مصيرهم بين الهجرة والترحيل

تقرير فلسطينيو سوريا في لبنان.. هروب من جحيم الحرب إلى عذاب الفقر

من مظاهرات اللاجئين
من مظاهرات اللاجئين

يضع ابو محمد اغراض منزله في سيارة اجرة. بعض الحاجيات الاساسية القديمة. ويضع فوق الفراش اطفاله ويتجه الى منزله الجديد. يشكل هذا البيت الرقم السابع لابو محمد منذ نزوحه من سوريا في عام 2013 حيث تنقل بين عدة منازل في مخيم الرشيدية ، اما بسبب غلاء الاجار او لان صاحب المنزل يريد بيته.

حالة عدم الاستقرار هذه هي ليست حكراً على ابو محمد وعائلته فحسب، بل هي تمثل صورة عيش فلسطينيو سوريا المقيمين في لبنان بعد نزوحهم بسبب الحرب.

يعيش فلسطينيو سوريا في لبنان ظروفا معيشية صعبة للغاية، ومما زاد طين معاناتهم بلة هي الأزمة اللبنانية المستجدة حيث وصل عددهم حسب احصائيات الانروا ل 27 الف.

بداية اللجوء

مع موجات اللجوء التي تتالت في العقود اللاحقة، تم تقسيم اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى أربع فئات حسب تاريخ اللجوء:

  • فئة اللاجئين عام 1948: يمثّل هؤلاء الشريحة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين بسوريا، ويتمتعون بحقوق المواطن السوري في المجالات الوظيفية والمهنية والعلمية، لكنهم لا يستفيدون من الحقوق وامتيازات أخرى خاصة بالمواطن السوري مثل الجنسية والانتخاب والترشح لعضوية مجلس الشعب ونحو ذلك.
  • فئة اللاجئين عام 1956: وتم تسجيل هؤلاء على قيود مؤسسة اللاجئين وعلى قيود الأونروا، وينطبق عليهم أغلب ما ينطبق على المنتسبين إلى الفئة الأولى، غير أنهم لا يسمح لهم بدخول سوق العمل إلا من خلال التعاقد بصفة مؤقتة.
  • فئة اللاجئين عام 1967: وينقسم هؤلاء إلى قسمين، قسم تمكن من التسجيل على قيود مؤسسة اللاجئين، وهؤلاء يعاملون معاملة فئة اللاجئين عام 1956، أما الذين لم يتمكنوا من ذلك فيعاملون معاملة الأجنبي إذا كانوا من حملة وثائق السفر المصرية (قطاع غزة) ومعاملة العربي المقيم إذا كانوا من حملة جوازات السفر الأردنية (المؤقتة)
  • فئة اللاجئين عام 1970: والواقع أن أوضاع هؤلاء هي الأكثر تعقيدا بحكم أن أغلبهم لا يحملون أي أوراق ثبوتية على الإطلاق، وكثير منهم تركوا أوطانهم في غزة أو الضفة وانتقلوا إلى الأردن ومنه إلى سوريا ولم يتمكنوا من الحصول على أوراق أردنية أو وثائق سفر مصرية.

وتوجد في سوريا تسعة مخيمات رسمية للاجئين الفلسطينيين معترف بها من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى ثلاثة مخيمات أخرى غير رسمية.

أما المخيمات الرسمية فهي:

  •  مخيم النيرب (مدينة حلب): سجل فيه 19 ألف لاجئ فلسطيني.
  •  مخيم حماة (مدينة حماة): سجل فيه 8 آلاف لاجئ فلسطيني.
  • مخيم حمص (مدينة حمص): سجل فيه 22 ألف لاجئ فلسطيني.
  • مخيم خان الشيح: يقع جنوب غرب العاصمة دمشق بنحو 27 كيلومترا وسجل فيه 19 ألف لاجئ فلسطيني.
  • مخيم خان دنون: جنوب العاصمة دمشق بنحو عشرين كيلومترا، سجل فيه 9500 لاجئ فلسطيني.
  • مخيم سبينة: جنوب دمشق بنحو 14 كيلومترا، وسجل فيه 21 ألف لاجئ فلسطيني.
  • مخيم قبر الست: جنوب دمشق، وسجل فيه 22 ألف لاجئ فلسطيني.
  • مخيم جرمانا: يقع على الطريق الدولي المؤدي إلى مطار دمشق، وسجل فيه 18500 لاجئ فلسطيني.
  • مخيم درعا: ويقع في مدينة درعا جنوبي البلاد، وسجل فيه 13 ألف لاجئ فلسطيني.

المخيمات غير الرسمية:

يبرز مخيم اليرموك في ضواحي دمشق بوصفه أهم هذه المخيمات وأحد أعظم النكبات التي أصابت المخيمات الفلسطينية طوال تاريخها. فهذا المخيم الذي يُعدّ أحد أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني، والذي كان يقيم فيه نحو 144 ألفا، وفق تقديرات الأونروا، لم يعد يقيم فيه سوى بضعة آلاف حاليا.

اقرأ أيضاً: انفوجرافيك كيف نشأت قصة لم الشمل؟

ثم يأتي مخيم (الرمل) في اللاذقية: يضم نحو عشرة آلاف لاجئ فلسطيني، يليه مخيم عين التل (الحندرات): يقع في مدينة حلب ويضم 5500 لاجئ فلسطيني.

وفي أجواء الصراع في سوريا، تعرضت مخيمات اللجوء بسوريا للنكبة بدرجات متفاوتة، فمثلا تعرض مخيم درعا لتدمير 70% من مبانيه، كما تعرضت مخيمات الرمل وعين التل (حندرات) والسبينة لعمليات تهجير ومنع عودة، وتعرض مخيم اليرموك لما وصفت بعمليات تدمير وحصار وتجويع لسنوات متتالية.

النزوح إلى لبنان

بدأت المخيمات الفلسطينية في لبنان باستقبال اللاجئين الفلسطينيين من سوريا. وتفاجأ فلسطينيو سوريا بالحال المعيشي المريع الذي تعيشه المخيمات الفلسطينية اللبنانية، والحرمان الكبير من المهن والحقوق.

بدأت الأونروا بتسجيل الفلسطينيين ومنحهم المساعدات العينية بالإضافة للجمعيات المحلية. ومع بداية الهجرة إلى أوروبا في عام 2015 و 2016 كان لفلسطينيي سوريا في لبنان نصيبا منها فقد ركب عدد  كبير منهم أمواج البحر سعيا وراء ظروف معيشية أفضل.

ويقول علي تيسير اللاجئ الفلسطيني من سوريا والمقيم حاليا في أوروبا لـ "زوايا" : "لم أستطع العيش في لبنان أكثر من عامين. كانت الأمور تزداد تعقيدا. كنا نعيش مثل حياة الشحادين من المنظمات الدولية والأونروا. بالإضافة إلى العنصرية التي كنا نواجهها، فالكثير من أبناء جلدتنا من الفلسطينيين في لبنان كانوا يعتبروننا سوريين".

ويضيف علي بمكالمته الهاتفية: "عندما بدأت الهجرة إلى أوروبا، لم أتردد في اتخاذ القرار. بالرغم من خطورة الطريق، لكن المغامرة كانت تستحق على البقاء في جحيم لبنان".

الوضع القانوني

مما يفاقم صعوبة حياة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا في لبنان هو وضعهم القانوني غير الواضح بالنسبة للدولة اللبنانية.  فالفلسطيني السوري يحتاج إلى إقامة لكي يكون وضعه شرعيا في البلد. لكن الإشكالية هي في تجديد هذه الإقامة، فالضباط مراكز الامن العام يتعاملون بمزاجية ويمنعون الكثير من فلسطينيي سوريا من حيازة الأوراق.

أما من دخل بعد عام 2017 فهو ممنوع أصلا من امتلاك إقامة، مع العلم بأن الدولة اللبنانية قد أصدرت قرارا بمنع دخول اللاجئين الفلسطينيين من سوريا الى لبنان في عام 2015. مما اضطر الكثير منهم الدخول إلى لبنان بالتهريب.

عدا عن ذلك، فالكثير من اللاجئين لديهم قرارات ترحيل من لبنان، بسبب عدم امتلاكهم للإقامة وهذا يحد كثيرا من حقهم في حرية التنقل، وبالتالي قدرتهم على العمل التي تظل محصورة في إطار منطقتهم التي يعيشون فيها.

يضاف لذلك، فإن عدد المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان عليها حواجز للجيش اللبناني تمنع الأجنبي من الدخول إليها إلا بتصريح من مخابرات الجيش، بينما يحتاج هذا التصريح إلى إقامة شرعية في البلد. مما جعل الكثير من فلسطينيي سوريا الذين لا يملكون تصريح يعيشون في هذه المخيمات لكن بقلق شديد وعدم خروج من المخيم إلا للضرورة القصوى، لأنه مهدد بمنعه من الدخول إلى منزله والعودة لعائلته مرة أخرى. 

ويتحدث هنا غازي اللوباني مسؤول هيئة فلسطينيي سوريا في جنوب لبنان: "أهلنا المهجرين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان ما زالوا يواجهون تداعيات التهجير والنزوح من معاناة وألم وفقر وحرمان وبطالة والتي وصلت إلى أعلى درجاتها جراء الوضع الاقتصادي والصحي والاجتماعي والانساني الذي يعيشه لبنان".

ويضيف "تأثر المهجرون الفلسطينيون من سوريا بالأوضاع في لبنان كونهم يعانون شح المساعدات التي كانت تقدم لهم عن طريق الجمعيات والمؤسسات التي أصبحت معدومة بشكل تام، بالإضافة إلى صرف سعر الدولار الأمريكي مما أفقد قيمة الليرة اللبنانية أكثر من تسعين بالمئة من قيمتها لتصبح قيمة المساعدات التي تقدمها وكالة الأونروا لا تكفي لاستمرار الحياة الكريمة".

اقرأ أيضاً:  عائلات فلسطينية في طي النسيان بلا "لم شمل"

ويشير إلى تعقد الظروف في ظل عدم توفر العمل لكثير من المهجرين الفلسطينيين، إلى جانب كلفة الناحية الصحية وكلفة شراء الدواء التي أصبحت عالية جدا ودخول المشافي لإجراء بعض العمليات التي لا يستطيع اللاجئ الفلسطيني المهجر من سوريا دفع تكاليف أبسط العمليات.

ويكمل أبو يحيى: "عداك عن المدارس وكلفة القرطاسية والشنط المدرسية والكتب والمواصلات كل ذلك يحتاج إلى مصاريف كبيرة لا يستطيع المهجر تحمل كل هذه الأعباء، هناك ما زال أكثر من ثلاثين ألف نسمة من أهلنا المهجرين موزعين على كل الأراضي اللبنانية".

وطالب كافة الجمعيات والمؤسسات الإنسانية والإغاثية والأونروا النظر بعين الرحمة والعطف خصوصا في ظل الاقبال على فصل الشتاء، منوها أن هناك الكثير من العائلات بحاجة إلى فرش وحرامات ودفايات لتقيهم من البرد القارس، مشدد على أن "المعاناة كبيرة وكبيرة جدا".

وتعيش العائلات الفلسطينية المهجرة الى لبنان أزمة حقيقية بسبب عدم قدرة الأونروا على تأمين حاجاتهم الأساسية ولو بحدها الأدنى نتيجة عجزها المالي، إلى جانب تقصير وعجز الفصائل الفلسطينية عن تأمين حاجات اللاجئين الجدد ريثما تنتهي الأزمة في سوريا.

ونظرا لهذه الظروف الكارثية خرجت عدة نداءات من كتاب وسياسيين إلى جانب اللاجئين الفلسطينيين سواء ممن لا يزالون داخل سوريا أو ممن هرب إلى لبنان خوفا من الموت، تطالب بنقل ملف اللاجئين من الأونروا إلى المفوضة السامية في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لطلب الحماية الدولية والتي تسمح بتطبيق اتفاقية جنيف للجوء عليهم.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo