة الحكومة في استقبال مزيد من المهاجرين الأثيوبيين هو القلق من سيناريو وصولهم لنسبة الحسم وإمكانية تشكيلهم حزب سياسي.

وتابع، أن من تداعيات أزمة الهجرة لإسرائيل، يتمثل في "التوظيفات السياسية من الأحزاب المختلفة"، حيث يرى الباحث أن التأثير السياسي يمثل أحد التهديدات المحتملة بين الطيف الحزبي الإسرائيلي وهو رغبة بعض الأحزاب المحسوبة على اليمين المعتدل (مثل حزب أزرق أبيض، وهناك مستقبل) أو اليسار (مثل ميرتس) استقطاب الأقليات المهاجرة في إسرائيل (مثل الفلاشا) وكسب أصواتهم الانتخابية، مشيراً إلى مشروع قانون "المساواة" الذي طرحه "أزرق أبيض" وتم تأجيله.

ولفت الباحث إلى أن هذه الأنواع من المشاريع القانونية من شأنها أن تسبب انقسامات حزبية قد تطال انقسامات مجتمعية في "إسرائيل". إذ أن أحد أبعاد مشروع "المساواة" هو أنه يمنح قوة تأثير سياسية لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية التي تحارب من أجل الحفاظ على القيم الديموقراطية في "إسرائيل" في المقابل ترفض التيارات اليمينية المتطرفة هذا المجال من التأثير كونه يناهض الرواية الصهيونية اليهودية لإسرائيل.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo