الصورة التي لم تلتقط

الأسيرة خالدة جرار
الأسيرة خالدة جرار

لا شك ان تحرر الأسيرة القائدة خالدة جرار من سجنها يوم السادس والعشرين من أيلول كان محط أنظار الرأي العام المحلي والدولي، رغم تزامنه مع الحدث الجلل بارتقاء خمسة شهداء في جنين ومنطقة شمال غرب القدس، وذلك نظراً لمكانة خالدة وشعبيتها الواسعة، وخصوصية هذا الافراج الذي جاء بعد نحو شهرين من الوفاة المفجعة لابنتها الشابة سهى، وهي قيد الأسر محرومة من القاء نظرة الوداع على ابنتها.

عشرات الصحفيين ووكالات الانباء كانوا بانتظار لحظة الإفراج في جنين، ولقاء خالدة مع زوجها وشقيقاتها، لالتقاط وتغطية هذه اللحظة التي تمتزج فيها مشاعر الفرح بدموع الحزن والأسى، وجموع أكبر من الصحفيين ارتأت أن اللحظة الأهم والأكثر حساسية، هي لحظة وصول خالدة الى ضريح سهى في مقبرة رام الله الجديدة، وهو ما كانت اعلنته العائلة للصحفيين كمحطة أولى لوصول خالدة الى رام الله، ما يعطي رخصة للصحفيين لتغطية هذه اللحظة بكل ما فيها من تفاصيل، ومن شلال دموع ومشاعر أنسانية جياشة، لا تنتقص أبداً من صلابة وشموخ وعنفوان القائدة جرار، بل تعطي بعداً انسانياً ضرورياً لسمات المناضلين والقادة.

اقرأ أيضاً: الخطاب الإعلامي الفلسطيني.. والأقطاب الإقليمية

من هنا فان الجدل الذي أثير حول مهنية الصحفيين والمصورين الذين التقطوا صوراً لخالدة لحظة تحررها وعناق اسرتها واصدقاءها، او ساعة وصولها ضريح ابنتها وما افاضته من دموع، او قالته من كلمات وعبارات تعكس مشاعر الامومة الطبيعية، هو جدل قد يكون ضرورياً للتأكيد دوماً على اخلاقيات المهنة، لكنه يجب ان يخلص الى أحقية الصحفيين في فعل ما فعلوه، طالما كانت الدعوة أساساً من العائلة لمشاركتها هذه اللحظة، ولم تشر الى ما يقيد الصحفيين من التغطية، وذلك لاعتبار ان هذه اللحظة بكل ما فيها من خصوصية، كان من الممكن ان تكون يوم الوفاة فيما لو كانت خالدة حينها حرة، وما كانت لتثير أي جدل، وهو مشهد اعتدنا عليه دوماً في تشييع الشهداء، او عند وفاة الشخصيات العامة او أي شخص آخر تكون وفاته حدثاً عاماً يستوجب الاهتمام الصحفي، فلا جديد هنا سوى ان المشهد قد تأخر قسراً بفعل الاحتلال لمدة شهرين. وهو بالمناسبة مشهد تكرر مع خالدة عند تحررها من الاعتقال الماضي قبل عامين ونصف على قبر والدها في مدينة نابلس، ولم يثر حينها أي جدل.

هذا لا يعني أبداً أن خصوصية الشخصيات العامة تكون مشاعاً، ودون حدود وضوابط، بل أن ما يحدد ذلك هو قرار الشخص ذاته، وسؤال الصحفي لنفسه حول أهمية وجدوى الحدث ونقله للمتابعين، وأي أثر سيترك، سواء لدى محبي خالدة ومؤيدي قضيتنا الوطنية والانسانية، أو لدى اعداء الشعب الفلسطيني الذين يتلذذون بلحظات ومشاهد انكساره وانكسار أي من قادته، وباعتقادي ان الحزن والأسى والدموع ليست انكساراً، بل مشاعر طبيعية تضفي على القائد سمة الانسانية، وتضفي على نضالنا بعده الانساني الضروري والهام في مواجهة محاولات اضفاء صفة الوحشية والتجرد من القيم الانسانية.

 وهنا اختم بالتنويه الى أن اللحظات الأكثر خصوصية في قضية خالدة وفاجعتها، هي تلك التي لم تلتقطها عدسات الكاميرات، وهي لحظة دخولها منزلها وغرفة الراحلة سهى خاصة، ولحظة زيارتها لوحدها لضريح سهى في اليوم التالي لتحررها.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo