ماذا تريد إسرائيل؟

بينيت
بينيت

لا أوافق على مبدأ سقف طموحاتنا الوطنية بما تريده إسرائيل، أو بما يمكنها التنازل عنه، إنما بما نستطيعه بأدوات ووسائل ممكنة، وقابلة للاستخدام، وقادرة بالفعل على تحقيق الأهداف.

كثيراً ما نسمع من يعترض على فكرة ما بقوله: وهل ستقبل إسرائيل بذلك؟ ومثل هذا السؤال يتجاهل حقيقة أن إسرائيل لا تقبل بشيء، إلا بسيطرتها الكاملة على كل الأرض التي تسميها أرض إسرائيل، فهي لا تقبل بفكرة الدولة الواحدة، ولا الدولتين، ولا التراجع عن مشروعها الصهيوني، هي لا تقبل أياً من الحلول التي يمكنها أن تمنح الفلسطينيين ولو الحد الأدنى من الحقوق، حتى تلك التي لا يزال العالم يعترف بها للفلسطينيين، وعليه فإن جعل القبول الإسرائيلي أساساً لأي مشروع فلسطيني، أو سقفاً له ليس له إلا معنى واحداً، وهو أن يتنازل الفلسطينيون عن كل شيء، بل وعن كل أشكال النضال.

نحن إذن لا نسقف مشاريعنا الوطنية بما تقبله إسرائيل، وتريده، إنما بما نستطيع فعلاً فرضه، لكن هذا لا يعني ألا نحاول فهم ما تريده إسرائيل، وما تخطط له، كخطوة أولى تجاه وضع أسس لخطواتنا التي نسعى من خلالها أولاً لإحباط المخططات الصهيونية، ثم ثانياً إلى الوصول إلى أهدافنا، ولو بشكل جزئي، ومتدرج، أما الاعتماد فقط على ما نريده نحن، وكأننا اللاعب الوحيد على الأرض فسيفاجئنا بمعطيات، وحقائق على الأرض استطاعت إسرائيل فرضها خلال غفلتنا عما تخطط له، بل وتنفذه عملياً على الأرض.

بالعودة إلى عنوان المقال: ماذا تريد إسرائيل:
إن الخيارات التي يمكن افتراضها للإجابة على هذا السؤال يمكن حصرها فيما يلي:

1. الموافقة على حل الدولتين، ومنح الفلسطينيين الأراض التي احتلتها عام 1967م.
2. ضم كل الأراض الفلسطينية ضمن ما يسمى بدولة إسرائيل، ويشمل ذلك السكان الفلسطينيين.
3. ضم ما يقارب ال 60% من الضفة الغربية، وإبقاء المساحة المتبقية المكتظة بالسكان للفلسطينيين، وخلق دولة فلسطينية غير متواصلة جغرافياً.
4. الإبقاء على الفلسطينيين في كانتونات ممزقة، ومنحهم شيء ما يشبه الحكم الذاتي تحت الحكم الإسرائيلي لكل فلسطين.
5. طرد الفلسطينيين من كل فلسطين، وضم الأراض بدون سكانها إلى ما يسمى بدولة إسرائيل.

لا يمكنني شخصياً تخيل خيارات أخرى بديلة يمكن لإسرائيل أن تضعها على طاولة البحث، فما سبق يشمل كل ما يمكن لإسرائيل أن تفكر فيه كجزء من رؤيتها لطبيعة الحل الممكن للقضية الفلسطينية، ما يعني أن بحثنا فيما يمكن أن تريده إسرائيل يمكن حصره في الخيارات السابقة، أو على الأقل منح هذه الخيارات الأولوية في البحث، إلى أن يثبت وجود خيارات أخرى.

ولمعرفة أي من الخيارات السابقة يمكن لإسرائيل أن تتبناه، لا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المشروع الصهيوني، أو فهم العقل الصهيوني، وكيف ينظر هذا العقل إلى فلسطين، وإلى المنافسين الفلسطينين له على الأرض، ثم فحص قدرة إسرائيل على فرض ما تريده وفقاً للمعطيات الإقليمية، والدولية، أو ما يمكن أن يسمح به العالم.

يمكنني الجزم في هذه العجالة أن الخيار المفضل لإسرائيل، والذي يتوافق كلياً مع طبيعة العقل والمشروع الصهيوني يتمثل في طرد الفلسطينيين من كل الأراض الفلسطينية التي احتلتها عام 67، وتحديداً من الضفة الغربية، التي ترتبط بالتراث اليهودي حسب مزاعم الصهيونية، بل ترتبط بمزاعم الصهيونية المؤسسة لفكرة عودة اليهود إلى ما تسميه أراض إسرائيل التاريخية، التي وعدهم الرب بها، وفي إسرائيل يُطلق على أراض ال 67 اسم الأراض المحررة، وهي لا تزال حتى اللحظة تطلق عليها مسمياتها التوراتية" يهودا والسامرة' كتعبير صريح غير قابل للتأويل عن رؤيتها لأراض الضفة الغربية، لكن إسرائيل تدرك أن خيار الطرد ليس خياراً سهلاً، أو حتى ممكناً في اللحظة السياسية المعاصرة، وإن كنت أزعم أنها لن تتوانى عن اللجوء إليه، فيما لو نضجت المعطيات السياسية في الاتجاه الذي يمكّنها من فعله، لكنها في هذه اللحظة على الأقل تدرك أنه ليس خياراً ممكناً، إلا ربما من خلال التضييق على حياة الفلسطينيين في الضفة لجعل الحياة هناك مستحيلة، لكن حتى كل ما يمكن لإسرائيل أن تفعله لا يمكنه تهجير ملايين الفلسطينيين طوعاً، ما يعني باختصار أن هذا الخيار لم يعد واقعياً، على الأقل في اللحظة الراهنة.

في مقابل ذلك لا تبدو أي جهة في إسرائيل جاهزة لقبول فكرة حل الدولتين على حدود ال 67، حيث تقف عقبتا القدس، والمستوطنات، إضافة إلى اللاجئين كموانع حقيقية في وجه هذا الخيار، وغني عن القول أن كل الساسة الإسرائيليين، يميناً ويساراً لم يقدموا أي دليل على قبولهم بأي حلول وسط فيما يتعلق بعقبات اللاجئين، والقدس، والمستوطنات، إنما العكس هو الصحيح، حيث تواصل إسرائيل مفاقمة معضلة المستوطنات في كل من الضفة، والقدس.

اقرأ أيضاً: الحالة الأمنية في الخليل وجنين..دليلٌ على فقدان السيطرة؟

كما أن إسرائيل لا يمكنها قبول فكرة ضم الأرض والسكان، حيث ستفقد إسرائيل على الفور طبيعتها كدولة يهودية، وفقاً للمعطيات الديمغرافية، خاصة إذا شمل الضم قطاع غزة، أما الدولة الفلسطينية مقطعة الأجزاء وفقاً لخارطة صفقة القرن- والتي لم تتراجع عنها إسرائيل، ولا حتى أمريكيا عملياً، باستثناء بعض التصريحات اللفظية التي لم تفرض نفسها على الأرض- فمثل هذه الخطة تحتاج إلى شريك فلسطيني يمكنه قبول هذه الدولة المشوهة، وهذا ما لا يمكن لأي فلسطيني أن يقبله، مهما كانت رغبته في الوصول إلى الحلول السلمية.

لا يتبقى إلا خيار الكانتونات داخل ما يسمى بدولة إسرائيل، والتي يمكن لإسرائيل أن تمنحها حكماً ذاتياً قزماً، تتخفف من خلاله إسرائيل من عبئ السكان، دون أن تتنازل عن ملكيتها لكل الأرض، وبرأيي فإن هذا تحديداً ما تشير إليه كل الخطوات العملية لإسرائيل، والتي تحاول من خلالها محاصرة أي فرصة للتواصل الجغرافي لأي كيان فلسطيني يمكنه أن يتخلق في الضفة الغربية، كما يبدو واضحاً هذه المرة، ودون أي تعبيرات التفافية في خطة الاستيطان الجديدة التي تقترحها حكومة بينت، والتي تعمد إلى خلق طوق يهودي حول كل من القدس، ورام الله، وبيت لحم.

أدرك أن هذه للعجالة غير كافية لشرح الخطط الإسرائيلية، ومبررات اختيار البدائل، لكني أقدمها كرسالة، أو كمحاولة لطرق خزان العقل السياسي الفلسطيني، الذي يحتاج أن يعيد النظر في طروحاته السياسية، وفقاً لمجموعة من المعايير، إحداها ما تريده إسرائيل، وما تخطط له، وكيف لنا أن نُفشِله، وما هي البدائل التي نستطيع فعلاً فرضها على الأرض، وعلى إسرائيل، حتى لو لم توافق عليها إسرائيل، فنحن- كما قلت أعلاه- لسنا مسقوفين بما تريده إسرائيل، إنما بما يمكننا على الحقيقة فرضه على الأرض، آخذين بعين الاعتبار جملة المؤثرات الإقليمية، والدولية، التي لا يمكن تجاهلها خلال نضالنا لتحقيق أقصى ما يمكننا الحصول عليه من الحقوق الفلسطينية المشروعة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo