تقرير شبح البطالة يخيم على مهنة الصحافة والإعلام بغزة

خريجو الصحافة
خريجو الصحافة

يوم بعد يوم، تذبح طموحات آلاف الخريجين في قطاع غزة على عتبة البطالة، في ظل عجز سوق العمل عن استيعاب طاقاتهم الشابة الجديدة.

وعلى نحو خاص، بات خريجو الصحافة والإعلام ضحايا جدد للحصار والترهل الاقتصادي بقطاع غزة، إذ تشير إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إلى أن معدل البطالة للأفراد بين (20 إلى 29 عاماً)، الحاصلين على مؤهل علمي في تخصص الصحافة والإعلام في فلسطين، يبلغ 56% بين الذكور والإناث، فيما تبلغ نسبة البطالة في قطاع غزة 76.3%. 

وتأتي هذه الأرقام بالتوازي مع تقديم 25 قسماً في جامعات قطاع غزة، خدمات تعليمية تتعلق بمجال الإعلام سواء العلاقات العامة أو الصحافة أو الإعلام الرقمي أو الترجمة الإعلامية وغيرها من الفروع المشابهة.

بحث حثيث عن العمل دون جدوى

سعيد لولو البالغ من العمر (34 عاماً) تخرج من قسم الإعلام والعلاقات العامة في كلية الدراسات المتوسطة في جامعة الأزهر عام 2007.

يقول في إفادة لــ "زوايا": "بعد تخرجي من الجامعة، عملت في بعض مؤسسات المجتمع المدني تحت بند بطالة بعيداً عن تخصصي الإعلام والعلاقات العامة ولم أستمر كثيراً"، مشيراً إلى أن موعد تخرجه تزامن مع أحداث الانقسام الأمر الذي أثر بشكل كبير على إمكانية التحاقه بعمل له علاقة بالتخصص.

وتابع لولو: "في عام 2016 خضتُ إضراباً عن الطعام لمدة 35 يوماً وقمت باعتصام في ساحة الجندي المجهول ورفعت لافتة بعنوان "أنا خريج بدي شغل"، وتعرضت للاعتقال وأيضاً دخلت المستشفى بسبب الإضراب".

اقرأ أيضاً: التشغيل المؤقت.. لا يُسمن ولا يُغني من جوع!

وقال المواطن لولو: حاولت كثيراً وتقدمت للكثير من المؤسسات للعمل في مجال الصحافة، وللأسف لم أُوفق في ذلك، إلى أن "قمت بافتتاح (كشك الخريجين) والذي يقع وسط مدينة غزة، وحيث أبيع مشروبات ساخنة وباردة للناس"، حيث أعمل في هذه المهنة حتى اللحظة.    

بدوره، يقول الخريج محمد بنّر في حديثه لـ "زوايا": إنه تخرج من قسم اللغة العربية والإعلام، في جامعة الأزهر عام 2020، وعقب تخرجه بحث كثيراً عن عمل، إلا أنه لم يعثر عليه حتى كتابة هذا التقرير.

ويضيف: قدمتُ السيرة الذاتية للعديد من المؤسسات الإعلامية في القطاع، منها مواقع الكترونية وإذاعات، إلا أن الرد كان "سنرد عليك"،.

واشار إلى أن العديد من المؤسسات تستغل الخريجين عن طريق التعهد لهم بالعمل بعد فترة طويلة من التدريب، دون أن تفي بذلك.

إغلاق قنوات فضائية "زاد من الطين بلة"

من جانب آخر، أدّى إغلاق عدد من القنوات الكبيرة، التي كان لها حضور كبير على الساحة الإعلامية كفضائيتي (الكتاب والقدس)، في عامي 2017 و2018، إلى فقدان أكثر من 100 إعلامي لعملهم، الأمر الذي زاد من معدل البطالة لدى الصحفيين وخريجي كليات الصحافة والإعلام.

يقول الصحفي، حمزة مشتهى، الذي كان يعمل في قناة القدس الفضائية: إن تجربة إغلاق القناة تجربة مريرة وصعبة لسببين هامين، "الأول أنك تخسر مؤسسة إعلامية وقرار إغلاقها يعني هدم سنوات من العمل والجهد للوصول لما وصلت إليه القناة".

وأضاف في حديث لـ "زوايا": "التجربة الأكثر قسوة هو فقدان الصحفي للأمان الوظيفي وشعوره بعدم الاستقرار والخوف الدائم من أي عمل حتى في التجارب اللاحقة".

وتابع: "بعد إغلاق قناة القدس ومن قبلها قناة الكتاب وما صاحبه من إغلاق عدة وسائل إعلام محلية ومكاتب قنوات عربية ودولية لأسباب مختلفة، من الطبيعي أن لا يكون قطاع غزة أرضاً صلبة لفرص عمل جديدة ولا حتى فرص عمل مناسبة للصحفيين سواء على صعيد العائد المادي أو صعيد طبيعة العمل والمهام".

وشدد على أن "عدم وجود حاضنة للصحفيين ونقصد هنا نقابة صحفيين هو ما شجع جهات مختلفة للتغول على الصحفيين وحقوقهم، وكذلك استغلال المتدربين في المجال".

وقال مشتهى: "الانقسام السياسي أثر على عمل الصحفيين وحمايتهم فلا يوجد لهم سند حقيقي أو جهة يمكن اللجوء لها في حال تعرض الصحفي للظلم، وهو ما حدث بالفعل في مرات عديدة، وقناة القدس ليست الحالة الأولى ولا الوحيدة، وأعتقد أنها ليست الأخيرة – لا سمح الله- خاصة مع بقاء الوضع على حاله بل ذهابه للأسوأ".

حان الوقت لتقليل أو دمج أقسام الإعلام

وحول هذا الموضوع، يرى د. تحسين الأسطل، نائب رئيس نقابة الصحفيين، بأن قطاع غزة "أمام معضلة كبيرة، وحذرنا كثيراً من تداعيات ذلك مبكراً".

وأضاف في حديث لـ "زوايا": نحن في نقابة الصحفيين وفي عام 2013 عقدنا اجتماعاً مع رؤساء أقسام وكليات الإعلام في الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة، وطلبنا وضع استراتيجية واضحة لعملية توافد أعداد كبيرة من طلبة الثانوية العامة على تخصصات الإعلام، لأن حاجة السوق لا يمكن أن تستوعب هذا العدد الهائل من الخريجين".

وأضاف: "يطمح الكثير لأن يعمل بمهنة الإعلام رغم ما تحيط من متاعب، ولكن لا بد أن يكون هناك إعادة نظر في أقسام الإعلام العاملة في قطاع غزة".

وشدد الأسطل على أنه يجب تقليل أو دمج أقسام الإعلام في الجامعات، كي تستطيع تلبية احتياجات السوق، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال الجامعة الإسلامية لديها قسمان، قسم الصحافة وقسم العلاقات العامة وهما جزء من كلية الآداب، وجامعة الأقصى هناك كلية الصحافة والإعلام ولديها كل التخصصات.

وأردف الأسطل: "في جامعة أخرى هناك أقسام كثيرة، وبالتالي حاجة السوق الآن لا تستطيع أن تلبي هذا العدد الهائل من خريجي الإعلام".

ونبّه نائب رئيس نقابة الصحفيين، أن العدد الأكبر للمسجلين في نقابة الصحفيين ليسوا خريجي إعلام، وهذا إشكال آخر، يتطلب من صناع القرار والحكومة الفلسطينية أن تحدد بأن وظيفة الإعلام هي لمن يعمل بها من خريجي أقسام الإعلام، لافتاً إلى أن بعض الوزرات بدأت تنتهج هذا النهج.

وفي سؤال حول سبب عدم وجود حوار مع وزارة التربية والتعليم العالي بشأن العمل على رفع معدل القبول لدى كليات الصحافة والإعلام، قال الأسطل: "تم استبداله المقترح بعمل الأقسام الجامعية مقابلات لفلترة المتقدمين، لكن للأسف الشديد الجامعات تقبل الجميع".

وتابع: "في كل الدول الإقليمية من يريد أن يتخصص في الصحافة والإعلام، لا بد أن يكون معدله 85% وهذا الشرط يجب أن يتم تفعيله وتقنينه أو دراسته، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستمرار بهذه الطريقة".

وأعرب الأسطل عن أسفه من أن بعض الكليات أصبحت الآن تطرح برامج ماجستير، ولدينا الكثير من طلبة ماجستير الإعلام عاطلون عن العمل، لذلك يجب التوجه للتعليم المهني والتقني، فالمهن المساعدة للإعلام لا بد أن نبني عليها، وأن يتم تدريب خريجي الثانوية العامة في مثل هذه التخصصات".

وقال: "حاليا هناك من تخرج في عام 2000 من كليات الصحافة والإعلام، وحتى هذه اللحظة عاطل عن العمل، وللأسف الكثير من المؤسسات عندما تريد البحث عن مذيع أو محرر لا تلتفت إلى الشهادة".

وتابع: "هناك إشكالية أخرى تتعلق ببحث الشركات والمؤسسات عن الصحفي الشامل، فأغلب هذه المؤسسات تريد توفير الأموال، فتبحث عن صحفي لديه تجربة في مهارات كثيرة فهي تريد المحرر والمذيع والمصمم والمونتير والمصور في شخص واحد، وهذا صعب جداً خاصة وأن العمل الإعلامي هو عمل متكامل، وهذا الأسلوب جريمة".

اقرأ أيضاً: المتحدث باسم وزارة العمل رامي مهداوي: تطبيق قانون الضمان الاجتماعي سيعود للواجهة من جديد

وشدد نائب نقيب الصحفيين على أن الجميع يتحمل المسؤولية ولا نستطيع أن نلقي باللائمة على طرف دون الآخر.

وفي سؤال حول اتهام نقابة الصحفيين بعدم وقوفها بجانب موظفي قناتي الكتاب والقدس الفضائيتين، أكد الأسطل بأن هذا الاتهام غير صحيح، موضحا "طلبنا منهم التقدم بشكوى رسمية، إلا أنهم لم يفعلوا ذلك، وبالتالي لم نتحرك لأنه لا يوجد أي شيء رسمي أمامنا".

إشكالية متشعبة

بدوره يقول رئيس قسم العلاقات العامة في جامعة الأقصى، د. أحمد حمّاد، "نتحدث عن واقع شباب فلسطيني، وكم كبير يتم قبولهم في كليات الصحافة والإعلام دون وجود مراعاة لحاجة السوق الفلسطيني".

وأضاف في تصريح خاص لـ "زوايا": "هذا الواقع للحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، وبالإضافة إلى عدم وجود تشغيل في قطاع غزة وتحديداً في المؤسسات الحكومية لاستيعاب موظفي الإعلام والعلاقات العامة".

وتابع حماد: "بعض الشباب من خريجي الإعلام يعمل بمبالغ زهيدة جداً شهرياً، وهناك فرص مهدورة لهؤلاء الشباب نتيجة الوضع المأساوي الذي يعاني منه شعبنا".

ويعتقد رئيس قسم العلاقات العامة في جامعة الأقصى، بأن الإشكالية هنا متشعبة لها علاقة بالحكومة وإدارة ملف الخريجين ولها علاقة بالجامعات والمؤسسات التعليمية ومؤسسات التعليم العالي.

وتساءل: "هل نحن بحاجة إلى هذا الكم الكبير من البرامج التي تحصل على ترخيص من قبل وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي؟"

وأردف "يجب إجراء حوار سريع بين الأطراف ذات العلاقة وتحديداً نقابة الصحفيين والجامعات وممثلين عن الحكومة ووزارة التعليم العالي حول هذه القضية"، مشيراً إلى أن ناقوس الخطر دقّ منذ سنوات طويلة، نتيجة الجيش الجرار من العاطلين عن العمل بقطاع غزة.

مقترحات للقفز على أزمة تعطل الصحفيين

وشدد على أن الحل يكون عند الجهات المسؤولة، ولكننا نحاول أن نشير إلى بواطن الخلل، بينها أن عدداً من المؤسسات حصلت على تراخيص لبرامج إعلام ولم يكن لديها طواقم أكاديمية ومحاضرين.

وأكد ضرورة إلزام وزارة التعليم العالي لهذه الكليات بتوظيف عدد من حملة شهادات الماجستير والدكتوراة وتشغيل فنيين، وبالتالي يمكن استيعاب من 10-15% من خريجي الشهادات العليا".

كما شدد حماد على أنه يجب أن يكون هناك قرار ملزم من قبل نقابة الصحفيين للمؤسسات الإعلامية الخاصة إلى جانب ديوان الموظفين في غزة ورام الله بأن يتم استيعاب خريجي الصحافة والإعلام.

قطيعة بين حاجة سوق العمل والتخصص الجامعي

من جانبه، يقول رائد بركات مدير عام التعليم العالي، المتحدث باسم وزارة التعليم العالي، إن قضية اختيار التخصص بغض النظر كونه من الصحافة والإعلام أو غير ذلك، مرهون برغبة الطالب الشخصية وذويه ونظرتهم لسوق العمل إلى جانب الثقافة المجتمعية.

وشدد في تصريح لـ "زوايا": على أن الوزارة لا تستطيع اتخاذ إجراءات تتعلق بالحد من تخصصات الصحافة والإعلام أو غيرها، مشيراً إلى أنهم أغلقوا برامج عديدة وطلبوا تعديل وتطوير برامج أخرى، وفتح برامج لها مساحة في السوق، ولكن في النهاية هذه ثقافة مجتمعية.

وتابع المتحدث باسم وزارة التعليم العالي: "إذا كان الطالب يريد تخصص الصحافة والإعلام وكانت بالنسبة له حلم، فلن يستطيع أحد منعه من الالتحاق به حتى يحقق حلمه".

وأردف بركات: "نقوم بدراسات ونتواصل بشكل دائم مع مؤسسات التعليم العالي، والمجتمع المدني ودائرة الإحصاء، ليس فقط بشأن تخصص الصحافة والإعلام ولكن في جميع التخصصات الأكاديمية".

وأـوضح: "ننصح بأن يلجأ الطالب للتخصصات المهنية والتقنية، ونحن نشجع فتح مؤسسات تقنية نضمن لطلابنا عملية تدريب تقني ومهني دون المرور بعمليات أكاديمية"، مشدداً على أهمية نشر ثقافة التوجه للتعليم التقني.

وفيما يتعلق بإمكانية رفع معدلات القبول لكليات الصحافة والإعلام كحل من حلول تقليل عدد الطلبة الذين يلتحقون في كليات الصحافة والإعلام، قال بركات: إن هذا الموضوع يجب أن يعرض على مجلس التعليم العالي، لأنه يُناقش ضمن أبعاد مختلفة، مشيراً إلى أن أعداد الخريجين ليس له علاقة بموضوع رفع أو خفض معدل القبول.

وأكد بأن النقابات التي لها علاقة بالتخصص، يمكن أن تتوجه لطلب للوزارة من أجل خفض معدل القبول، وإذا وُجد بأن ذلك يمكن أن تؤدي إلى نتيجة إيجابية، يمكن للمجلس أن يصوت لصالح القرار.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo