فلسطين ...والحلول المستحيلة 

رجل يرفع علم فلسطين
رجل يرفع علم فلسطين

(1) صراع لا مثيل له

يُعد الصراع العربي- الإسرائيلي من أعقد وأطول الصراعات في التاريخ والمعاصر، كونه صراعا متعدد ومتشعب الابعاد, خاصة في الجانب الديني والقومي والتاريخي والسياسي والاقتصادي والعسكري.

واحتل هذا الصراع مكانا كبيرا في الساحة الاقليمية والدولية, نظرا للأهمية الكبيرة التي تتمتع بها فلسطين في قلب الشرق الاوسط، وبسبب الحروب الكثيرة التي نشبت بين الاطراف العربية والاحتلال الاسرائيلي, حاولت الكثير من الدول التدخل من أجل وضع حد لهذا النزاع, والذي راح ضحيته المئات من الالاف من أبناء فلسطين، وطرحت الكثير من المبادرات السياسية وعقدت مئات المؤتمرات التي شاركت فيها الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقا والاتحاد الاوروبي ومنظمة الامم المتحدة وممثلي الدول العربية , غير أن كل هذه المحاولات لإيجاد مخرج سياسي باءت بالفشل.

وإلى اليوم, ما انفك دهاقنة السياسة الشرق الاوسطية في اعمال عقولهم في البحث عن حل لهذه المعضلة الكبرى التي أعجزت دولا وحكومات, وشغلت-ولا تزال تشغل- باحات مجلس الامن والامم المتحدة والمنظمات الدولية, وحفروا في الصخور ونقبوا في البلاد من اجل ابتداع افكار وحلول للتوصل الى تسوية نهائية لهذا الصراع الدموي والمستمر منذ سبعة عقود, غير أنهم جوبهوا بحائط حديدي صلد, وبقي الصراع على حاله وان تغيرت اشكاله ومضامينه.

الولايات المتحدة , ادارة بعد ادارة ومنذ الثمانينات, حازت النصيب الاكبر في التدخل ومحاولة تقديم او فرض حلول سياسية على الطرفين واستخدمت لتحقيق ذلك كل اساليب الترغيب والترهيب غير انها رفعت الراية البيضاء معلنة استسلامها لحالة العجز السياسي.

وسارت على خطاها روسيا والاتحاد الاوروبي ودول عربية واستخدمت كل نفوذها السياسي ومقدراتها, وحاولت ان تشق طريقا وسط حلكة الظلام السياسي غير أنها جوبهت بواقع أصعب وأعقد مما تخيلت فانكفأت على أعقابها.

(2) هل يوجد حل أصلا ؟

ببساطة شديدة, فان السؤال الذي يطرح نفسه اصلا: هل هناك مكان لحل وتسوية سياسية مع دولة الاحتلال؟ وهل بالإمكان ان تتوفر فرصة تعايش بين الاحتلال الاسرائيلي والفلسطينيين؟ وهل تسع هذه المنطقة الضيقة التي لا تزيد عن 27 الف كم مربع لدولتين كما يتصور البعض؟

هناك من ركنوا الى مسميات وهمية مثل القوانين الدولية والامم المتحدة والشرعية الدولية واعتقدوا انها يمكن ان تشكل غطاء قويا لحل سياسي, لكن بدا ان هذه المسميات أعجز من أن تصنع شيئا أو حتى توجه كلمة انتقاد لدولة الاحتلال أو  تجبرها على تغيير سياساتها والقبول بتسوية سياسية. 

ومع الاسف فان منظمة التحرير الفلسطينية التي قادت الثورة وبدأت بالكفاح وجمعت الشعب الفلسطيني حولها وعاصرت كل التقلبات السياسية , واصبحت شاهدا على مواقف الدول من السلام مع الاحتلال, وقعت في الفخ نفسه واصبحت ضحية من ضحايا وهم السلام السياسي , ودفعت بكل مقدراتها وامكانياتها  وارتكزت على قرارات الامم المتحدة وحاربت باسم الشرعية الدولية غير أنها لم تفلح في زحزحة اسرائيل عن مواقفها وتقبلها لفكرة السلام والتعايش .

لقد حاولت الكثير من الاطراف الدولية معالجة هذا الصراع بشتى الطرق والاساليب , وبدأوا بالضحية – الفلسطينيين- واجبروا منظمة التحرير على الاعتراف بالاحتلال وجودا وأمنا وعلى نبذ كل اشكال المقاومة والتسلح بالنهج السلمي, ومن ثم اقنعوها – أو كذبوا عليها- بأن عهد الاحتلال قد انتهى وأن الفلسطينيين أقرب ما يكونون الى دولة فلسطينية ذات سيادة ورفاهية على قاعدة حل الدولتين, ومن ثم جروهم الى طريق طويل ومضن من المفاوضات العقيمة الاستهلاكية , استغرقت ربع قرن من الزمان.

ووجد الفلسطينيون أنفسهم في صحراء سياسية لا حدود لها سوى السراب الذي لهث خلفة الكثيرون وحسبوه ماء!!  

(3)  خيارات عقيمة 

ان الخيارات التي سوقت لمعالجة الصراع تعددت في اشكالها ومضامينها, ما بين حل قائم على الدولتين او على الدولة ثنائية القومية او الكونفدرالية او الضم الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية او بقاء الواقع على الراهن على ما هو عليه وحقن بعض التحسينات في الاقتصاد الفلسطيني.

وقد حاز خيار الدولتين دعما دوليا واسعا ووقف خلفه الكثير من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي بل ان بعض الدول العربية تبنته بقوة في العديد من مؤتمرات الجامعة العربية. 

وبالرغم من هذا كله, ورغم ان حل الدولتين لا يمنح الفلسطينيين أكثر من 22% من ارض فلسطين التاريخية ولا يمنحهم سوى حكم ذاتي, فان اسرائيل حاولت بشتى التطرق التهرب من الالتزامات السياسية التي قطعتها على نفسها في اتفاق اوسلو عام 1993 , وبدأت في اجهاض الاتفاق من خلال سلسة طويلة من الاجراءات العدوانية أهمها بناء المستوطنات ومصادرة الاراضي وتهويد القدس وتهجير السكان منها. وفي نهاية المطاف –وخاصة بعد وصول الاحزاب اليمنية المتطرفة الى سدة الحكم- اعلنت انها ترفض بشكل قاطع خيار الدولتين واعتبرت ان قيام دولة فلسطينية ما بين النهر والبحر يشكل خطورة استراتيجية على اسرائيل ويهدد أمنها ويقوض استقرارها.

هذا التعنت الاسرائيلي والتشدد في السماح باقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة, دفعت البعض اليائس من تحقيق هذا الخيار الى الهروب الى خيار أسوأ , وهو خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية. 

غير أن هذا الخيار جوبه ايضا برفض فلسطيني واسرائيلي على حد سواء. فالفلسطينيون يرون انه خيار غير عملي ولا يحقق لهم طموحاتهم السياسية تحفظ لهم هويتهم السياسية ويمنحهم مكانا في الساحة الدولية. اما اسرائيل فتراه تقويضا لهويتها الصهيونية والمتمثلة في اقامة دولة يهودية نقية من العرب .

اسرائيل رأت انه من الافضل ادارة ظهرها لكل التوجهات الدولية ولكل الاتفاقيات الموقعة وان تذهب باتجاه حسم الامور من خلال حل احادي الجانب يقوم على ضم اسرائيل للأراضي الفلسطينية واعلان القدس عاصمة لإسرائيل , ودعمتها الولايات المتحدة بزعامة ترامب والذي اعلن عن رؤيته النهائية للصراع من خلال ما سمي ب"صفقة القرن".

في المقابل توحد الفلسطينيون عموما ضد هذا الخيار وبذلوا جهودا كبيرة في اسقاط صفقة القرن ونجحوا في التأثير على الرأي العام الدولي مما دفع اسرائيل الى التراجع عن موضوع الضم –ظاهريا- وان بقي في تفكيرها الاستراتيجي طويل المدى.

الخيارات الاخرى لم تجد لها طريقا وسط هذا الصراع المحتدم, وبقى الخيار القائم على ابقاء الوضع على ما هو عليه, بما فيه من كل اشكال الاحتقان والتوتر والمواجهة والصدام اليومي.

(4) كذبة السلام الاقتصادي

ان مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ما زال محكوما بمعادلة واضحة وهي ان اسرائيل دولة احتلال وان الفلسطينيين اصحاب حق في هذه الارض , وان كل ما تدعيه دول ومنظمات سوى ذلك هو باطل مهما جرى تحسين صورته. لا يمكن محو الحقيقة أن إسرائيل دولة استعمارية إحلالية قامت على أنقاض المجتمع الفلسطيني، وعبر عملية تطهير عرقي بامتياز، وهو ما يستدعي بناء الحلول على اساسه. 

المشكلة ان غالبية الطروح التي قدمت كانت من قبل جهات غربية , اوروبية او امريكية, وكانت تسوق في الشرق الاوسط من خلال أنظمة عربية تدور في الفلك الغربي , والمشكلة الثانية ان هذه الحلول غالبا ما كانت تصطدم بواقع صعب ومعقد لم يكن ليسمح لها ان تمر , والمشكلة الثالثة ان هذه الحلول غالبا ما كانت تنصب على مرتكز رئيس وهو الحفاظ على وجود وامن اسرائيل في المقابل تعطي الفلسطينيين فتات هذا الحل!!

اليوم, تحاول اسرائيل ومن خلال وزير خارجيتها الجديد لابيد – وبدعم من الادارة الامريكية - ان تسوق لما يسمى بالسلام الاقتصادي   كبديل عن الحل السياسي , وهي محاولة مكتوب عليها الفشل كونها جربت من قبل اطراف اخرى.

ان اسرائيل- وبالذات اليمين والوسط- ترفض بشكل قاطع اقامة الدولة الفلسطينية وتحاول ان تواجه الضغوط الدولية من خلال اجتراح حلول مخادعة توهم المجتمع الدولي انها مهتمة بتحسين حياة الفلسطينيين الاقتصادية ومعالجة مشاكلهم السياسية, والفلسطينيون على درجة من الوعي والثقافة ما يمنع أحدا ان يغرر بهم.

ان الفلسطينيين لديهم تصميم قوي على تجاوز كل هذه الحلول الموهومة والمخادعة,  ويبقى صمودهم وتمسكهم المتين بحقوقهم المشروعة في التحرر والاستقلال هو العامل المهم في اسقاط كل هذه الالاعيب ومحاولات الالتفاف على وجودهم التاريخي والسياسي  على ارض فلسطين. 

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo