تقرير مساعٍ أردنية- مصرية لإستعادة التأثير العربي عبر إطفاء الحرائق

الرئيس الأردني والمصري
الرئيس الأردني والمصري

يؤكد مختصون بالسياسة أن الأشهر الأخيرة شهدت نشاطاً لافتاً للدور الأردني والمصري على نحو تنسيقي ومشترك، في المشهد الإقليمي عموماً، والقضية الفلسطينية خصوصاً، وذلك بعد سنوات من الأزمات العربية التي أضرت بهذه الأدوار المركزية.

وتشير مصادر سياسية فلسطينية وعربية متطابقة لموقع "زوايا" إلى أن العنوان الأبرز للدور الأردني والمصري هو "إطفاء الحرائق" في المنطقة سواء تلك المتعلقة بالأزمات العربية أو ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

توجه دولي لتخفيض التوتر

النائب الأردني السابق المهندس سمير عويس قال لموقع "زوايا" إن الدور الأردني والمصري ينسجم مع إدراك إقليمي ودولي بضرورة تخفيض التوتر في المنطقة كجزء من التوجه العام. وهو يتيح المجال لإنتقال التركيز الأمريكي إلى مناطق أخرى من العالم.

وأشارعويس إلى أن عمّان والقاهرة تستثمر هذا التوجه الأمريكي بما هو في مصلحة الأمة العربية، باتجاه إنهاء الصراعات والدمار والعمل على المعالجات. وهو ما انعكس على تحركات القيادة الأردنية والمصرية والفلسطينية وحتى الدولية والإسرائيلية في الفترة الأخيرة.

اقرأ أيضاً: دماءٌ ومواجهاتٌ مسلحةٌ في الضفة...إلى أين يتجه الميدان؟

وتابع عويس: "كل هذه التحركات جزء من محاولة لملمة المشاكل، وطرح أفق لحل بعضها. وقد لا يكون هذا الحل جذرياً، بل ربما مرحلياً يمهد لاحقا أي بعد سنوات، لحل نهائي سواء للأزمات العربية أو القضية الفلسطينية.. خاصة حينما تحول الظروف المعقدة دون الحل الجذري الآن".

عودة السياسة الأمريكية التقليدية؟

لكنّ سمير عويس، رأى أنه في ظل الحلول المؤقتة، تتم العودة للسياسة الأمريكية التقليدية في إبقاء الوضع على ما هو عليه، بموازاة السير بهدوء اتجاه تدعيم التحرك الأمريكي في مناطق أخرى من العالَم.

وبهذا المعنى، شدد عويس على أن الأولوية، الآن، هي لإطفاء الحرائق، وليس بالضرورة الحلول الجذرية. وتابع: "أعتقد أن مصر تبحث عن دور أكثر عمقاً بغزة وهي تحاول المسك بكل الأوراق ولها حساباتها الخاصة في علاقتها مع حماس. فالقاهرة تضع ثقلها لجعل غزة أقل إيلاما للسياسة المصرية".

أما الأردن، بحسب عويس، فإنها حريصة على إبقاء أعلى درجات العلاقة والتنسيق مع السلطة الفلسطينية، لما له من دور إيجابي للمحافظة على الإستقرار.

وتنبأ عويس أن نشهد تحركات أكثر على صعيد إطفاء حرائق المنطقة بالفترة القادمة وخاصة القضية الفلسطينية، حيث سيتم ترجمتها بمحاولات تحسين الجانب الإقتصادي وإعادة إعمار غزة، بموازاة دور مصري وأردني أكبر لمحاصرة أي تصعيد أو محاولة تغيير الواقع من قبل إسرائيل على الٌأقل حتى سنتين أو ثلاث مقبلة، وهذا عنوان التحرك الأمريكي في المنطقة، وفق عويس.

دور الأردن ومصر..التزام معنوي

من جانبه، قال الوزير الفلسطيني الأسبق والمحامي المقدسي زياد أبو زيّاد، إن الدور المصري في قطاع غزة ليس مرتبطاً بشكل تام برؤية جديدة، وإنما مرتبط بعلاقة مميزة تقليدياً بين غزة ومصر.. لكن، الدور المصري يتعاظم في هذه المرحلة، لضمان وضبط الحدود بين مصر وغزة بما يشمل سيناء ومكافحة المجموعات المتطرفة.

لذا، يعتقد أبو زيّاد في حديثه لموقع "زوايا" أن البعد الأمني هو الدافع الأساسي للثقل المصري في غزة وهو رغبة القاهرة بتهدئة الأوضاع في القطاع، علاوة على أن أي تصعيد في غزة يمكن أن ينعكس سلباً على التبادل التجاري بينهما ويُحدث تدفق هجرة من القطاع إلى مصر..ناهيك عن التزام معنوي من القاهرة تجاه غزة.

ومع العلاقة الخاصة مع غزة، تقيم مصر علاقات "مميزة" مع السلطة الفلسطينية في رام الله وتنسق معها عدد من الملفات، بحسب أبو زيّاد.. لكنّه، اعتبر أن مجرد وجود الملف الفلسطيني بيد وزير المخابرات المصرية يؤشر لأهمية الدور الأمني، وأن العلاقة ليست سياسية، وإنما أمنية بالأساس، ثم تُبنى عليها العلاقات السياسية والإقتصادية.

وبالنسبة للأردن، أوضح عضو وفد المفاوضات الفلسطيني سابقاً زياد أبو زياد، أن هناك علاقة خاصة بين المملكة والضفة الغربية، لدرجة أن سكانهما عبارة عن شعب واحد لا يستغنيان عن بعضهما بعضاً.. وهو ما يستدعي التزاما أردنيا معنويا وفعليا أيضاً اتجاه الضفة.

"حان موعد احتواء حروب المنطقة"

وأما على المستوى الإقليمي، يعتقد زياد ابو زيّاد أن هناك توجها عاما مفاده "أن المنطقة نضجت بها الحروب وقد حان الآن موعد احتوائها".

ومن هذا المنطلق، يأتي الإنفتاح الأردني على سوريا لما فيه مصلحة للشعبين السوري والأردني، وارتباطاً بمتغير مهم وقناعة تتولد لدى الدول؛ حيث تقوم على أن النظام السوري هو الخيار الموجود حاليا في دمشق، وأن التعامل معه تحصيل حاصل. وهذه القناعة تمهد لمحاولات لإغلاق الملف السوري.

ويرى مراقبون أن الحوار السعودي-الإيراني في الشهرين الأخيرين تحت عنوان "تخفيض التوتر في المنطقة"، ينسجم مع دور عمّان والقاهرة الرامي إلى تحقيق استقرار أكبر، كخطوة استباقية من شأنها أن تمهد لمعالجة أزمات المنطقة وتنهي الصراعات التي أضرّت بالجميع.

بيدَ أنه على المستوى الفلسطيني، لا يرى زياد ابو زيّاد أي تحرك دولي جادّ نحو إنهاء الإحتلال، مبيناً أن هناك مصلحة لواشنطن لتهدئة الأمور، لكن مع بقاء الوضع الراهن كما هو. لذا، يعتقد أبو زياد أنه لا يوجد جهد حقيقي لإنهاء الإحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وأن مَن يتكلم عن ذلك فقط هم "الفلسطينيون"، وكأنهم "يتكلمون في فراغ ومع أنفسهم".

وحمّل أبو زياد الطرف الفلسطيني المسؤولية عن ذلك، مشدداً على أنه "اذا لم يتم تحرك فلسطيني- إسرائيلي باتجاه الحل، فإنه لن يحدث...خاصة أنّ الدول الغربية معنية بعدم حدوث عنف في الأراضي الفلسطينية وامتداده إلى ما وراء الحدود، ما يجعل رغبتها الرئيسية هي التهدئة".

"سيطرة على الحريق..لا إطفاؤه"

وعاد أبو زياد، لإنتقاد الطرف الفلسطيني باعتباره أخطأ كثيراً بفشله في بناء المؤسسات، ودولة القانون، ناهيك عن الإنقسام وغياب الحكم الرشيد، وانعدام الإستراتيجية للعمل الوطني والمقاومة.. كلها عوامل، تجعل من أي جهد عربي أو دولي لا يتعدى مستوى "السيطرة على الحريق" وليس إطفاؤه عبر إيجاد حل جذري.

وختم قوله: "للأسف، لا يوجد لدينا استراتيجية واضحة ولا برنامج للعمل الوطني ولا نأخذ زمام المبادرة. فقط اعتدنا فلسطينياً على شعارات الثوابت والعاصمة الأبدية والدولة دون عمل شيء..هو كلام فاضي ونضحك على انفسنا".

تأهيل المنطقة العربية..بعد سنوات الفوضى والإرتباك

من جهته، تحدث الباحث السياسي الأردني د.منذر حوارات، لـ "زوايا" عن دافع الدور الأردني والمصري في هذا التوقيت.. موضحاً أن المنطقة العربية عانت في السنوات الاخيرة مِن الفوضى والإرتباك، وهذا أثر على القضايا الاساسية واهمها الفلسطينية.

وبين حوارات أن ثمة دورا أردنيا ومصريا يعيد تأهيل المنطقة من خلال محاولة إطفاء الحرائق فيها. وتابع: "المنطقة العربية خسرت في السنوات الاخيرة دولتين رئيستين هما العراق وسوريا، وهما مهمتان على الصعيد الإستراتيجي والعسكري". وأضاف: "لذلك، لاحظنا أن القوة مالت بشكل كلي لإسرائيل، الأمر الذي جعلها تتفرد بقضايا المنطقة وتقوم بحلها بالطريقة التي تناسب مصالحها الاستعمارية".

مساعٍ لإستعادة التأثير العربي عبر المصالحات والتعاون المشترك

ويعتقد منذر حوارات، أن القاهرة وعمّان أدركتا أنه بالنهاية، لا يُمكن للمنطقة أن تستعيد توازنها دون العودة الحقيقية لصيغة ما من بوابة التعاون المشترك بين الدول العربية.. وهذه الصيغة "لا يمكن أن تتم دون العودة لإستقرار سوريا والعراق ولبنان وغيرها، ونزعهما من مخالب الدول التي تسيطر عليهما"، وفق حوارات.

ونوه منذر حوارات، أنّ الأخطاء العربية المتراكمة أدت إلى مشاكل، موضحاً ان الأردن بحكم علاقتها الجيدة مع جميع الاطراف، ان تدير دفة التصالح العربي، تمهيداً للعودة لشكل معتدل من التضامن العربي، على أمل استعادة تأثير القوة العربية على الساحة، ليكون العُمق العربي فاعلاً مهماً في المنطقة "لا مفعولاً به" بسبب الإنهيارات التي حصلت في العقد الأخير.

ولعلّ، السؤال الأبرز: هل تتمكن الأردن ومصر من إعادة تأهيل الدور العربي المُشترك؟.. الحال أن المهمة ليست سهلة في ظل ما آلت إليه الحال العربية في العقد الأخيرة، حتى أن الجامعة العربية لم تعقد قمة لها على مستوى الزعماء منذ سنتين بسبب الخلافات العربية-العربية. لكنّ، المصالحات الخليجية، والعربية-العربية، والعربية-الإقليمية.. كلّها مستجدات تحيي الأمل بإمكانية النجاح في ترميم الجبهة العربية.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo