حكومة بينيت : حكومة نتنياهو بلا نتنياهو !

بينيت ونتنياهو
بينيت ونتنياهو

(1) وجه اخر لحكومة نتنياهو

"حكومة بينيت هي حكومة نتنياهو بدون نتنياهو". هذا القول يلخص الصورة الحقيقية لحكومة إسرائيل التي يقودها اليميني المتطرف, نفتالي بينت, والتي كان يأمل البعض ان تحدث فروقات جوهرية في سياساتها, خاصة تجاه القضية الفلسطينية.

الان وبعد شهور قليلة من تشكيل الحكومة, تبين أنها لم تختلف كثيرا عن سابقتها, سوى انها انتهت من "المهرج المزعج" بنيامين نتنياهو, لكن سارت على نفس الخطى التي سارها نتنياهو في التعامل مع الجوانب السياسية القائمة على تجميد أي حراك سياسي وتنشيط الاستيطان وتعزيز العلاقة مع البيت الابيض.

الإئتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل, والذي جمع العديد من التناقضات القومية والسياسية , كان هدفه الأساس هو ازاحة "نتنياهو" والتخلص منه ومن غطرسته , ولم يكن الهدف هو احداث تغيير جدية في سياسات الحكومة، لذلك فان القضايا الرئيسة التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا تزال كما هي مع اختلافات طفيفة. في ظل حكومة بينت, فان القضية الفلسطينية بالنسبة لغالبية أحزاب اليمين واليمين المتطرف هي اخر ما تفكر به ومن اخر اولوياتها، فلا دولة فلسطينية كاملة السيادة ولا عودة لحدود الرابع من حزيران 1967، ولا تنازل من حيث السيادة عن البلدة القديمة والحرم القدسي، والعمل على تعزيز الاستيطان ومحاصرة الضفة الغربية وتحويلها الى كانتونات معزولة, إضافة الى وضع القدس في بؤرة الاهتمام من حيث التهويد وتهجير السكان الفلسطينيين . وقد اعرب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه عن يأسه من حكومة بينت قائلا "إن ائتلاف بينيت هو هش، ولا يوجد على أجندته أي برنامج سلام، وبرنامجه الوحيد هو تكثيف الاستيطان ", فيما اعتبر وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي أن تعامل الحكومة "الإسرائيلية" الحالية برئاسة بينيت أسوأ من سابقتها التي ترأسها نتنياهو بشأن التعاطي مع الملف الفلسطيني".

اقرأ أيضاً: إدارة بايدن و"وعد القنصلية".. بين الالتزام والتسويف

يقول  الصحفي ريني باكمان بموقع "ميديا بارت" (Mediapart) الفرنسي، "ان من اعتقدوا أن ضمّ حكومة "التغيير" التي شكلها بينيت ممثلين عن اليسار اليهودي، مثل ميرتس وحزب العمل بل وحتى ضمها وزيرا إسلاميا؛ يعني انفتاحا سيصابون اليوم بالإحباط، إذ تبين -بعد 4 أشهر فقط من أخذه زمام الأمور- أن بينيت ليس "الأفضل" بل هو "أسوأ من نتنياهو".

(2) جمود سياسي وتنشيط الاستيطان

من الامثلة الصارخة لهذا التماهي بين حكومتي نتنياهو وبينت هو موضوع الاستيطان, الذي يمثل العمود الفقري للحكومات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية. لقد كان الاستيطان الاستراتيجية الامنية والسياسية لفرض الوقائع على الارض ومنع أي احتمال لاي تسوية سياسية وبالتالي سد الطريق امام قيام دولة فلسطينية.

ويبدو أن بينيت –يعرف هذه الحقيقة جيدا ويدرك انه يستطيع ان يحافظ على ائتلافه الحكومي الهش وكسب اصوات المتدينين واليمين من خلال التمسك بمبدأ الاستيطان وتوسيعه, فضلا عن دعم مجموعات المستوطنين وتقديم التسهيلات لهم. وكشفت حركة “السلام الآن” أن حكومة الاحتلال برئاسة بينت تعمل على تنفيذ سبع خطوات استيطانية كبرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها التقدم في ثلاث مشاريع استيطانية ضخمة في القدس المحتلة ومحيطها.

وفي الشأن السياسي لا يختلف تطرف بينت عن تطرف نتنياهو , اذ ان كلا منهما يرفض مجرد استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية او حتى التواصل معها, وقال بينت من على منصة الكنيست ( إن حكومته "لا تجري مفاوضات سياسية لإقامة دولة إرهابية في قلب البلاد". حتى أنه يرفض بشكل فج لقاء رئيس السلطة ويعتبره عبثا لا فائدة من ورائه, وقال في تصريح له "لا أرى فائدة من لقاء أبو مازن عندما يقاضي جنودنا في لاهاي، ويتهم القادة بارتكاب جرائم حرب".

وذهب بينت ابعد من ذلك حينما قضى على أي امكانية لحراك سياسي لتنشيط المفاوضات مع السلطة الفلسطينية, وقال "هذه الحكومة لن تشكل دولة فلسطينية، ويمكن معالجة معظم المشاكل من خلال الاقتصاد"، حيث يرى بينيت أن الحلول الاقتصادية أكثر أهمية من الجهود السياسية "المعاد تدويرها والمحكوم عليها بالفشل".

واضح ان بينت يرفض رفضا قاطعا الدخول في أي مسار سياسي مهما كان شكله ومضمونه, ويصر على ان الحلول الاقتصادية هي "الحل السحري" الذي يمكن ان يعزز وجود الاحتلال ويمنع قيام كيان سياسي

وفيما كان نتنياهو يعتمد سياسة الهروب والمماطلة والحفاظ على الوضع الراهن, دون مفاوضات او اتصالات مع السلطة ولا مع رموزها ,فان بينيت لا يختلف كثيرا فهو يقر انه لن يقوم بأي حراك سياسي لكنه يقول " سنبحث عن حلول وسط" دون ان يوضح ما هي هذه الحلول وماهي طبيعتها.

ان هذه الخطوات الاسرائيلية بلا شك تضعف السلطة الفلسطينية وتظهرها بمظهر العاجز امام شعبها, وتضعها أمام خيارات صعبة . في المقابل يرى باحثون اسرائيليون ان اضعاف السلطة سيؤدي الى تعزيز قوة حركة حماس ودورها في قيادة الشعب الفلسطيني, وهذا ما يدفع الجهات الامنية الاسرائيلية الى الضغط على المستوى السياسي لتجنب أي خطوات من شأنها قلب المعادلة الامنية والسياسية في الضفة الغربية وتقديم تسهيلات اقتصادية للسلطة وتعزيز مكانتها.

(3) كسب تأييد البيت الابيض

ويستند بينت في خطواته هذه الى الغطاء الذي تمنحه اياه الادارة الامريكية برئاسة بايدن , ويعتبر ان ذلك من العوامل المهمة لاستقرار ونجاح الحكومة, لذلك فانه عمل على اخراج العلاقات الامريكية الاسرائيلية من حالة التوتر التي خلقها نتنياهو الى حالة من الهدوء والاستقرار, ويشدد بينيت على أنه سيدير الخلافات مع البيت الابيض بصورة دبلوماسية وسرية، ولن ينجر الى معارك ضد إدارة بايدن، سعيا إلى تحسين العلاقات مع الحزب الديمقراطي, وأن في مقدمة أولوية حكومة بينيت العودة إلى دعم الحزبين الأميركيين لإسرائيل.

وواضح ان ادارة بايدن مرتاحة للتعامل مع حكومة بينت وتقدم لها الدعم السياسي حتى تمنع عودة نتنياهو الى سدة الحكم. لذا فان بينيت يتخذ خطوات واجراءات مثل بناء المستوطنات واخلاء منازل الفلسطينيين في القدس دون ان يخشى عواقب هذه الاجراءات.

اقرأ أيضاً: هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية.. عرضنا شخصيات بمناصب عليا على القضاء

وقد تساوقت ادارة بايدن مع حكومة بينيت من خلال ترويجها انها لن تغامر بالدخول في المعترك السياسي بين الفلسطينيين, وأنها تفضل اعتماد تحسين الظروف الاقتصادية والانسانية لدى الفلسطينيين , وهذا بلا شدك يخدم على المدى البعيد توجهات اليمين المتطرف الذي يقوده بيبنت ويهدف الى شطب القضية الفلسطينية من الاجندة الدولية.

ادارة بايدن لا تملك من القوة والقدرة للضغط على حكومة بيني تلانها لا تريد تعريض هذه الحكومة للسقوط او التراجع , وبالتالي فانها ستغمض عينها عن الكثير من الاجراءات الاسرائيلية او تمارس نوعا من الضغط الناعم الذي لا يكلف حكومة الاحتلال كثيرا.كما ان عددا من الدول العربية والغربية مرتاحة لإزاحة نتنياهو ولا تجد أي حرج في التعامل مع حكومته وتريد الحفاظ عليها

من جانب اخر, فان  حكومة بينيت لم تواجه للان أزمة سياسية حقيقية تضعها على المحك, ولا تجد ضغطا حقيقيا من الجهات الرئيسة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي لتنشيط المسار التفاوضي مع السلطة الفلسطينية. أما السلطة الفلسطينية التي توقعت ان تتغير الامور بعد فوز بايدن وبعد ازاحة نتنياهو فإنها تسعى إلى اكتساب واقع سياسي واستراتيجي جديد بمقتضى ما يجري، بخاصة مع ابتعادها عن المشهد الراهن طوال فترة طويلة. ومن ثم فإن السلطة رأت أن تقترب من إدارة المشهد السياسي من خلال إعادة التقارب مع الحكومة الإسرائيلية وهو ما بدأته شخصيات نافذة ووازنة فيها.

لقد عانت السلطة الفلسطينية خلال فترة نتنياهو الى عزلة سياسية كبيرة من قبل الادارة الامريكية في عهد ترامب ومن قبل حكومة نتنياهو , وتحاول الان تجديد شرعيتها وحضورها السياسي, غير ان السلطة اصيبت بانتكاسة سياسية قوية حينما كشف بينت عن سياساته العامة التي قضت على امال السلطة في تجديد وتنشيط المسار السياسي, ما دفع الرئيس الفلسطيني ابو مازن للقول بكل مرارة "طفح الكيل".

من الواضح ان هذه الحالة الضبابية والهلامية لن تتوقف , وهذا العبث السياسي سيستمر. حكومة بينيت ستتلاعب بالحبال والبيضة السياسية , والسلطة ستقعد على مفترق الطريق تنتظر "صدقة سياسية" من عابر سبيل.!!

(4) الخشية من الانهيار

يكاد يجمع غالبية المحللين الاسرائيلين على ان حكومة بينيت هشة وقابلة للكسر , اذا انها تستند الى اغلبية ضئيلة جدا, وهذا ما يجعلها مترددة في حسم بعض القضايا المهمة والرئيسة, خاصة في المجال السياسي.

هنالك العديد من القضايا التي ماطلت حكومة بينيت في البت بها خشية تأثيرها على بقاء الحكومة، كملف صفقة تبادل الأسرى مع حركة "حماس"، وملف إعادة إعمار قطاع غزة، وملف إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة، وطُلب من أميركا رسمياً تأجيل البتّ في هذه القضية إلى ما بعد إقرار الميزانية.

كما أن شبح نتنياهو لا يزال قائما, يطارد الحكومة ويعمل على  اسقاطها بأي طريقة كانت, مستفيدا من دعم نحو 59 عضو كنيست , من اصل 120, ويعتقد عدد من المحللين الاسرائيليين أنه ما دام نتنياهو رئيسا لحزب الليكود، ومتصدرا للمعارضة، فإن حكومة بينيت ستظل في حالة استنفار وتوتر، لمنع سقوطها وانهيارها، والذهاب إلى انتخابات قد تقلب الموازين مرة اخرى ".

هناك اراء اخرى تقول بأن حكومة بينيت ورغم التناقضات الصارخة في الائتلاف الحاكم، ستبقى تقود إسرائيل، إذا ما تجاوزت أزمة التهدئة مع حماس في غزة، ونجحت بإدارة أزمة العلاقة مع السلطة الفلسطينية واستمرار تحييد نتنياهو عن المشهد السياسي.

غير انه من الواضح ان الاختلاف في ادارة الملف السياسي بين اقطاب الائتلاف سيكون له دوره في التأثير على ثبات حكومة بينيت. وبحسب صحيفة "هآرتس"، فقد طفت على السطح العديد من القضايا الخلافية والمثيرة للجدل بين مركبات الائتلاف الحكومي، فقد طلبت رئيسة حزب العمل، ميراف ميخائيلي خلال اجتماع لقادة أحزاب الائتلاف الحكومي، من بينيت، تجميد بعض القضايا المثيرة للجدل، والمتعلقة بالملف الفلسطيني، في محاولة للسيطرة على الخلافات القائمة.

وإلى جانب القضايا الخلافية المتعلقة بالملف الفلسطيني، هناك قضايا داخلية مثيرة للجدل وأبرزها قانون "ساعر" لمنع عضو كنيست مدان بالفساد من تشكيل الحكومة، وكذلك قانون المواطنة وعدم منح لم الشمل للعائلات الفلسطينية.

كما ان بعض الاحزاب اليسارية والعربية لها موقف مخالف حيال شرعنة البؤر الاستيطانية او اقامة مستوطنات جديدة في الاراضي الفلسطينية.

كما أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إن الولايات المتحدة تصر على إعادة فتح قنصليتها في "القدس الشرقية" , الامر الذي اثار الحكومة الاسرائيلية. وذكرت الصحيفة أن إدارة الرئيس بايدن تواجه "مقاومة شرسة" من قبل الائتلاف الحاكم في إسرائيل ، خاصة من اليمين الذي يقول إن القرار سيؤدي إلى انهيار الحكومة الائتلافية الهشة. وقد برز الخلاف بين بينت ووزير خارجية لبيد الذي وافق خلال لقائه بنظيره الأميركي بلينكن في واشنطن على إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، رغم أن بينيت أعرب عن معارضته الشديدة لهذه الخطوة.

ونقلت بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية عن بعض وزراء اليمين قولهم إن "من وجهة نظر أي حكومة يرأسها الليكود أو حتى الحكومة الحالية برئاسة بينيت ولبيد تعد إعادة فتح القنصلية موافقة عملية على تقسيم القدس.

من الواضح ان حكومة بينت ستواجه مصاعب جمة في كثير من الملفات وستسير في حقل الغام كبير, ولن يكون بمقدورها الحسم في القضايا الكبرى, خاصة فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني, ما يعني ان حالة المواجهة ستظل قائمة وقد تنفجر في لحظة ما, وان حالة التوتر والشد ستكون سيدة الموقف.

هناك حاجة فلسطينية ملحة لاعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتجسيد الوحدة الوطنية لمواجهة أي مخططات او اجراءات تقوم بها حكومة بينت , بسكوت دولي ودعم من ادارة بايدن. وهذه الخطوة طال انتظارها كثيرا لانها هي الحل الوحيد والاوحد لوقف هذه المسرحية التي يقودها بينت .

 

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo