الحل الاقتصادي الممكن والحل السياسي غير الممكن

الحلول الاقتصادية
الحلول الاقتصادية

ثارت جدلية حل القضية الفلسطينية اقتصاديا مرات عديدة عبر تاريخها إلا أنها الأكثر جدلا في الآونة الأخيرة لاعتبارات الضعف العربي والفلسطيني سياسيا وترسيخ إسرائيل ابتلاع الحقوق الفلسطينية على الأرض. وليست العبرة حقيقة بصيغة الحل بقدر كونها أحقية الحل أي القدرة على استرداد الحقوق الفلسطينية بشكل حقيقي معتبر.

فالدول النامية التي استقلت عن الاحتلال والاستعمار الذي نهب خيراتها طويلا ليست بنفس المستوى من الاستقلال عن تأثير المستعمر السابق بل وتأثير الدول المتقدمة والقوية عموما، وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن طول المدة الزمنية للاستقلال يرتبط طرديا مع درجة الاستقلال، ودول أمريكا اللاتينية ودول الخليج مثالا على ذلك. فلا يغادر الاستعمار مستعمراته السابقة حتى يخلق الصيغة التي تحافظ على تبعية هذه الدول والحفاظ على مصالحة فيها وتبعيتها له ويخلق القنوات التي تحافظ على امتصاص ثروات هذه الأمم عبر فئة تعرف بالصفوة Elite حسب نظرية التبعية الاستعمارية وهي إما من الإقطاعيين أو قادة الجيش أو شيوخ القبائل ومن يرتبط بها من الرأسمالية الاحتكارية، أو خليط من هذا وذاك حسب صيغة العقد الاجتماعي السائد أصلا، وتتخصص الأخيرة أي فئة الصفوة من الحكام والتجار في تصدير المواد الأولية وتستورد سلع الاستهلاك الصناعية والتكنولوجية وتراكم الأرباح الاحتكارية وتهرب المدخرات للخارج وتبدد المال العام والمساعدات الخارجية مما يعمل بشكل مضاد لتنمية بلدانها ويحافظ على استمرار نفوذ الدول القوية الاقتصادي والسياسي، مما يبدو معه الاستقلال وهميا.

اقرأ أيضاً: قطاع غزة بعد العدوان.. تأخر الإعمار ينذر بشتاء قاس

ولنعد إلى فلسطين التي يشكل حلمها الوطني الدخول إلى مصاف الدول النامية، وصراعها لأجل الاستقلال والذي يمكن أن يفضي لمسمى دولة إما مستباحة بكل الجوانب والأركان عبر مفاوضات هزلية واستجداء دولي لا يهب الحقوق الضائعة مطلقا، أو أن يفضي لمسمى دولة تشعر بالعزة والأنفة معزولة مقيدة موجهة عن بعد في زاوية ما، اضطرت لها من عدوها اضطرارا تتناحر في ذاتها مواردها المحدودة ويستبيح الجميع إنسانية مواطنيها بحجة نشوزها من بيت الطاعة الدولي.

ولا تجد في هذا ولا ذاك معنىِ للاستقلال بل ابتعادا عنه، ولكن كيف نقترب من الاستقلال حقا. إن تجارب الأمم التي استقلت وعانت الويلات أثناء الاستعمار وبعده حتى حققت استقلالا معتبرا اشتركت في الكثير لنيل هكذا استقلال يتلخص في الحكم الرشيد Good Governance الذي لا يقبل دكتاتورية ولا استغلالا للسلطة ولا نزعات عرقية أو مناطقية أو دينية أو انقسامات حزبية، بل حرية للرأي والتعبير والمشاركة السياسية والعامة وحفظ الحقوق الأساسية وبناء مؤسسات حقيقة شفافة نزيهة تحفظ الحقوق والمال العام بل وحسب صيغته الاجتماعية والسياسية والتاريخية التي تلائمه بعيدا عن الصيغ المستوردة، ولا يمر ذلك إلا عبر الوعي العام، بعيدا عن التجيير والستخراف، وطريق الوعي العلم والتعلم والمعرفة وتوفير حقوق الصحة والتعليم والغذاء والكساء والعمل والمشاركة دون ابتزاز أو استغلال لأغراض سياسية، وهذا على سبيل الإشارة لا الحصر، فالاستعمار يخلق ديناميات التنازع والصراع والتسلط داخل المجتمعات المتخلفة ليتحكم بها ولا يساعده في ذلك إلا المجتمعات أنفسها.

ومن هنا فليست العبرة بتسمية الكيان بعد الاستقلال الممنوح وإنما بذاتية إدارته لنفسه واتخاذ مصيره وعدالته في ذاته حتى قبل استقلاله لأنها طريق التحرير الوطني، فقد أشار قادة الاحتلال غير مرة على عدم الاكتراث حول تسمية السلطة أو الكيان الفلسطيني الموعود وإنما بصيغة العلاقة البينية المستقبلية.

ومن هنا قد يبدو حلا اقتصاديا، على وهنه مطلقا، أجدى من حل سياسي هزيل ممنوح، والاهم من هذا الحديث التساؤل، هل ساهم الشعب الفلسطيني صاحب السبق في التعلم والنضال عربيا وبين الدول النامية في خلق ديناميات الاستقلال الحقيقي التي تخلق منه حرا حتى قبيل الاستقلال السياسي، أم انه يساعد عدوه في تعزيز ديناميات التبعية التي يزرعها فيه.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo