لماذا أٌلتقطت هذه الصورة بغزة في هذا التوقيت!

مبعوث الاتحاد الأوروبي في فلسطين
مبعوث الاتحاد الأوروبي في فلسطين

بالعادة، تعتمد المنظمات الدولية بروتوكولًا أمنيًا صارما في مناطق النزاعات، ويصنف قطاع غزة بأنه أحد هذه المناطق التي تشهد توترًا مستمرًا مع الاحتلال الإسرائيلي أو على الصعيد الداخلي من توترات يشهدها القطاع نتيجة خلافات حزبية أو عائلية، أو تنافر بسبب قرارات منظمات دولية والتي يمكن أن تؤثر على طبيعة حياة وتحركات الموظفين الدوليين.

بعد تعرض موكب جون كينج مدير عمليات وكاله الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين للاعتداء عام 2007، والذي أعقبه اختطاف الصحفي البريطاني ألن جونستون الذي يعمل في الـ BBC، صدرت تعليمات أمنية مُشددة لطواقم عمل المنظمات الدولية في قطاع غزة والتي على إثرها تم تقييد حركة هؤلاء الأفراد حتى وصلت إلى منعهم من مغادرة أماكن إقامتهم بعد المغيب، والالتزام الكامل بمحاذير التنقل والإبقاء على درجة عالية من الاستعداد والحذر، أحد الأصدقاء العاملين في إحدى تلك المنظمة الدولية في القطاع أخبرني أنه في تلك الظروف صدرت إليهم تعليمات بعدم إطفاء محرك السيارات الخاصة بالمبعوثين الدوليين وممثليهم عند زيارتهم لقطاع غزة، بما في ذلك المقيمين فيه حتى ينتهون من أداء مهمتهم أو اجتماعات العمل الخاص بهم. أي أن مُحرك السيارة يبقى في حالة عملٍ لمدة قد تتجاوز الساعات، وهذا معناه أن يبقى الحارس والسائق وطواقم العمل على أهبة الاستعداد لمواجهة أي طارئ متوقع الحدوث.

اقرأ أيضاً: هرولة عمال غزة لطلب العمل بـ"إسرائيل".. واقع مرير ومحاذير

هذه اضاءة بسيطة على الإجراءات التي اتبعتها المنظمات الدولية العاملة في فترات مختلفة في قطاع غزة، وهذا ما تحلل منه مبعوث الاتحاد الأوروبي في فلسطين، سفن كون فون بورغسدورف الذي زار قطاع غزة يوم الأربعاء الماضي 6/10/2021 في زيارة ثانية حيث كانت الأولى عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي الذي استمر أحد عشر يومًا، حيث زار فيها المبعوث بورغسدورف مناطق الدمار التي أحدثتها آلة الحرب، وتحدث عبر مؤتمر صحفي من أمام برج الجلاء المدمر.

في الزيارة الثانية كان الأمر مختلف تمامًا، فقد ذهب إلى عدة أماكن في القطاع حيث شارك في افتتاح مشروعات تشغيلية للشباب ممولة من الاتحاد الأوروبي، ونفذ زيارة لعيادة الأونروا في مخيم الشاطئ، وكذلك زيارة معبر رفح، وهذه زيارات تغطي قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، كما وحضر المبعوث مهرجان موسيقي بعنوان "لحن الحياة" الذي يموله الاتحاد الأوروبي في قرية الأطفال، واختتم هذه الزيارة بالمشاركة بتنظيف شاطئ مدينة غزة اشتراكًا في مبادرة الاتحاد العالمية لتنظيف الشواطئ في جميع أنحاء العالم.

3.jpg

تعتبر المغامرة أحد أهم مكونات شخصية بورغسدورف، فهو يهوى القفز من المظلات وممارسة الرياضة الخطرة، إذ مارس رياضة التجديف في بحر غزة! في منطقة مكشوفة تمامًا، ولا تراعي أدنى التدابير الأمنية المفترضة لحماية شخصية مثله، حيث سبق وحدث انفجار استهدف المنتجع الذي يستجم فيه، وهو الذي قال في إحدى مقابلاته :" "أحب إثارة المغامرة الخطيرة ولكن فقط عندما أتأكد أن لدي المهارات المطلوبة وأن جميع تدابير السلامة متوفرة".

هذا القول منه، وهذا الفعل يأخذنا إلى مجال تفكير مغاير نوعًا ما، إذ أن الصورة مادة مهمة لنقل الانطباع عن المكان، فعندما تريد أن تبرز معاناة ما، فإنك تصدر صورًا قاتمة تحتوي على البكاء والدماء والحزن، وغزة تمتلك مخزونًا كبيرًا من هذه الصور، والأماكن الجاهزة لأخذ صورة جديدة، لكن بورغسدورف أراد أن ينقل صورة أخرى عن غزة، صورة فيها الجمال بتفقده للشواطئ، وركوبه للخيل وحضوره حفلًا موسيقيًا، واجرائه حوارًا مفتوحًا مع خريجي برنامج "إيراسموس"، وأخيرًا ظهوره بملابس السباحة وهو يقوم بالتجديف في بحر غزة، هذا البحر الذي قيل أنه غير صالح للسباحة بسبب التلوث الحاصل بسبب ضخ المياه العادمة فيه وقت انقطاع الكهرباء، وهذا يأتي بعد عام من تصريح الأمم المتحدة بان غزة لن تكون صالحة للحياة عام 2020.

4.jpg


لقد كانت صور ممثل لاتحاد الأوروبي صور مهمة جدًا، عملت على إرسال رسائل عديدة إلى عدة أطراف محلية ودولية تقول أن غزة قابلة للحياة، وتبحث عنها بكل ما فيها من قدرة، فهل هناك من طرفنا كفلسطينيين من يستغل هذه الصور ويبني عليها، خاصة أن الاحتلال لا يحب هذه الصور، ويتكيف تمامًا مع صور الدمار والقتل، لأنها أقل تكلفة عليه من صور الحياة والجمال، فهو يستطيع اختراع الحجة لأدوات قتله، لكنه يفشل إذا ما تعلق الأمر بالحياة، فهو لا يحب لنا الحياة العادية، بل يريدنا محبوسين في قفص ليأخذ لنا الصورة المتوحشة ويصدرها للعالم.

2.jpg

 

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo