الأسرى الفلسطينيون ....وهج القضية ورمزية البقاء

الأسري في سجون الاحتلال
الأسري في سجون الاحتلال

(1) السجن..أول بدايات الاحتلال

رمزية الاسرى في تاريخ النضال الفلسطيني لها حضور ووهج كبير, واحتلت مكانة رفيعة في الارث والادب الفلسطيني , كما اصبحت علما في مشوار الحرية والمواجهة مع الاحتلال, ونموذجا كبيرا على قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والبقاء وتحمل كل اصناف المعاناة, فضلا عن الطاقة القوية التي تبثها قضية الاسرى في روح القضية الفلسطينية.

الفلسطينيون يتوزعون ما بين شهيد أو أسير أو جريح أو مبعد, وكل من هؤلاء اكتسب زخما وطنيا وسياسيا واصبح رمزا يتغنى به المواطن الفلسطيني ويفخر به ويكتب له القصائد والاغنيات.

بلا مبالغة, فان دولة الاحتلال عملت او اجتهدت ان تسجن كل الشعب الفلسطيني وتضعه خلف القضبان, وتقتل الروح الوطنية وتخلق حالة من اليأس من خلال الموجات الكبيرة للمعتقلين في السجون. وتشير دراسات إلى أن إسرائيل كثفت من عمليات الاعتقال والأسر خلال الانتفاضة الأولى (1987-1994)، حين تم اعتقال سبعة وعشرين ألف فلسطيني غالبيتهم من القوة النشطة اقتصادياً المتمثلة بفئة الشباب، وإضافة إلى ذلك اعتقلت السلطات الإسرائيلية خمسة وثلاثين ألف فلسطيني خلال الانتفاضة الثانية التي انطلقت من باحات الأقصى المبارك في نهاية أيلول/سبتمبر/ من عام 2000.

ان هذا التوحش الاسرائيلي في تحويل الحياة الفلسطينيين الى جحيم ومطاردتهم ومن ثم القائهم في غياب السجون وتركهم لعقود وعقود, يدل على لا انسانية هذه الدولة التي تمرست وأدمنت على خرق القوانين وتجاوز الاخلاق.

ان اسرائيل لم تجد طريقة لقتل الحلم الفلسطيني ووأد طموحاتهم الوطنية الا من خلال عمليات الاعتقال وتغييب المناضلين خلف القضبان , ولم تترك مدينة أو مخيما أو قرية الا وحرمت الامهات من رؤية ابنائهم الذين دخل بعضهم السجون في ريعان الشباب وخرجوا بعد ان بلغ من العمر عتيا.

غير ان هذه العصا الغليظة لم تردع الشباب الفلسطيني من الانخراط في مشوار النضال والثورة, ورغم ان بعضهم اعتقل مرة وثانية وثالثة الا انه كان يخرج من بوابة السجن ليبدأ مشوارا جديدا, ما اعجز دولة الاحتلال, ودفع رئيس الوزراء رابين ليقول كلمتهم الشهيرة" ماذا الذي يمكن فعله امام انسان يقدم على الموت بلا تردد".

اقرأ أيضاً: كيف تحولت الانتخابات المحلية إلى سبب إضافي لتعزيز الانقسام؟

حتى النساء, لم يغبن عن المشهد منذ انطلاقة الثورة, وتشير الكثير من المصادر إلى أن ما يقارب عشرة آلاف وخمسمائة امرأة فلسطينية دخلن المعتقل منذ بداية الاحتلال حتى بداية العام الحالي 2017. وكثيراً ما كانت بين المعتقلات أمهات قضين فترات طويلة في السجون الى جانب اطفالهن الرضع. وكانت أول أسيرة في تاريخ الثورة الفلسطينية هي الأسيرة فاطمة برناوي من القدس، والتي اُعتقلت عام 1967م، وحكم عليها بالسجن المؤبد، وأفرج عنها عام 1977م.

(2) مسيرة معمدة بالعذاب

لقد بدأت مسير الاسرى المعمدة بالعذاب والمعاناة وتحمل كل اصناف الظلم والاضطهاد والتعسف في الحقوق منذ أن وطأت اقدام الاحتلال ارض فلسطين , ويوم ان شرع الفلسطينيون سيوفهم  لطرد الاحتلال وزعزعة استقراره ومنعه من التمدد والتغول على الحقوق الفلسطينية. حينها, والى جانب سياسة القتل والتهجير والتشريد, بدأت قصة الاعتقال الابدية , والتي تكاد تكون ولجت كل بيت فلسطيني ولم يسلم منها أحد. ان قرابة خمس الشعب الفلسطيني قد دخل السجون الإسرائيلية منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي ، حيث يقدر عدد عمليات الاعتقال ضد الفلسطينيين منذ عام 1967 حوالي 800 ألف عملية اعتقال، أي أكثر من 20% من أبناء الشعب الفلسطيني قد دخلوا السجون لفترات وطرق مختلفة.

ولأنها اصبحت جزءا من الارث والتاريخ , واضحت ملازمة لكل مسار من مسارات النضال الفلسطيني فقد افرد لها الفلسطينيون يوما يسمى بيوم الاسير الفلسطيني, وهو يوم 16/4 من كل عام.

ان اسرائيل احترفت بناء السجون والمعتقلات, التي ازداد عددها عاما بعد عام, بعد ان كانت السجون تغص بالمعتقلين.

ومنذ اللحظات الأولى للاعتقال, يبدأ مسلسل العذاب, وتفتح كل ابواب الظلم والاضطهاد والحط من الكرامة والاجبار على أوضاع مؤلمة ومحاولة لكسر الروح المعنوية من خلال فنون مبتدعة من التعذيب النفسي. تبدأ من تركه يجلس على كرسي لساعات طويلة دون نوم ودون طعام ومن ثم زجه في زنزانة صغيرة يطلق عليها القبور, ثم يبدأ مسلسل التحقيق من مجموعة من الوحوش البشرية التي تلقت تدريبات احترافية في كيفية اجبار المعتقلين على الاعتراف من خلال التناوب بين سياسة الترغيب والترهيب والتهديد. 

حتى بعد انتهاء فترة التحقيق وانتقاله الى غرف السجون, يبدأ مسلسل الاقتحامات وعمليات التفتيش المتكررة للزنازين والغرف، في أوقات غير محددة، يرافق ذلك تخريب مقتنيات الأسرى.

هذه تكاد تكون حياة يومية لا تتوقف !! ومن المعتقلين من لازمته هذه العقوبات سنوات وسنوات, ومن من نال جرعات طويلة من العزل الانفرادي, ومن من حرم من زيارة اهله لسنوات.

انها سنوات اثقل من الجبال وأصعب من الصعب نفسه , غير ان روح المعتقلين الثائرة وعزيمتهم الصلبة وارادتهم التي لم تكسر غيرت هذه المعادلة ونجح المعتقلون في مرات كثيرة في فرض ارادتهم على سطوة السجان وتغيير الواقع القائم في السجون.

(3) أرقام ليست جوفاء

هذه الارقام ليست جوفاء! ولكنها تعبر عن عمق المأساة الكبيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني, وتعكس –في نفس الوقت – قوة التحدي التي يتسلح بها الفلسطينيون في مواجهة الاحتلال. فهذه الارقام الكبيرة للأسرى الفلسطينيين وكذلك المحكوميات العالية تدلل ان وهج النضال الفلسطيني لم يتوقف يوما, وان الثمن الكبير الذي يدفعه الفلسطينيون من حياتهم وارواحهم وممتلكاتهم واختفائهم خلف قضبان السجون لم تمنعهم من التمسك بنهج التضحية وتعزيز الصمود في مواجهة الاحتلال.

ان المناطق الفلسطينية –عموما- سواء الضفة الغربية او قطاع غزة او القدس تحولت الى سجون كبيرة , تفرض فيها كل الاجراءات الاحتلالية المشددة, من حواجز ثابتة وطيارة ومن الى تناثر المواقع العسكرية في كل المدن والقرى,  الى تحويل الضفة الغربية الى كانتونات معزولة فضلا عن تعرض المواطنين للتحقيق والاذلال واطلاق النار عليهم, واجبارهم ان يناموا في العراء او أن يتناولوا افطار رمضان على الطرقات وبين الاشجار.

اما تلك السجون التي تحشر اجساد المقاتلين والمناضلين والباحثين عن الحرية فانها تتوزع على 23 سجنا ومعتقلا ومركز توقيف، تصفهم المؤسسات الحقوقية بالأسوأ على المستوى العالمي.

ان الارقام "المرعبة" واللانسانية تظهر في الجانب الاخر الوجه الوحشي والاجرامي للاحتلال, الذي لا يتورع عن فرض اقصى العقوبات على المناضلين لمجرد ممارستهم حقهم الطبيعي في مقاومة الاحتلال وتجريده من شرعيته المزعومة.

هذه الارقام التي تعكس بؤس(المقابر) التي يعيشون فيها وتكشف عن الفضيحة الكبرى لحقوق الانسان في دولة تدعى انها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط!!

دعونا نلقي نظرة سريعة على ارقام المعتقلين

هناك نحو 543 معتقلا يقضون أحكاما بالسجن المؤبد (يساوي 99 عاما حسب القانون العسكري الإسرائيلي) لمرة واحدة أو عدة مرات.

كما تشير المعطيات إلى أن 34 أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من 25 عاما داخل السجون الإسرائيلية، في حين مضى على اعتقال نحو 13 أسيرا ما يزيد على 30 عاما متواصلة.

أما عن المعتقلين الإداريين (من دون محاكمة) داخل السجون الإسرائيلية فقد بلغ عددهم من بين إجمالي الأسرى بلغ نحو 540 معتقلا إداريا.

عدد شهداء الحركة الأسيرة (222) شهيداً، وذلك منذ عام 1967م، بالإضافة إلى مئات من الأسرى اُستشهدوا بعد تحررهم متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون.

من بين المعتقلين من تصدم كيف تحملوا عبء السنوات المؤلمة والمتعبة خلف القضبان, وكيف تأقلموا مع واقع اصعب من الخيال.

خذ مثلا المعتقل عبد الله البرغوثي صاحب أعلى محكومية، إذ قضت عليه محكمة بالسجن 67 مؤبدا , أما الأسير كريم يونس (62 عامًا) بعميد الأسرى الفلسطينيين فقد قضى أكثر من 38 عامًا برفقة ابن عمه ماهر يونس (61 عاما) وحكم عليهما بالسجن مدى الحياة بتهمة قتل جندي إسرائيلي عام 1983.

أما  الأسير نائل البرغوثي (63 عاما) فقد قضى نحو 35 عاما داخل السجون الإسرائيلية والمحكوم بالمؤبد بتهمة قتل جندي إسرائيلي وقد اقترب من إنهاء 4 عقود من الاعتقال، ومن بين إجمالي الأسرى، يوجد 43 سيدة، و225 طفلا.

(4) الموت البطيء

القمع..التنكيل..الاهمال الطبي. التعذيب الجسدي. العزل.. منع الزيارات, كلها مصطلحات تسمعها كل يوم بشكل اعتيادي وفي كل نشرات الاخبار.ولان الفلسطينيين لديهم حساسية كبيرة جدا لقضية الاسرى فانهم دأبوا على تتبع أخبارهم بكل تفاصيلها الصغيرة والدقيقة والتفاعل معها, ولا يكاد يمر يوم دون ان تجد خبرا يتحدث عن معاناة المعتقلين او بطولاتهم , او ترى مسيرة في شارع او مهرجانا شعبيا يرفع صورهم ويمجد صمودهم الاسطوري خاصة في فترة الاضرابات عن الطعام والتي تشهد التحاما وطنيا واسعا مع المعتقلين.

التقارير التي تصدر عن المنظمات الحقوقية – المحلية والدولية- تكاد تجمع على ان المعتقلين الفلسطينيين يعانون الامرين ويواجهون سياسات عقابية قاسية ويتعرضون لأصناف متنوعة من القمع والتنكيل ومصادرة حقوقهم.

ومن العذابات الشاهدة على وحشية الاحتلال وغياب القيم والاخلاق, وحتى القوانين الدولية, وجود قرابة ألف وسبعمئة أسير يعانون من أمراض مختلفة، بينهم مئة وثمانون أسيرا يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، وخمسة وعشرون أسيرا يعانون من مرض السرطان، بالإضافة إلى سبعين أسيرا يعانون من إعاقات جسدية ونفسية، ويضاف الى معاناة المرض سياسة الاهمال الطبي التي تنتهجها ادارة السجون لكي تكسر نفسية وارادة المعتقلين ومنعهم من ابراز قوتهم امام السجان

(5) الحاجة الى نصرتهم

قضية الاسرى من صلب القضية الفلسطينية ومن غصونها وفروع شجرتها الكبيرة, وهي بحاجة الى وقفة قوية وجادة لنصرة هؤلاء واخراجهم من القبور التي يعيشون فيها, وهذا لا يتأتى الا اذا تعاضدت كل القوى السياسية والوطنية وجعلتها في رأس اهتماماتها واولوياتها وتجيير طاقات ومقدرات الشعب الفلسطيني-السياسية والقانونية- للدفاع عنهم وتحريك قضيتهم في المحافل الدولية.

ان هؤلاء الابطال –السجناء- يجب ان يظلوا في الذاكرة الفلسطينية, وفي عمق فكرهم وتخطيطهم , لانهم رسموا طريق الثورة واختطوا مسار التحرير وعلموا الاجيال معنى التضحية وحب الوطن.

هم دين في اعناق كل الاحرار الذين يعشقون الحرية ويتغنون بقيم الانسان وحقه في العيش الكريم.

 

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo