معضلة هيكل الإنفاق في السلطة الفلسطينية "حالة الأمن"

شيكل إسرائيلي
شيكل إسرائيلي

من الفرضيات المعروفة للمختصين في الأدبيات الاقتصادية وجود تبادلية بين كل من الإنفاق على الأمن والعسكرة من جهة والإنفاق على الصحة والتعليم من جهة أخرى، وهي فرضية تم اختبارها كميا في العديد من الدراسات الاقتصادية التطبيقية والتي ثبت صحتها في العديد من الدول، وهو ما تجده قائما في حالة السلطة الفلسطينية فالانفاق على الأمن ضعف الإنفاق على الصحة ويماثل بل ربما يزيد عن الإنفاق على التعليم وهي معضلة كبيرة تتعارض مع حالة سلطة ناشئة ناقصة الصلاحيات ومحدودة الإمكانيات والتي يفترض بها تعزيز قدرات شعبها والاستثمار في تعليمه وصحته وهو ما ينعكس على قدراته الإنتاجية مستقبلا.

فالمعضل والغريب التركيز على الإنفاق على الأمن، والذي يشكل 60% منه إنفاقا على الرواتب ويشكل الإنفاق على رواتب الضباط 66% من فاتورة الرواتب، لسلطة لا تمتلك حدودها الخارجية ولا تسيطر إلا على مراكز تجمعات السكان ولا تستطيع استخدام قواها الأمنية في مواجهة المحتل أو حماية مواطنيها داخل مناطقها او مناطق سيطرة الاحتلال على حد سواء، ومن هنا تنبع فرضيات أخرى لمعضلة تعزيز الإنفاق على الأمن ووزنه النسبي المفرط وهي فرضيات جديرة بالدراسة على النحو التالي:

اقرأ أيضاً:  الحالة الأمنية في الخليل وجنين..دليلٌ على فقدان السيطرة؟

الفرضية الأولى:

إن تعزيز الإنفاق على الأمن والعسكرة يعزز كبح القوى الشعبية ومساهمتها لمواجهة الاحتلال سواء شعبيا بالطرق السلمية أو ما تعرف بالطرق المسلحة، وان كانت الأخيرة تصنف دوما على أنها دفاع عن النفس ومقاومة شعبية لمواجهة الاحتلال وحسب القانون الدولي، وذلك لان قوتها العسكرية مهما بلغت فهي ضيئلة أمام مواجهة المحتل، وبالتالي يؤدي إلى عدم القدرة على استعادة أدنى الحقوق مثل حالة الاقتطاع من أموال المقاصة ناهيك عن استعادة الأرض لعدم وجود أوراق تفاوضية.

الفرضية الثانية:

إن تعزيز الإنفاق على الأمن يعزز النزاع الداخلي والشقاق الوطني والانقسام الحزبي وما يترتب على ذلك خصوصا إذا كان معززا بالموارد السهلة easy resources  كالمساعدات الخارجية وهو ما نجده في حالة قوى الأمن الفلسطينية، وهو ما يعزز عبر الزمن الإنفاق على الأمن مرة أخرى وزيادة نفوذ مراكز القوى داخل الأحزاب المنقسمة سواء السياسية او العسكرية ويقود لمزيد من الانقسام Fragmentation.

الفرضية الثالثة:

إن مزيد من الإنفاق على الأمن يتناقض تماما مع الحالة الديمقراطية والرقابية وبالتالي يؤدي إلى تعزيز المزيد من الفساد والمحسوبيات والإثراء على حساب السلطة المعززة بالقوة الأمنية الغاشمة. ومن هنا فلا وزن حقيقي لكافة الهيئات القضائية والرقابية والتشريعية والمحاكم الثورية في مواجهة المتنفذين الأمنيين والحزبيين ويتعزز معه السيطرة على هذه الجهات فتبقى شكلية وتسبب تراجع المساعدات مع تغول الفساد وتراجع الحالة الديمقراطية، وهو ما يؤدي بكل الأحوال إلى تراجع الحالة التحررية.​

الفرضية الرابعة:

الإنفاق المفرط على الأمن بشكل غير مهني يخدم مراكز القوى الرأسمالية الاحتكارية من خلال قياداته الأمنية المتنفذة ويعزز ثراء الأمني والرأسمالي على حساب المجتمع، بل وانه يؤدي إلى مزاحمة مجمل القطاع الخاص من الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال مزاحمة الحكومة وفسادها بل وسعي القطاع الخاص للوصول للقرار الريعي أي أصحاب القرار من الطبقة المتحكمة مما يعزز الفساد ودور الأمنيين، عوضا عن المنافسة الإنتاجي، ويقود بالتالي لآثار أكثر حدة على الأفراد عاملين ومستهلكين.

على الرغم من امتلاك هذه الفرضيات جذورا حقيقية في الأدبيات الاقتصادية وتمثل حالات متعددة في العالم النامي إلا أنها أيضا مشاهدات يشعر بها وان لم يستطع البسطاء التعبير عنها وتحليل آثارها، فتعمقها في الحالة الفلسطينية وطول أمدها الزمني جعل منها مؤثرة على كل المفردات المجتمعية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo