تقرير دماءٌ ومواجهاتٌ مسلحةٌ في الضفة...إلى أين يتجه الميدان؟

مواجهات في الضفة الغربية
مواجهات في الضفة الغربية

يُجمع مراقبون على أن الضفة الغربية قد دخلت في الأشهر الأخيرة، حالة ميدانية جديدة مختلفة عن تلك المعتادة سابقاً على مدار خمسة عشر عاماً.

لكن، ما هو الشكل الجديد لهذه الحالة الميدانية؟، وما أسبابها ومآلاتها؟

يقول المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد لموقع "زوايا" إن هناك بعض الإختلافات الميدانية قد طرأت في الضفة منذ هبة القدس في رمضان الماضي وما تلاها من حرب على غزة؛ إذ أنه في الفترات الماضية، كان الميدان في الضفة يشهد تصعيداً كبيراً حيناً ثم يهدأ لفترة طويلة حيناً آخر. غير أنه رُصد بالأشهر الأربعة الأخيرة، عودة لكثير من عمليات المقاومة السابقة، مثل إطلاق النار وظهور علني بالسلاح من قبل شبان، وهي مظاهر غابت طويلاً عن المشهد لمدة تزيد عن 15 عاماً.

حالة ميدانية مختلفة..لكن دونما تطوّر إلى انتفاضة شاملة

وتابع شديد: "أعتقد أن هذا يتم متابعته إسرائيلياً بشكل حثيث وقوي، لما له من تداعيات كبيرة على العلاقة الفلسطينية-الإسرائيلية، وكذلك تأثيراته على المشروع الصهيوني الإستعماري الذي لا يمكن أن ينجح دون استقرار وهدوء تام".

وأكد شديد أن القراءات العامة لما يجري في الضفة منسجمة من حيث الإقرار بأن هناك تآكل في هيبة ومصداقية السلطة الفلسطينية لدى شرائح واسعة، بموازاة قناعة لدى شرائح فلسطينية بأن الإحتلال باقٍ ومستمر رغم كل شيء. وهو ما يدفع مستويات أمنية وسياسية إسرائيلية إلى التأهب لإمكانية استمرار الحالة الميدانية الموجودة خصوصاً بشمال الضفة الغربية، وأيضاً تمددها إلى باقي مناطقها.

بيدَ أن عادل شديد، يعتقد أن الحالة الميدانية الجديدة لن تتطور إلى مستوى انتفاضة شاملة كاللتين حدثتا في ثمانينيات القرن الماضي وعام 2000، للكثير من الأسباب، أبرزها: عدم وجود قدرة أو إرادة لدى النظام السياسي القائم بالضفة الغربية على خوض انتفاضة في الوقت الحالي. ناهيك عن سبب آخر يتمثل بالإنقسام وعدم وجود إجماع فلسطيني على قيادة معينة ومُوحدة، إضافة إلى الإفتقار إلى اتفاق على برنامج موحد سواء مرحلياً أو استراتيجياً، ما يُبقي فرضية أن تتطور الأمور إلى انتفاضة منظمة "معادلة صفرية غير موضوعية وغير قائمة".

وهذا يعني، بمنظور شديد، بقاء احتمالية أن تتفجر الأمور هنا وهناك، ووقوع عملية بين الفينة والأخرى..وبالمحصلة، فإنّ حالة الهدوء التام التي استفادت منها إسرائيل قد انتهت، خاصة أن قيادة السلطة الفلسطينية لم تعد قادرة على ضبط الأمور؛ لأنها لا تستطيع إقناع الناس بوجود عملية سياسية يمكن أن تؤدي إلى حل مُرضٍ، كما أن الشعب سئم من التعامل كما سبق، وفق عادل شديد.

"غياب المفاوضات والحلول..يقود إلى العنف"

من جهته، قال السياسي والإعلامي نبيل عمرو إنّ هناك معادلة ثابتة منذ زمن قديم، مفادها: "في حال غياب أي أفق لحل سياسي يرضى عنه الفلسطينيون، لا بد وأن تنشأ حالة أقرب الى العنف وربما المستمر. كل تاريخ العمل الفلسطيني محكوم بهذه المعادلة".

وأكد القيادي في حركة "فتح" وسفير فلسطين الأسبق لدى مصر نبيل عمرو، في حديث لموقع "زوايا" ان هناك شعورا محليا وإقليميا ودوليا بأن العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد انتهت، وبالتالي سيفتح ذلك، الباب واسعا أمام احتمالات من ضمنها العنف والتصعيد.

وشدد عمرو على أن الإسرائيليين من جانبهم، لم يغلقوا فقط باب المحادثات السياسية والمفاوضات والحل السياسي، وإنما فتحوا بابا واسعاً لقمع مُتمادٍ ضد الفلسطينيين، حيث تمثل بتشديد الحصار وعدم إيجاد أي حل بموضوع غزة، وأيضا ما يتعلق بالدم الغزير الذي يسيل في الضفة. ووضع عمرو هذه الحالة، في سياق تكريس المعادلة القائلة إن "غياب الأفق السياسي يؤدي إلى تحول نحو العنف والتصعيد".. موضحاً أن هذه هي المعادلة الثابتة بالوضع الفلسطيني-الإسرائيلي.

"المجتمع الدولي غير مسؤول عما يجري هُنا..وإنما انسداد الأفق"

وعن دور المجتمع الدولي، رأى نبيل عمرو أنه لا علاقة للمجتمع الدولي في ما يجري على الأرض الفلسطينية، وإنما المسؤول هو انسداد الأفق الذي يتحمل الجزء الأكبر منه، الجانب الإسرائيلي الذي لم يكتفِ بأن ابتعد عن العملية السلمية كما تجسد في خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، بل ألغى الوجود الفلسطيني كلياً وكأنه موجود بكوكب آخر أو لديه مشكلة مع جهات أخرى!.

وخلص عمرو إلى القول إن "المجتمع الدولي لا ناقة له ولا جمل في كل ما يحصل بالأرض الفلسطينية. فقط عليه أن يؤيد ويُصدر قرارات، لكن ما يجري على الأرض هنا، هو الذي يحكم الحاضر والمستقبل.. هناك انتهاء للعملية السياسية، وستكون له تداعيات في غاية الخطورة والصعوبة. وحتى لو كانت غامضة، فإنها حتماً ليست إيجابية".

مُقاربة التسهيلات الأمريكية للفلسطينيين..لن تتغير باشتعال الضفة

وتطرق نبيل عمرو إلى المقاربة الأمريكية التي تعتقد أن مجرد التسهيلات الإقتصادية وتحسين الواقع المعيشي للسكان الفلسطينيين بعيداً عن الأفق السياسي، من شأنها أن تُخفض مستوى التوتر. وقال عمرو إن هذه "المقاربة خاطئة من وجهة نظرنا من أساسها، دون الحاجة إلى قرائن متمثلة بالتصعيد الميداني الأخير؛ كي نُثبت خطأها".

لكن عمرو، شدد على أن الإدارة الأمريكية عندما تضع أجندة خاصة للتعامل السياسي على الصعيد الدولي، فهي بالتأكيد لن تغير أجندتها لمجرد ظهور خلل هنا أو هناك مثل وقوع تصعيد ميداني بالضفة. وبالتالي، مَن أطلق رصاصة الرحمة على العملية السياسية المحتضرة أصلاً هو قول الرئيس الأمريكي جو بايدن أن القضية الفلسطينية ليست على الأجندة، رغم إقراره بأن "حل الدولتين هو الأفضل".

واستنتج عمرو، أنه بسبب الموقف الأمريكي، قرأ الإسرائيليون ما قاله بايدن، على أساس أنه تصريح بمنحهم مزيد من الوقت بإطلاق اليد فيما يفعلونه في الضفة وحول غزة. وتابع: "لا تنتظر تغييرا من الإدارة الأمريكية بمجرد اشتعال الوضع.. قد يأتون لمحاصرة النيران، ولكنهم بعيدون جدا عن تقديم برنامج للحل".

وحول المطلوب من السلطة الفلسطينية، شدد عمرو على أنه من الضروري الفهم بأن الخطوات المطلوبة من السلطة يجب ألا تكون فقط لمجرد إرضاء الأمريكيين، أو لإستقطاب دعمهم وتأييدهم لعملية سياسية. وإنما هي حاجة فلسطينية بالأساس، سواء كانت الخطوة بالإنتخابات وإقرار القانون ووضع خطط تنمية، ومروراً ببناء المؤسسة الوطنية.

وأضاف: "كفى أن نعمل فقط ما يمكن أن يرضي العالم ولا يرضينا.. يجب أن نرضي شعبنا بالأساس؛ لأنه الأصل لإقامة الرهان عليه. أنا لا أرى أنه يجب عمل الكثير لإرضاء أمريكا، بل عمل ما هو أكثر لتوفير أسباب الصمود والعمل الفلسطيني الذي يرفض رفع الراية البيضاء أمام إسرائيل، حتى لو وقف العالم كله وراءها".

المقاربة الأمريكية..تُفقد الفلسطينيين الأمل وتخلق توتراً

من جانبه، قال الكاتب الصحفي والمختص بالشأن الأمريكي داود كُتّاب إن الأحداث الميدانية الأخيرة بالضفة تُظهر خطأ المقاربة الأمريكية، التي تعتقد أن تحسين الواقع الإقتصادي للفلسطينيين بعيداً عن الأفق السياسي سيُخفّض مستوى التوتر.

وأكد لموقع "زوايا" أن الحكومة الأمريكية "معنية بالهدوء وكرامة الإنسان الفلسطيني والإسرائيلي معاً، وليست مهتمة كثيرا بموضوع المفاوضات السلمية". لكن كُتّاب، قال إن الموقف الأمريكي ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت باستبعاد الحل السياسي، خلق حالة من انعدام الأمل..معتبراً أنه "دليل على خطأ بالتفكير القائل أن إبعاد موضوع المفاوضات والإكتفاء بتسهيل الحياة سيخفض التوتر. على العكس، أدى ذلك إلى ثورة الناس"، وفق داود كُتّاب.

ورأى كُتّاب أن واشنطن ستكتشف ولو بعد حين أن موقفها خاطئ، وأنه لا بد من العودة إلى المفاوضات لإعطاء أمل الناس. وتساءل: "لماذا هرب الأسرى الستة من سجن جلبوع؟"..ثم أجاب: "لأن مفاوضات التبادل فشلت. إذاً، غياب الأمل يخلق توتراً".

غير أن داود كُتّاب، شدد على أن واشنطن لم تُدرك بعد، خطأ مقاربتها حيال الملف الفلسطيني.

تصعيد يستبق تسويات مستقبلية؟

بيدَ أنّ، بعض القراءات الإسرائيلية الصادرة عن معهد البحث الأمن القومي، تعتقد أن تشكيل حركة "حماس" خلايا عسكرية في الضفة، يرتبط بعملية الضغط على تل أبيب بشأن عملية التسوية في قطاع غزة. وذللك، تزعم هذه القراءات أنّ قسماً من التصعيد في الضفة مرتبطٌ ب"شد العضلات" بين حماس وإسرائيل، وهي مرحلة تستبق مرحلة الحلول والتسويات في المنطقة عموماً، وما يتعلق بالقضية الفلسطينية خصوصاً، وفق قولها.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo