تقرير خفايا خبيثة.. الإبراهيمية دين مكس تريده إسرائيل

ممارسة الديانة في اسرائيل
ممارسة الديانة في اسرائيل

أجمع مفكرون إسلاميون إلى جانب الأزهر الشريف، على أن فكرة الدعوة لـ "الدين الإبراهيمي الجديد" أو "الإبراهيمية"، يحمل في طياته أهدافاً خفية خطيرة على الأمة الإسلامية لصالح اليهود، بخلاف ما يشيعه أصحاب هذه الفكرة التي انطلقت في 15 سبتمبر 2020 في البيت الأبيض عندما تم توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي أطلق عليه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب "بـ اتفاق ابرهام"، دون أن يعي رؤساء ومؤسسات ورجال دين مخاطر ذلك على الإسلام والأمة الإسلامية، وهو ما دفع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلى رفضه الدعوة للإبراهيمية، وتأكيده على استحالة المزج بين الديانات الثلاثة (الإسلام-المسيحية–اليهودية) في دين واحد، وتبنى الموقف نفسه مفتى فلسطين محمد حسين، كما رفضه القمص بنيامين المحرقي، الأستاذ بالكلية الإكليريكية بالأنبا رويس، واعتبرها دعوة مخادعة، ومعناها العودة إلى اليهودية.

وأشاروا إلى مصطلح جديد يتمثل في "الدبلوماسية الروحية" بهدف تسخير الدين لخدمة المصالح السياسية، والتي غالباً المستفيد الأول والأخير منها هي "إسرائيل" على حساب المصالح العربية والاسلامية والقومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

ردة عن الإسلام وتحقيق لحلم اسرائيل الكبرى

سماحة الشيخ محمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى المبارك، أكد في حديث خاص لـ موقع "زوايا"، أن مجلس الإفتاء الفلسطيني ناقش قضية الدعوة للديانة الإبراهيمية، وخلص إلى أن هذه الدعوة للديانة الإبراهيمية الحديثة المزعومة وما يتفرع منها، تشكل ردّةً صريحة عن الإسلام، وهي دعوة ضالة، خبيثة ماكرة، الغرض منها خلط الحق بالباطل، وتشكل خطرًا محدقًا بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى المبارك، يحرم اتباعها، أو تبنيها، ولا بد من تفنيدها، وكشف حقيقة أهدافها، وبيان مخاطرها.

وبين المفتي حسين، أن دمج الأديان تحت مسميات يخترعها البشر كما في "الإبراهيمية" المزعومة؛ أمر مرفوض في الإٍسلام؛ لاصطدامها مع العقائد السليمة الصحيحة وفقاً لنص القران الكريم.

اقرأ أيضاً: الإضراب ضد الاعتقال الإداري.. عذابٌ بلا تهمةٍ وتضامن دون المستوى

وشدد على أن التجمع تحت مظلات ظاهرها التقارب بين أصحاب الديانات المختلفة، بذريعة نزع فتيل الصراع المتأجج بينهم، إنما هي محاولات يائسة محكوم عليها بالفشل. واعتبرها دعوة خبيثة ماكرة تهدف إلى هدم الإسلام، وإلغاء الفوارق بينه وبين غيره.

كما أن مشروع الدين الإبراهيمي المزعوم، فضلاً عن استهدافه عقيدة المسلمين تحديداً، لكنه توظيف سياسي لمفهوم الديانة الإبراهيمية، يستفيد منه المحتل الغاصب، لترسيخ حقه المزعوم الموهوم، فهو إذن يشكل خطرًا واضحًا على مجمل قضايا أمتنا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وخاصة المسجد الأقصى المبارك، وقد تجلى ذلك بما أصدره القائمون على هذا المشروع من وثيقة "مسار إبراهيم"، والذي يهدف إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، بما يتماهى مع خارطة "إسرائيل" الكبرى، وهي تنص صراحة على أن أراضي الدول التي يسجلها هذا المسار ليست ملكًا لقاطنيها، وإنما هي خاصة بأصحاب الحق الأصلي، الذين يزعمون أنهم الأبناء الحقيقيون لإبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وبذا يتيح لهم الدين المنسوب إليه زورًا وبهتانًا فرصة الاندماج في المنطقة، والمطالبة بحقوقهم التاريخية والدينية المدعاة في أي مكان وطئته أقدامهم، حسب التصور التوراتي.

ويظهر أن المروجين لها يتذرعون بهذه التسميات، لتبرير أفعالهم الخبيثة، فيسمون هذه الاتفاقات وتلك المسارات باسم (إبراهيم) عليه السلام، ولو كان ما يفعلونه صواباً لما احتاجوا إلى أن يعطوه اسم (إبراهيم)، وإنما هو تأسيس لما بعده من مصائب، ومحاولة بائسة لتغطية المخازي السياسية، بغطاء مقدس من الدين، لتمريرها على الناس.

استحالة الجمع بين الأديان الثلاثة

وأكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، أن الحديث عن التآخي بين الديانات الثلاثة "الإسلامية  والمسيحية واليهودية"، يختلف تمام الاختلاف عن امتزاج الديانات وذوبان الفروق الخاصة بكل منهما، مُعلنًا رفضه التام لـ "الديانة الإبراهيمية الجديدة".

وقال الطيب إن الدعوة لـ "الإبراهيمية" "تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار.

وشدد شيخ الأزهر، على أن الدعوة إلى توحيد الدين دعوة أقرب إلى "أضغاث الأحلام" منها لإدراك حقائق الأمور وطبائعها، لأن اجتماع الخلق على دين واحد أمر مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها".

موقف شيخ الأزهر هَدم الدعوة للإبراهيمية

المفكر الإسلامي المصري ناجح إبراهيم، أثنى على موقف شيخ الأزهر العالم أحمد الطيب من الدين الإبراهيمي الجديد، واعتبر موقفه الرافض لهذه الدعوة (الدين الابراهيمي الجديد) بمثابة الفأس العظيمة التي هدم بها الدعوة لهذا الدين الإبراهيمي التي تتولاها "إسرائيل" وبعض الدوائر العربية المناصرة لها.

وأبرق المفكر الإسلامي إبراهيم في مقال له بعنوان الدين الإبراهيمي نشرته صحيفة الوطن المصرية، بالتحية للإمام العظيم د. الطيب الذى يمثل نموذجاً إسلامياً إنسانياً فريداً سيقف التاريخ أمامه طويلاً كما وقف من قبل أمام أمثاله من الأئمة العظام.

فكرة ساذجة وعبثية

بدوره اعتبر الدكتور محمود خليل في مقال له نشرته صحيفة الوطن المصرية، أن فكرة الدمج أو توحيد الأديان الإبراهيمية الثلاثة في ديانة واحدة فكرة ساذجة وعبثية، ومؤكد أن من يقفون وراءها واثقون أكثر من غيرهم أن مآلها الفشل والانطفاء.

وأوضح أن الهدف من طرح فكرة الدين الإبراهيمي، هو المزيد من التأجيج للصراعات الدينية ودفع عجلة التعصب الديني لتعمل بكامل طاقتها. وجاءت فكرة الدفع بـ "الدين الإبراهيمى" في محاولة لإشعال فتيل التعصب لدى المتدينين بالديانات الثلاث، ودفع كل منهم إلى الإحساس بأن هناك من يريد أن يبتكر لهم ديناً جديداً ينسف دين الآباء والأجداد، وهى محاولة قديمة متجددة، فمن قبل ظهرت البهائية ودعت إلى إيجاد رؤية موحدة ما بين البشر من معتنقي الأديان ذات المصدر الإلهي الواحد.

وأشار الكاتب إلى أن فكرة "الدين الإبراهيمى الجديد" يعيد بالذاكرة للوراء عندما وصف وزير الثقافة الفرنسي الأسبق أندريه مارلو للقرن الحادي والعشرين بأنه قرن الأديان بامتياز، وأنه مرشح لاحتضان العديد من الصراعات الدينية المريرة، وهى تعكس ما نعرفه جميعاً من ميل من جانب الغرب إلى التخطيط المبكر لإنفاذ مطامعه في منطقة الشرق الأوسط، عبر استنزاف أمواله في شراء السلاح، تلك التجارة الي تروج أكثر ما تروج في الصراعات الدينية أو المذهبية أو الطائفية، ولا يوجد شيء يمكن أن يشعلها أكثر من الشعور بأن "الدين مهدَّد".

أصابع خفية وراء "الديانة الإبراهيمية"

الكاتب محمد عصمت، قال في مقال له نشرته صحيفة الشروق المصرية، أن أصابع خفية عديدة تقف وراء نشر "الإبراهيمية"، منها جهات رسمية غربية، ومنها مراكز بحوث وجامعات مرموقة، بل وهناك قادة دول أيضا يروجون لها على أرض الواقع.

وأضاف أن الرئيس الأمريكي ترامب على سبيل المثال استغلها لتمرير صفقة القرن، وفرض التطبيع مع "إسرائيل" على الدول الخليجية، وربما يكون هناك قادة أيدوها لأسباب أخرى قد يكون على رأسها الحصول على دعم أمريكا والصهيونية العالمية، وربما أيدها قادة آخرون خوفا من غضب واشنطن، أو تقربا للبيت الأبيض لنيل رضاه، وليس اقتناعا بالإبراهيمية أو بأهدافها.

وأكد أن "إسرائيل" هي المستفيد الحقيقي الأول والأخير من "الإبراهيمية"، فالشعوب العربية هي التي ستدفع الثمن غاليا من أجل أوهام السلام مع الكيان الصهيوني، فالسلام لن يتحقق إلا بإسقاط الصهيونية وبإقامة دولة فلسطين التي تجمع بين العرب واليهود، وهو ما يدركه جيدا هؤلاء المبشرون بجنة "الإبراهيمية البائسة"، لكنهم يراهنون على خداعنا وسلب المزيد من حقوقنا!

تطويع الدين لمصالح السياسة (تديين السياسة)

من جهته، أوضح د. عطية عدلان، أن فكرة الدعوة للدين الإبراهيمي والتخطيط لتنفيذه في المنطقة تقوم على بُعْدَين، الأول: البعد الدينيّ، والثاني: البعد السياسيّ، فأمّا البعد الدينيّ فيتكئ على أنّ الأديان السماوية الثلاثة لها جذر تاريخي وعقديّ واحد، هو دين إبراهيم؛ بما يعني لدى المخططين للمشروع إمكان وجدوى العودة بالناس جميعا في المنطقة العربية الشرق أوسطية إلى الأصل القديم، بدلا من التشاكس والتشاحن بسبب الخلاف العقديّ، وأمّا البعد السياسيّ فهو قائم على فكرة كانت قد لاحت لبعض المفكرين السياسيين، وهي مدى إمكان "تَدْيِين السياسة" بتطويع الدين لمصالح السياسة؛ ليؤدي دورا في إحلال السلام وإنهاء حالة الاحتراب، وبالطبع لا يمكن أن يتحقق هذا مع وجود تعددية عقدية.

واعتبر الكاتب عدلان في مقال له نشر على موقع الجزيرة نت، أن العقد الإبراهيمي هو بمثابة جملة فكريّة كافية تماما للبدء في تنفيذ المشروع الكبير، الذي يُعَدُّ إغلاق الدائرة في مشروع صفقة القرن، والذي -لأهميته في إتمام صفقة القرن- أطلق الرئيس السابق لأمريكا دونالد ترمب على معاهدة التطبيع الإسرائيلية الإماراتية (العقد الإبراهيمي)؛ فلتكن البداية مِن هناك مِن الإمارات، وَمَن لها إلا الإمارات؟! هناك يُبْنَى (بيت العائلة الإبراهيمية)، ومن هناك تبدأ الدعوة للمشروع، بمباركة "بِنْ بَيَّة" و"وسيم يوسف".

وشدد الكاتب على أن هذا المشروع الإبراهيمي مرفوض لدى المسلمين جميعا، علمائِهم ودهمائِهم على حدّ سواء؛ وهو بمثابة مُضادّةٌ صريحة لمحكمات الإسلام وثوابته المعلومةِ من دين الله بالضرورة، بمشروع سياسي ديني تغييريّ له دور كبير في إتمام صفقة القرن، وفي إخضاع المنطقة برمتها للكيان الصهيوني.

وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من أهم الدول التي تروج للدين الإبراهيمي في الشرق الأوسط، وبرز ذلك من خلال إنشائها العديد من الكيانات والمؤسسات والمؤتمرات والندوات والمبادرات والاتفاقيات، التي تدعو إلى الالتفاف حول ما يسمى الديانات الإبراهيمية الثلاث، (الإسلام، والمسيحية، واليهودية)، إضافة لإعلانها على لسان سفيرها في روسيا، محمد أحمد الجابر، أنها ستفتتح "بيت العائلة الإبراهيمية" خلال العام 2022، وأنه سيصبح مكاناً للتعلم والحوار والعبادة، وسيركز على التقريب بين جميع الأديان.

وأمام ما تقدم من رؤى نخبة من الكتاب والمفكرين وعلى رأسهم موقف شيخ الأزهر العالم أحمد الطيب، فإن هناك نوايا سياسية خفية يحملها مشروع الدين الإبراهيمي أو الإبراهيمية، تهدف إلى التطبيع الكلي الذي تسعى إليه "إسرائيل" مع البلاد العربية، وتكون لها الكلمة العليا في منطقة الشرق الأوسط.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo