تقرير الحالة الأمنية في الخليل وجنين..دليلٌ على فقدان السيطرة؟

الأجهزة الأمنية في الضفة
الأجهزة الأمنية في الضفة

أظهرت الإشتباكات العنيفة التي اندلعت في مخيم جنين ليلة الجمعة، وكذلك مظاهر التحشيد العسكري في الشجارات العائلية بمدينة الخليل، حجم التوتر الناتج عن قلق السلطة الفلسطينية المتصاعد مِن مآلات الحالة الأمنية وانتشار السلاح بمناطق متفرقة بالضفة، وظهورها بصورة غير المُسيطر والإضرار بهيبتها.

جنين..القلق الأكبر؟

لكنّ السلطة بدت أكثر قلقاً مما يجري في مخيم جنين في الأشهر الاخيرة، وخاصة في أعقاب خروج مسلحين ملثمين، مؤخراً، وقد ارتدوا شعار "كتائب القسام" الذراع العسكرية لحركة حماس في جنازة القيادي في "حماس" وصفي قبها؛ إذ تعتبر الأجهزة الأمنية أي نشاط ل"حماس"، خاصة إن كان عسكرياً، بمثابة خط أحمر لا يُمكن السكوت عليه.

وقد سبق واقعة جنين، أن بادرت السلطة الفلسطينية إلى إجراء تنقلات لقادة الأجهزة الأمنية في محافظة جنين؛ إيذاناً بإطلاق مرحلة تقتضي معالجة أمنية للحالة المستجدة في المدينة.

وأفاد مصدر أمني بالسلطة الفلسطينية لموقع "زوايا"، أن قرار تغيير قادة الأمن في محافظة جنين، قد صدر، فعلياً، قبل شهرين، بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية في أعقاب تصاعد حالة ظهور المسلحين في جنين ومخيمها وقراها، بعد عملية تمكن ستة أسرى من انتزاع حريتهم من سجن جلبوع لأيام، قبل أن تعيد سلطات الإحتلال اعتقالهم..لكنّ تطبيق القرار تم مؤخراً. وهذا يعني، أن ظهور مسلحين بالعشرات في الشوارع، قد أضر بهيبة السلطة وأظهرها في حالة عدم القدرة على السيطرة في الضفة الغربية، وقد عاظم ظهور مسلحي "حماس" في مخيم جنين، قلق السلطة الموجود أصلا منذ أشهر.

وتضاربت الأنباء عن حيثيات ظهور مسلحي "القسام" في مخيم جنين، إذ أكد مصدر صحفي من المخيم ل"زوايا"، أنّ هناك عادة قد دأب عليها مسلحو المخيم من مختلف التنظيمات، وهي أن يرتدون نفس شعار الفصيل في مناسبات معينة، كنوع من التكاتف والوحدة، وهو ما يعني أنه من الناحية الواقعية، ليس كل مّن ارتدى شعار كتائب القسام من المسلحين هو حمساوي، بل موزعون على "كتائب الأقصى" التابعة لحركة "فتح" و"سرايا القدس" التابعة للجهاد الإسلامي..لكنّ مصدراً فصائلياً من المخيم أيضاً، نوه لـ "زوايا"، بأن "حماس" جلبت مسلحين لها من مناطق أخرى، ليتجمعوا في المخيم؛ بغية البعث برسائل سياسية.

اقرأ أيضاً: دراسة: السلطة تحول الراتب من حق الى أداة ابتزاز

وبالطبع، فإن المشهد الأمني في المخيمات عموماً، يتداخل فيه أيضاً الصراع داخل "فتح" بين تياري محمود عباس والمفصول من الحركة محمد دحلان، خاصة عندما يدور الحديث عن اسمين في مخيم جنين هما شامي الشامي وسامي الرخ، باعتبار أنهما محسوبان على دحلان، بموازاة اعتقالات نفذتها الأجهزة الامنية طالت عناصر محسوبة على محمد دحلان في مناطق متفرقة بالضفة في الآونة الأخيرة.

وبدورها، اعتبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أنه في أعقاب الفوضى الأمنية، باشر رئيس السلطة محمود عباس عملية عسكرية في جنين لإعادة السلطة والسيطرة على المدينة.

الخوف على هيبة السلطة

ويُجمع مراقبون على أن ما جرى في جنين، هو دليل على إدراك السلطة أن مخيم جنين وبعض المناطق بالضفة الغربية وخاصة المخيمات هي ليست تحت سيطرة السلطة. ورأت الأخيرة أنها أصبحت مناطق تهدد شرعية السلطة والسيادة خاصة بعد جنازة وصفي كبها، واستعراض القوة العسكرية لحماس. لذا، يساور السلطة قلق كبير مما يجري في مخيمات الضفة ومدينة الخليل وحالة انتشار السلاح.

وروجت جهات إسرائيلية عبر وسائل إعلام عبرية، بأن تحرك السلطة في جنين وربما مناطق اخرى، نابع من خشية السلطة أنها في حال لم تقم بمعالجة امنية لما يجري، فإن قوات الإحتلال الإسرائيلي ستقتحم هذه المناطق، حسب تهديدات وردت من تل ابيب.

ما يجري انعكاس لتراجع بناء مؤسسات الدولة

من جانبه، أكد المحامي المقدسي والوزير الأسبق زياد أبو زيّاد في حديثه لموقع "زوايا" أنه في كل الأرض المحتلة، بدأت تظهر ميليشيات وعائلات، حيث انطلق في الخليل ثم امتد لمناطق أخرى، إذ أن كل عائلة أو جهة تقوم بتسليح أشخاص وتكوين ميليشيات.. موضحاً أن هذا يُدلل "على غياب سلطة القانون وعجز الأجهزة الأمنية، وعدم وجود سلطة في البلد".

وتابع أبو زيّاد "للأسف الشديد، كل هذا بدأ من وقت تراجعنا في بناء مؤسسات دولة وأصبحنا نعيش في حالة من الفراغ".

وفسر أبو زياد ما يجري، بالقول: "تنظر إلى وضعنا الحالي، فلا يوجد لدينا برلمان ولا حكومة شرعية، وكل المؤسسات فقدت شرعيتها الإنتخابية، وتفشت الفوضى، وتنقرض هيبة السلطة تدريجيا".

واستعرض المحامي المقدسي ما يجري في المدن والقرى، مشيراً إلى تصدر الإعتداءات بين المواطنين، وعلى الأملاك العامة والطرق. وضرب بلدة العيزرية التي يعيش بها أبو زياد، مثالاً، قائلاً: "انا عايش في العيزرية، وهي مدينة لكن لا يوجد بها أي أرصفة، فتجد أطفالا ونساء وشيوخاً يمشون بين السيارات. لا تجد أحد يضبط النظام ويحافظ على الأمن العام".

"في الطريق إلى الإنهيار"؟

واعتبر أبو زياد أن كل هذه الظواهر السلبية توحي "أننا في طريقنا نحو الإنهيار التام"، محملاً قادة السلطة، المسؤولية لما آل إليه الوضع العام. وتابع: "إذا سمعوا عن واحد عنده قطعة سلاح يعتقلوه، لكن بنفس الوقت، تحدث جرائم قتل لا أحد يتابعها للأخر، فالقضاء مهلهل، وتوجد فوضى عارمة".

اقرأ أيضاً: تبييض منتجات المستوطنات.. دعم للاستيطان وإضرار بالمنتج الوطني

وشدد أبو زياد أن هناك حالة انهيار لكل السلطات (القضائية والتشريعية والتنفيذية)، مشيراً إلى ان المطلوب من من الرئيس محمود عباس هو أن يتحمل صلاحياته، وأن تجري انتخابات ويمارس المجلس التشريعي دوره، وأن يتوقف الفساد المستشري.. مبيناً أن هذا الفساد في مؤسسات السلطة قد دفع الناس إلى الطمع بسلطة القانون.

وأضاف ان "الناس ترى الخراب والفساد، وكل واحد يأخذ حقه بيده، لا محاكم ولا قانون، والعشائر هي السلطة، والقضاء العشائري لا يعمل دائماً بشكل صحيح، فهناك دخلاء على القضاء العشائري ومرتزقة".

وضرب أبو زياد مثالاُ لعدم قوة القضاء حتى في أبسط القضايا، مشيراً إلى "ان قضية شتم بين شخصين، تمكث في المحاكم مدة 10 أو 15 عاماً، وهذا ما دفع الناس غلى أخذ حقوقها بيدها". وهذا ناتج عن قصور بأداء الحكومة والسلطة عموماً وعدم وجود شرعية للمؤسسات وانهيار الجهاز القضائي نتيجة التدخلات بالقضاء سواء من الحكومة او الأجهزة الأمنية أو مكتب الرئاسة، بحسب زياد أبو زيّاد..

ما حصل في جنين نتيجة تفاقم الإنقسام السياسي

وبتقريب المجهر على حالة جنين، قال أبو زيّاد إنه، من حيث المبدأ، مع سيادة القانون وعدم وجود أي سلاح غير شرعي، لكنه اعتبر أن الذي يسمح بهذه الظواهر هو الإنقسام السياسي الموجود على الساحة ويتفاقم منذ 2007 ولا نرى جهدا حقيقيا وجديا لإنهائه وترتيب البيت الداخلي.

وأكد أن ازدياد حدة الاستقطاب بين الفرقاء، مكن إسرائيل من اللعب على وتر ترهيب السلطة من استيلاء حماس على الضفة، مشيراً إلى ان استمرار الصراع بين فتح وحماس هو الذي يسمح بظهور الظواهر المسلحة على نحو خطير.

وتابع: "المفروض، سلاح المقاومة سري وليس للإستعراض في الشوارع... واستذكر هنا، واقعة، عندما طلب أحد المخيمات في الانتفاضة الثانية، من الرئيس الراحل ياسر عرفات ألا تقترب الشرطة من المخيم، من دون ذكر اسمه، حتى لا تسيل دماء"، مضيفاً أن "ذلك المخيم لم يطلق رصاصة واحدة خلال الإجتياح الإسرائيلي". ورأى"أننا نستوقي على بعضنا بعضاً وللإستعراض.. السلاح الوطني يجب ان يكون ضمن استراتيجية وطنية واحدة، وهذه لا تتوفر إلا بقرار سياسي واحد، وهذا يحدث فقط بإنهاء الإنقسام".

سياق عام..وآخر خاص

بدورها، قالت عضو الملتقى الوطني الديمقراطي نور عود لموقع "زوايا" إن هناك سياقاً عاماً وآخر خاصاً فيما يتعلق بالاحداث الامنية الجارية في المحافظات الفلسطينية، معتبرة ان السياق العام هو أن ما يجري يعكس حالة من التفكك، مردها عوامل مختلفة، جزء منها أداء السلطة نفسه. وأوضحت أن حالة الإزدواجية التي تمارسها السلطة من ناحية عدم مساءلة "سلاح المجموعات المقربة منها" بنفس الدرجة لملاحقة السلاح "المُناوئ"، قد جعلت الرأي العام يرفض تطبيق القانون بالمعنى المُجرّد.

وتابعت عودة: "منذ سنوات، ارتكبت الحكومات الفلسطينية المتعاقبة خطيئة، عبر لجوئها إلى الحكم العشائري وأخذها عطوة في مشكلات عدة". وشددت على ان "السلطة هي التي خلطت المعايير".

وأما السياق الخاص، فإن موضوع جنين معقد ومركب، إذ ان المحافظة فيها مجموعات مناوئة للسلطة وليس بالضرورة كلها تابعة لحماس، لكن المفارقة، بحسب عودة، ان الخليل تحترق منذ أسابيع، إلا أنه لم يتم اقالة اي مسؤول امني بسبب عدم القدرة على ضبط الأمور بينما في حالة جنين، فإنها أجرت تغييرات في صفوف قادة الأمن وأطلقت حملة أمنية..بالرغم من أن ما يجري في الخليل خطير.

وتساءلت: "كيف يمكن أن تكون ثقة من الناس بعد كل ذلك؟!".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo