تقرير "الذئب الأزرق".. وحش تكنولوجي إسرائيلي لترويع الفلسطينيين

متابعة اسرائيل للعمل التكنولوجي
متابعة اسرائيل للعمل التكنولوجي

تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي ترسيخ احتلالها وسيطرتها العسكرية والتكنولوجية ضد الفلسطينيين، بهدف ترهيبهم وتذكيرهم بوجودها العسكري بشكل يومي، عبر نصب الحواجز وإغلاق الطرق ومداخل القرى، واقتحام البيوت وتفتيشها، والاعتقالات الليلية والمواجهات وقمع المتظاهرين.

وتتعمد سلطات الاحتلال عبر هذه الاعتداءات تشويش حياة الفلسطينيين وترسيخ ضعفهم، فكلما كان عدد الفلسطينيين المتعرضين لقمع الاحتلال أكبر، زاد خوفهم وخضوعهم، وفقاً للمنطق الإسرائيلي، حيث كشفت حركة "كسر الصمت" الإسرائيلية وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عن حملة تعقب رقمية أطلق عليها جيش الاحتلال الاسرائيلي اسم "الذئب الأزرق"، تهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات رقمية للفلسطينيين في الضفة.

وأكدت الحركة في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست نقلا عن شهادات عدد من جنود سابقين بجيش الاحتلال أن مهمتهم كانت تقضي بتصوير وجوه الفلسطينيين باستخدام تطبيق خاص على الهاتف الخلوي خلال جولاتهم الروتينية في الضفة الغربية وعند الحواجز العسكرية المنتشرة فيها.

وحازت مدينة الخليل وخاصة البلدة القديمة منها على نصيب الأسد من اعتماد هذه التقنية التي انطلقت خلال العامين الماضيين، وتعمل على الهواتف النقالة التي تومض بألوان متعددة، وهي الأخضر والأصفر و الأحمر، من أجل "تنبيه الجنود إذا كان يجب اعتقال الشخص الذي تم التعرّف إليه، أم لا".

الكاميرات مثبتة على الحواجز ونقاط التفتيش

مدير عام لجنة إعمار الخليل "عماد حمدان" وخلال حديث لـ"زوايا" أكد أن التطبيق المعروف إسرائيليا بـ"الذئب الأزرق" من شأنه أن يتعرف على هوية وشخصية المواطن المتجه نحو الحاجز العسكري من خلال تطبيق معين يوجد على هواتف بعض الجنود.

وأوضح "حمدان" أن هذه الكاميرات تفقد المواطنين خصوصيتهم، وأن التطبيق الجديد يشكل استغلالا إسرائيليا للتطور التكنولوجي لتوفير قاعدة بيانات عن سكان المدينة من خلال تصويرهم ومراقبتهم على مدار الساعة.

وبين "حمدان" أن البلدة القديمة بالخليل محاصرة بالحواجز العسكرية، وجميعها تحوي كاميرات مثبتة للكشف عن هويات المواطنين، معتبراً أن نشر هذه الكاميرات على أكثر من 120 حاجزاً ونقطة مراقبة وتفتيش في المنطقة المكتظة بالسكان، تفقد المواطنين خصوصيتهم وتقيد حريتهم.

اقرأ أيضاُ: الإضراب ضد الاعتقال الإداري.. عذابٌ بلا تهمةٍ وتضامن دون المستوى

وأوضح مدير عام لجنة إعمار الخليل أن طبيعة نشر هذه الكاميرات في الخليل ومحيط الحرم الإبراهيمي تختلف عن طبيعة البوابات الالكترونية التي سبق وأن وضعتها سلطات الاحتلال في محيط البلدة القديمة في القدس وأمام أبواب المسجد الأقصى المبارك، مشيراً إلى أن أهالي القدس استطاعوا إزالة هذه البوابات بخطوات احتجاجية شعبية كبيرة، لكن ما يجرى في الخليل هو نشر الكاميرات أمام أبواب المنازل والمحلات التجارية، والحواجز العسكرية، وهو ما يجعل من عملية إزالة هذه الكاميرات وأجهزة المراقبة أمرا صعبا للغاية.

وتوقع "حمدان" أن يعمم هذا النظام وبرنامج الذئب الأزرق على باقي مدن الضفة الفلسطينية المحتلة لفرض مزيد من التعقيدات والهيمنة الإسرائيلية على المواطنين الفلسطينيين.

كاميرات طيارة تصور المنازل

الحاج "مفيد الشرباتي" الناشط في المقاومة الشعبية وأحد سكان شارع الشهداء الواصل بالحرم الإبراهيمي بالخليل أوضح لـ "زوايا" أن الاحتلال كثف في الآونة الأخيرة من نشر كاميرات المراقبة والحواجز الثابتة والطيارة في ما تسمى بالمناطق المغلقة في المدينة والتي تضم "البلدة القديمة ومحيط الحرم الإبراهيمي وتل الرميدة وشارع الشهداء والمناطق المحيطة بمستوطنة كريات أربعة".

وكشف "الشرباتي" النقاب عن أن هذه الكاميرات عالية الدقة، وتظهر المواطن الفلسطيني شبه عار عند تصويره، كما تكشف بيانات المواطنين كاملة أمام هواتف الجنود على الحواجز، بالإضافة إلى الكاميرات الطائرة التي يطلقها جنود الاحتلال وتصور المواطنين داخل بيوتهم وتنتهك خصوصيتهم، وهو ما أكدته إفادات جنود الاحتلال ممن شاركوا في تصوير الفلسطينيين لحركة "كسر الصمت" الإسرائيلية، حيث أكدوا أن عملية التصوير والتوثيق تتم من دون أي مبرر أو أي سبب، لدرجة أنه يتم تقريب الهاتف الذي يحتوي على تطبيق "الذئب الأزرق" من وجه الفلسطيني ويتم إجراء عملية مسح لوجهه، ومن ثم تصوير بطاقة الهوية الشخصية لتتوفر بالأرشيف الرقمي كافة المعلومات عنه.

وأوضح "الشرباتي" أن هذه الكاميرات وضعت لمراقبة المواطنين القادمين من منطقة H 1 الخاضعة للسيطرة الفلسطينية في الخليل، وقبل دخولهم في منطقة H 2 والتي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، مشيرًا إلى الذرائع الأمنية التي تسوقها سلطات الاحتلال حول دوافع نشر هذه الكاميرات مضللة، وأن كل ساعة تشهد اعتداءات على أهالي الخليل وطلاب المدارس سواء من جنود الاحتلال أو قطعان المستوطنين. 

وأشار "الشرباتي" إلى أنه تم انشاء "إقليم المناطق المغلقة" لمساعدة السكان لأهالي في حي تل الرميدة والبلدة القديمة ومحيط الحرم الإبراهيمي والمناطق المحيطة بمستوطنة "كريات أربع" الإسرائيلية، حيث تمنع سلطات الاحتلال المواطنين من التحرك بين هذه المناطق، وكذلك شارع الشهداء الموصول بالحرم الإبراهيمي والمغلق منذ عام 1994، وتمنع تواجد أي فلسطيني فيه.

ولمواجهة هذه التقنية الجديدة"، دعا "الشرباتي" إلى الوحدة الفلسطينية وتكاثف الجهود الشعبية والفصائلية والرسمية لمواجهة هذه الانتهاكات الإسرائيلية، مشيراً إلى أن المقاومة الشعبية في مدينة الخليل نجحت في إنشاء مجموعة حماة الحرم الإبراهيمي التي عززت من تواجد المواطن الفلسطيني في البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي، عبر الدعوة للصلاة فجر كل يوم جمعة داخل المسجد.

التقنية الجديدة سهلت اعتقال المواطنين

وعبر عدد من أهالي مدينة الخليل عن غضبهم واستهجانهم من تصرف سلطات الاحتلال ووصفوه باللاإنساني وغير القانوني، مؤكدين أن الاحتلال يستخدمهم كحقل تجارب دون مراعاة لحياتهم وحقوقهم الإنسانية.

آلاء نصر الصحفية ومقدمة البرامج في إذاعة علم بمدينة الخليل قالت لـ "زوايا" إن كاميرات المراقبة منتشرة بشكل كبير بالمناطق المهددة بالهدم داخل البلدة القديمة بالخليل ومنها "منطقة وادي النصارى، السهلة، والغروز، ومحيط الحرم الإبراهيمي، وشارع الشهداء"، وهذه المناطق المواطن مهدد فيها بالتهجير الدائم.

وأضافت "نصر" أن هناك كاميرات علنية مثبتة على الحواجز، ونقاط التفتيش، وأخرى مخفية غير معلومة وتشكل الخطر الأكبر في انتهاك خصوصية المواطنين.

وبينت "نصر" أن تقنية " الذئب الأزرق" سهلت عملية استجواب وتوقيف واعتقال المواطنين على الحواجز، حيث بات الجندي الاسرائيلي يمتلك جميع البيانات والمعلومات حول سكان الخليل، كما ساهمت في عملية ملاحقة الشبان الفلسطينيين أثناء اقتحام المنازل والقيام بعمليات التفتيش.

وأضافت أن استخدام هذه التقنية أعاق في كثير من الأحيان عمليات تحرك المواطنين عبر الحواجز، حيث بات الدخول والخروج عبرها بحاجة إلى تدقيق أكثر حول هوية الأشخاص.

وحول سؤال "زوايا" عن المطلوب فلسطينيا وخاصة من سكان الخليل لمواجهة هذه الآلية الإسرائيلية الجديدة في المراقبة والتجسس، أوضحت الصحفية "نصر" أن ما يقوم به الاحتلال يشكل مخالفة للقوانين الدولية والإنسانية التي كفلت للإنسان الحرية في التنقل والحياة الكريمة وعدم انتهاك خصوصيته، وهو ما يدفعنا كصحفيين ونشطاء إلى العمل بقوة لفضح جرائم الاحتلال وانتهاكه لأبسط الحقوق الإنسانية في فلسطين.

ونشرت منظمة "بتسيلم"، منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية ، مقاطع مصورة لجنود إسرائيليين يقتحمون منزل فلسطيني في مدينة الخليل في الضفة الغربية، بعد حلول الظلام، وطلب الجنود الإسرائيليون من العائلة إحضار كل أطفال العائلة على الشرفة لالتقاط صور لهم عبر الهاتف الذكي وتطبيق "الذئب الأزرق" للتعرف على أطفال قاموا برشق الحجارة، وأوضحت المؤسسة الحقوقية أن الحادثة تعود إلى 3 سيبتمر 2021. 

يذكر أن استخدام تقنية التعرف على الوجه لأغراض أمنية يشكل أمرا حساسا في "إسرائيل" كما في أي مكان آخر، فقد واجه قانون إدخال كاميرات التعرف على الوجه في جميع أنحاء "إسرائيل"، والذي تم تقديمه في تموز 2021، معارضة قوية من الجمعيات التي تدافع عن خصوصية الأفراد.

ورغم أن الانتقادات تمكنت من تعطيل مشروع القانون، ولو مؤقتا، داخل دولة الاحتلال إلا أن ذلك لم يمنع الجيش الإسرائيلي من نشر هذه التكنولوجيا في الضفة المحتلة، وهو ما يعزز سياسة التمييز العنصري التي تمارسها دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo