الفلسطينيون في لبنان: خطورة الحدث وضرورة الحكمة

مظاهرات للاجئين في لبنان
مظاهرات للاجئين في لبنان

لا تزال العلاقة بين قطبي الساحة الفلسطينية حماس وفتح تسودها حالة من التوتر والاحتقان والخلاف العميق, وهذا يمتد الى ساحات متعددة يتوزع فيها العمل الوطني الفلسطيني، ومن اهم هذه الساحات الساحة اللبنانية التي يتواجد فيها نحو 192 ألف لاجئ فلسطيني على الأقلّ، بحسب تقديرات رسمية، يعيشون بغالبيتهم في 12 مخيما تحولت على مرّ السنين إلى بؤر مكتظة بالسكّان والأبنية والأسلاك الكهربائية، وأحيانا الى ملاذ للخارجين عن القانون

هذا التوتر والخلاف تجسد في مراحل كثيرة وفي قوالب شتى , خاصة بعد توقيع اتفاق اوسلو الذي شكل ضربة قوية للإجماع الوطني وخلق أزمة لم تنته الى هذه اللحظة.

ولا شك بأن الجفاء الذي  يسود بين حركتي حماس وفتح-عموما , وبالاخص في الضفة الغربية وقطاع غزة,  ألقى بظلاله على الساحة اللبنانية التي تعتبر من الساحة الحساسة جدا بسبب الواقع الصعب والمؤلم للمخيمات الفلسطينية.

الحادث الاخير في لبنان كان له وقع الصدمة على أبناء الشعب الفلسطيني واعاد مسألة العلاقة بين حركة فتح وحماس الى الواجهة مرة أخرى.

وتعمق الخلاف بين الحركتين في الحادث الاخير- والخطير- الذي أودى بثلاثة من الضحايا بسبب اطلاق النار من قبل قوات الامن الفلسطيني على جنازة عضو من حماس حضرها الالاف من المشيعين, دون أي سبب ودون أي مقدمات, الامر الذي اثار غضب حركة حماس في لبنان  حيث اتهمت -وعلى لسان أكثر من قيادي فيها- "عناصر من الأمن الوطني التابع لحركة فتح بإطلاق النار باتجاه المشيعين أثناء وصولهم إلى مدخل المقبرة" في مخيم برج الشمالي قرب مدينة صور.

وواضح ان اطلاق النار كان متعمدا ومخططا له لإفشال المسيرة التي رمزت الى قوة وحضور حركة حماس في المخيمات الفلسطينية, وهي مسيرة حضرها وشارك فيها قيادات القوى والفصائل الفلسطينية . وبالرغم من ان حركة فتح وقوات الامني الوطني أقرت بأنها ستقوم بتسليم مطلقي النار لقوات الامن اللبناني, الا أنها سرعان ما فتحت جبهة اعلامية واسعة ضد حركة حماس ومن ثم قررت فرض القطيعة ووقف الاتصالات مع الحركة.

تصرف فتح بهذه الشاكلة لا يوجد له أي تبرير منطقي على الاطلاق ولا يفسر الا أنه تهرب من تحمل مسئولية حدث خطير يمكن ان يعصف بحالة الامن والاستقرار في المخيمات الفلسطينية.

حتى ان فصائل منظمة التحرير, خاصة الشعبية والديمقراطية, لم يرق لها تصرف فتح في لبنان ورفضت ان تشاركها في اصدار بيانات ضد حركة حماس.

هناك شعور قوي لدى حركة فتح في لبنان ان حماس تنازعها القوة والسيطرة على ساحة المخيمات الفلسطينية , خاصة بعد أن زار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية لبنان واستقبل بحفاوة كبيرة في المخيمات اللبنانية , كما ان شعبية حماس ارتفعت بدرجة كبيرة بعد معركة سيف القدس التي خاضتها ضد قوات الاحتلال في مايو الماضي.

اقرأ أيضاً: مشعل في لبنان.. زيارة جريئة وسط ملفات معقدة

كما أن فشل المسار السياسي الذي قادته حركة فتح وضعف أداء السلطة الفلسطينية واستمرار الانقسام أثر سلبا على حضور ونفوذ حركة فتح وشعبيتها في المخيمات الفلسطينية.

هناك من يرى ان من حق حماس ان تعزز قوتها وحضورها في لبنان, شأنها شأن باقي القوى السياسية , باعتبار ان ذلك يخدم القضية الفلسطينية ويخدم كذلك المخيمات الفلسطينية التي تعيش حالة مؤلمة من الفقر والبؤس, وأنه يجب أن ينظر الى ذلك على أنه عامل ايجابي يساهم في تعزيز الشراكة الوطنية ويقوي من قدرة القوى السياسية الفلسطينية على حماية الحقوق اللازمة لقاطني المخيمات في مستوى افضل من العيش بكرامة.

غير أن حركة فتح التي لا تزال تعتبر أنها هي (مفجرة الثورة) و(أم الجماهير) والتي تمثل (الشرعية السياسية والثورية) لا تسمح لأي قوة ان تنازعها السيطرة على الساحة التي تتواجد فيها, وليس أدل من ذلك ان فتح لا تسمح لحركة حماس ان تمارس حريتها ونشاطاتها في الضفة الغربية, بل وتتعرض الحركة الى الملاحقات والاعتقالات من قبل قوات الامن الفلسطيني. هذه النزعة لدى حركة فتح تسببت في خلق أزمات بينها وبين حركة حماس في الساحة اللبنانية,  رغم ان حماس حرصت على ان تكون جزءا من هيئة العمل الوطني الفلسطيني المشترك التي تتابع أوضاع الفلسطينيين في لبنان, كما ان ان حماس تتمتع بعلاقات قوية مع المستوى السياسي اللبناني وكذلك مع الاحزاب اللبنانية وعلى رأسها حزب الله.

حماس ورغم الخلاف السياسي بينها وبين حركة فتح لم تذهب الى اللجوء الى العنف في معالجة هذا الخلاف وأصرت على ان الخلاف بين الحركتين يمكن ان يعالج بالحوار او بالاحتكام الى الانتخابات. من يرى بنظارته السوداء يستحضر صدامات عام 2007 , والتي قادت الى انقسام عميق بين الضفة الغربية وقطاع غزة, على أنها دليل دامغ على لجوء حماس الى القوة والعنف لحسم خلافها مع الاخرين, غير أن هذه قصة مختلفة ولها ظروفها وأسبابها الخاصة.

بعد هذا الحادث الاليم ,مباشرة دعت كل قيادات حماس الى معالجة هذا الامر بحكمة ودون انحدار الى العنف, وقال رئيس المكتب السياسي لحركة في الخارج، خالد مشعل إن الحركة ستمنع "أيّ انجرار لخلافات داخلية" وخاصّة بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان".

اسرائيل, من جهتها, حاولت ان تذكي الخلاف والتوتر بين الحركتين من خلال نشر تقارير مسمومة تتحدث عن تشكيل حماس لوحدات عسكرية خاصة في لبنان وعن وجود مخازن اسلحة للحركة وأن حماس تحاول فرض سيطرتها على مخيمات لبنان, وتبعها في ذلك بعض القنوات والمواقع العربية المشبوهة, وللأسف ان البعض يجري وراء مثل هذه الشائعات ويلتقطها ويعتبرها صيدا ثمينا لكي يصور وكأن حماس ذاهبة الى احتلال المخيمات!!.

وهناك من ذهب الى صب الزيت على النار مستغلا زيارة الاخ خالد مشعل الى لبنان , وهي في الاصل زيارة تضامنية لأهالي الشهداء ووقوفا الى جانبهم بعد هذا الحدث الاليم ,  وبدأت التقارير تتوالي على أن حزب الله رفض استقبال مشعل وأصر على القطيعة معه باعتبار انه اتخذ موقفا من الثورة السورية. كل هذه الاخبار والتقارير تحاول ان تعمق الخلاف حول الوجود الفلسطيني في لبنان واعتباره "مشكلة المشاكل" وأنها قنبلة موقوتة, وذلك لتمهيد الطريق أمام انهاء الوجود الفلسطيني أو اضعافه او تمزيق نسيجه الوطني والاجتماعي.

ان حضور قيادات الصف الاول من حركة حماس الى لبنان يجب ان يفهم في اطار الحرص على سلامة واستقرار المخيمات الفلسطينية وتجنيبها مزيدا من الخلافات والويلات, وليس في اطار استعراض القوة, كما حاول البعض ان يروجها.

 ان الحالة الفلسطينية عموما لا تحتمل استعراضات ولا صدامات, بل هي اشد ما يكون الى العض على الجرح ولم الشمل والتعالي عن الخلافات.

ان حرص حماس على تعزيز وجودها وقوتها ليس عيبا, وليس هدفه منافسة حركة فتح او أي قوة اخرى, ولا هو من باب الاستحواذ والتفرد والسيطرة, بقدر ما هو تعزيز للكل الفلسطيني وتصحيح مساره وجمع شتات الفلسطينيين حول هدف واحد ونحو بوصلة واحدة. من هنا فان حركة فتح يجب الا يساورها القلق ويجب الا تتعامل بناء على تصورات وأوهام غير صحيحة.

ما جرى في لبنان مؤلم جدا ويزيد الجرح في الكف الفلسطيني ويعمق الخلاف ويوسع الهوة, بل ويعكس صورة سلبية عن الواقع الفلسطيني, وكان من المفترض ان تتصرف حركة فتح –ذات التاريخ الثوري والكفاحي الطويل- بمسئولية اكبر تجاه هذه الحادث وأن تغلب المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار حزبي.

ان وجود الفلسطينيين في لبنان, التي تعاني أصلا من مشاكل سياسية واقتصادية جمة, يعتبر أمراً بالغ الحساسية, يتطلب من جميع القوى, وخاصة حماس وفتح, العمل على تحييد هذه الساحة المهمة في الوجود والحضور الفلسطيني من أي خلافات او صدامات تشوه صورة الفلسطينيين وتحرفهم عن مسارهم الصحيح لتحرير وطنهم والعودة الى بلادهم.

نحن جميعا نتطلع الى الساحة اللبنانية على أنها رافد مهم من روافد العمل الوطني الفلسطيني وساحة ترمز للصمود والثبات على حق العودة والتمسك بثوابت الشعب الفلسطيني رغم ما مرت به هذه الساحة وتعرض له من ويلات ونكبات ومجازر.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo