حول الفساد وعنه

الفساد
الفساد

لا يوجد خلاف أو شك حول أهمية الحكم الرشيد والشفافية والنزاهة والأداء الديمقراطي في تحقيق وتعزيز التنمية المستدامة وعدالة توزيع الدخل والثروة في المجتمع، بل وكفاءة ونجاح السياسات المختلفة وتعزيز المشاركة بكافة أشكالها ولكافة الشرائح بما فيها الهشة في أي مجتمع. لذا يعمل المجتمع دوما بتفاعل شرائحه وقواه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحية لخلق الهيكل المؤسسي والقانوني، من هيئات وقوانين وتشريعات، الذي يحافظ ويؤسس للوصول للحكم الرشيد الذي يتناقض تماما مع الشمولية والدكتاتورية والوصولية الطاغية في عالمنا العربي الذي يغرق بدوره في حضيض مؤشرات مدركات الفساد ومقياس الفساد العالمي.

اقرأ أيضاً: جدار الاحتلال حول غزة.. دوافع أمنية وكوارث بيئية

وتكمن المعضلة الأساسية فيما يتعلق بتجذر حالة الفساد وتدني اثر الهياكل والبنى المؤسسية والقانونية والتشريعية في مواجهة الفساد لوجود تناقضين أساسيين حول هياكل مكافحة الفساد، نشأتها، آليات عملها والغرض منها قادا لأزمة ذاتية عميقة في المجتمع العربي والفلسطيني على حد سواء.

المتناقضة الأولى: الانقسام المجتمعي

قد يعتقد البعض إن المجتمع الفلسطيني فقط هو من يحيى في حالة انقسام سياسي ومجتمعي فقط، فهذا أمر غير حقيقي فالانقسام الفلسطيني ظاهري تماما وخطير، إلا أن الانقسامات بين وداخل العالم العربي (Inter and Intra) أكثر تجذرا وابعد عن المعالجة مقارنة بالحالة الفلسطينية وهذا اخطر، وليس ذلك بسبب التباينات العرقية والاثنية والدينية فقط وإنما بمدى عمق الانقسام وبعده الزمني وارتباط بقائه بعلاقة الديكتاتوريات بالمستعمر السابق والنظام العالمي، وليس هناك مجال للإسهاب هاهنا.  وبكلمات أخرى، فان هذه المتناقضة تكمن في كون بنى مكافحة الفساد المفترضة لم تخلق حقيقة من رحم المجتمع وإنما من رحم النظم الاستبدادية بإطارها الإيديولوجي والتي حيدت بالفعل عبر زمن طويل نسبيا الكيانية السياسية بل والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعات داخل المجتمع تتناقض معها ايديلوجيا بالأساس وربما تتناقض معها عرقيا أو غير ذلك. وهذا لان الهياكل السياسية المتعددة داخل الدولة هي لمجتمع داخل المجتمع، وهنا يكمن عمق الانقسام لدى العرب وعدم ظاهريته أكثر من الحالة الفلسطينية الناشئة نسبيا.

التناقض الثاني: مأسسة الفساد  

 إن هياكل مكافحة الفساد تبدو متماسكة، للشكل العام وأمام المجتمع الدولي، وتتضمن مختلف التشريعات والقوانين وتحمل عظمة المسميات إلا أنها تفتقر للفعالية والكفاءة وتستخدم للنيل من خصوم النظم الاستبدادية والإيقاع بكباش الفداء فقط دون المساس بمفاصل الفساد المؤسسية من القوى الأمنية والعسكرية ورؤوسها والطبقات الحاكمة المشيخية أو العسكرية وما ارتبط بها من رأسمالية انتهازية، وذلك لأنها تنبع من رحم تلك النظم ولأنها لا تنفصل في أدائها وتركيبتها وتعييناتها عن الولاء السياسي والحزبي وحتى العائلي والقبلي، فالجندي لا يحاكم قائده وسيف النظام أو الملك لا يقطع لحمه. ومن هنا فهذه الهياكل ترعى الفساد ولا تحاربه وتعزز الاستبداد ولا تقلصه.

الأزمة العميقة: تقبل الفساد

باتت حالة الفساد بكل مؤشراتها وتفاصيلها من الرشوة لسرقة الحكم والسلطة مقبولة ومسوغة مجتمعيا وتناقش على أنها حالة اعتيادية، بل أنها مدعومة ومبررة ومدافع عنها من المجتمع الحاكم وأذياله. فلو نظرنا في مجتمعنا الفلسطيني وفي أي عينة أو أضيق عينة من المجتمع فستجد الكثير من الشبهات حول ثراء مختلف القيادات العليا للتيارات والأحزاب والحركات الفلسطينية، فلا تخفى أموال وممتلكات وملايين والثراء الفاحش لعديد وعديد القادة الفلسطينيين والذي ينسحب وينتشر حسب مستويات النفوذ في المجتمع الحاكم، ورغم ذلك تستمر عملية الولاء والإتباع الأعمى لهذا الطبقات القائدة، مما يخلق قبولا للفساد وسلوكه سواء كان قبولا واعيا أو غير واع. 

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo