تحليل "بايدن" يسير على خطى "ترامب" وسياسة واشنطن الخارجية تحمل بذور فنائها

ترامب وبايدن
ترامب وبايدن

تبنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترمب" بشغف شعار وفكرة "أميركا أولاً" على الرغم من أصول تلك التسمية، وارتباطها بخط انعزالي تلوح فيه مشاعر التعاطف مع ألمانيا النازية، حيث لم ير ترمب في التحالفات الدولية قيمة تذكر، إضافة إلى كونه من أشد الرافضين للمؤسسات الدولية متعددة الأطراف.

وحرص الرئيس الأميركي السابق على الانسحاب من الاتفاقات الدولية الموجودة كـ"اتفاق باريس للمناخ" و"الاتفاق النووي الإيراني" لسنة 2015، وتملص من اتفاقات جديدة أخرى على شاكلة "الشراكة عبر المحيط الهادئ"، وظل حتى آخر يوم في ولايته يلاطف الحكام المستبدين ويوجه سهام غضبه نحو شركاء الولايات المتحدة الديمقراطيين.

ورغم أن "دونالد ترمب" يعد خروجاً عن القاعدة، بسياسته الخارجية الخاصة والمنفصلة تماماً، يرى "ريتشارد هاس" رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية أن سياسية الرئيس الأمريكي الحالي "جون بايدن" تمثل امتداداً لسياسة سلفه "ترامب".

ويؤكد "هاس" لصحيفة الإندبندنت البريطانية أن نزعة "أميركا أولاً" ميزت بالفعل استجابة إدارة بايدن الأولية لوباء "كوفيد-19"، وتشهد على ذلك محدودية الصادرات الأميركية من اللقاحات وتأخير عمليات التسليم على الرغم من تجاوز العرض المحلي للطلب، والجهود المتواضعة التي بذلت في سبيل توسيع القدرات التصنيعية المحلية بما يتيح زيادة الصادرات.

كما أطاح "التركيز المحلي" بفرصة واشنطن الذهبية لصقل النوايا الحسنة على الصعيد الدولي من خلال إظهار تفوق التكنولوجيا الأميركية وكرمها في مواجهة دبلوماسية اللقاحات الصينية والروسية.

اقرأ أيضاً: هآرتس تحذر من مخاطر العبوات الناسفة في طريق بايدن

وتابع "هاس" :" للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر كأن سياسة جو بايدن الخارجية تختلف كثيراً عن سياسة ترمب، لكن الواضح أن هناك ثمة تمسكاً شديداً بالنهج القومي الجديد إزاء العالم، ما ضمن له الاستمرارية على امتداد إدارات متباينة كتلك التي ترأسها أوباما وترمب وبايدن، في المقابل، هناك مسألة مختلفة تماماً تتمثل في السؤال عن إمكانية أن ينتج عن هذا النهج سياسة خارجية تعزز الأمن والازدهار والقيم الأميركية.

وبحسب المسؤول الأمريكي يتمثل عامل الاستمرارية الأول والأبرز بين ترمب وبايدن في مركزية خصومة القوى العظمى، لا سيما مع الصين، إذ لم تشهد سياسة الولايات المتحدة إزاء العملاق الأصفر تغيراً يذكر مذ تولى بايدن مقاليد الحكم.

ويؤكد ماثيو بوتينجر، أحد كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي في عهد ترمب  "أن إدارة بايدن حافظت بدرجة كبيرة على سياسة سابقتها"، وهو ما عكس خيبة الأمل التي تعم أرجاء مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية في ظل الجهود المبذولة لدمج الصين ضمن الاقتصاد العالمي والنظام الدولي الأوسع، إضافة إلى القلق الشديد حيال كيفية استخدام بكين قوتها المتزايدة في الخارج والقمع في الداخل.

كما يمكن لمس الاستمرارية بين الإدارتين في مقاربتهما حيال تايوان، باعتبارها بؤرة التوتر الأكثر احتمالاً بين الولايات المتحدة والصين. فبعيداً من إلغاء السياسة التي أصدرت في الأسابيع الأخيرة لإدارة ترمب وأزالت القيود المفروضة على التفاعلات الرسمية بين المسؤولين الأميركيين والتايوانيين، ارتأت إدارة بايدن تطبيق تلك السياسة بفاعلية، مع الترويج لاجتماعات رفيعة المستوى بين المسؤولين الأميركيين ونظرائهم التايوانيين.

وحول سياسة واشنطن إزاء القوة الكبرى الأخرى المنافسة لها يكشف "ريتشارد هاس" أنه منذ وصول بايدن إلى سدة الرئاسة، راوحت السياسة الأميركية الروسية مكانها، ولم تفقد من مرتكزاتها سوى الإعجاب غير المبرر الذي كنه ترمب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وظل الهدف الأول والأخير للإدارتين في ما يخص سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا، هو الحد من الأضرار، أو بالأحرى، منع التوترات، في أوروبا أو الفضاء الإلكتروني، من التدهور إلى مستوى أزمة.

وأوضح رئيس مجلس العلاقات الخارجية أنه لدى تقييم السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد "الحرب الباردة"، يتبادر إلى الذهن كلمة "التبذير"، حيث ضيعت الولايات المتحدة على نفسها فرصتها الأفضل في تحديث النظام الذي خاض "الحرب الباردة" بنجاح، ليتلاءم مع حقبة جديدة من التحديات والخصومات.

وفي الموازاة، وبفضل الحروب في أفغانستان والعراق، ثار الرأي العام الأميركي على ما اعتبر سياسة خارجية فاشلة ومكلفة، وبات الأميركيون ينظرون إلى تدخل إداراتهم في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، باعتبارها إلهاء باهظ الكلفة. وقد مهد هذا التغيير الطريق أمام نهج جديد في السياسة الخارجية.

وبحسب "هاس" فإن النموذج الجديد يعبر عن رفض تام للمقاربة الدولية، ورغم أن "بايدن" تعهد بالمساعدة في توجيه دفة العالم نحو مستقبل أكثر سلاماً وازدهاراً لجميع الشعوب، لكن الحقيقة تتمثل في أن الأميركيين يتوقون إلى الاستفادة من النظام الدولي من دون أن يبذلوا جهداً في بنائه والمحافظة عليه.

وأوضح المسؤول الأمريكي أن سياسة أميركا الخارجية الجديدة تركز في جوهرها على الرغبة الجامحة في الانسحاب من الشرق الأوسط الأوسع، حيث تعتبر أفغانستان أبرز مثل على ذلك الزخم المشترك "بين إدارتي ترمب وبايدن"، فعلى

غرار ترمب قبله، اعتبر بايدن الحرب في أفغانستان "حرباً أبدية"، وصمم على الخروج منها بأي ثمن، ولم يكتف بتنفيذ السياسة التي ورثها عن سلفه، بل فعلت إدارته ذلك بطريقة ترمبية، إذ حجمت مشاوراتها مع الآخرين وتركت حلفاء "الناتو" في صراع أججته قرارات أخرى، من طراز استبدال المبيعات الفرنسية للغواصات إلى أستراليا أو التباطؤ في رفع القيود المتعلقة بفيروس كورونا عن القادمين إلى الولايات المتحدة من أوروبا، وقد أخلت التعددية المترافقة مع سياسة خارجية تعطي الأولوية للتحالفات، الطريق أمام الأحادية ووضع عبارة "أميركا أولاً" موضع التطبيق.

وفي سائر بلدان الشرق الأوسط الأوسع، أبقت إدارة بايدن على نهج ترمب في الحد من الوجود الأميركي فيه. إذ قاومت إغراءات زيادة انخراطها في سوريا أو ليبيا أو اليمن، وأعلنت عن نيتها الاحتفاظ بوحدة عسكرية صغيرة على الأراضي العراقية، واعترفت بـ"اتفاقات إبراهام" أثناء مشاركتها على مضض في الجهود الدبلوماسية لإنهاء القتال بين إسرائيل و"حماس"، وتحاشت إطلاق أي محاولة جديدة للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وفلسطين.

وخلص "ريتشارد هاس" رئيس مجلس العلاقات الخارجية أنه لم يعد هناك مجالاً للتراجع عن إخفاقات نموذج السياسة الأمريكية الخارجية الجديد، وأن المطلوب هو الاعتراف الواضح والصريح بأن السياسة الخارجية تبدأ من الداخل لكنها لا تنتهي عنده، إذ لا يمكن للولايات المتحدة أن تنجح بمفردها حيث تواجه، عالماً ممتلئاً بالتهديدات الجيوسياسية التقليدية والتحديات الجديدة المرتبطة بالعولمة.

وسبق أن أقر بايدن بأن "حقيقة القرن الحادي والعشرين الأساسية، مفادها أن نجاحنا يتوقف على نجاح الآخرين"، ويبقى السؤال عن مدى تمكن إدارته من ترسيخ هذه الحقيقة في سياستها الخارجية، صياغةً وتنفيذاً؟.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo