أحدث مفهوم صحافة المواطن تحولاً في البيئة الإعلامية، خاصة بعد تطور تكنولوجيا الاتصال والإعلام، نظرا للخصائص والمميزات التي تتوفر فيه، والتي أهلته لأن يلعب دورا كبيرا في تكريس سلطة المستخدم والمتلقي في العملية الإعلامية.
ولعل ما ساهم في انتشار صحافة المواطن في الأوساط الاجتماعيّة، هو اعتبارها وسيلة لنشر الأخبار والحقائق ايضاً التي لا يجرأ الإعلام التقليدي على عرضها وطرحها، وهو ما أعطى عمقا للنشاط التواصلي لصحافة المواطن وأثرها في توجيه الرّأي العام وبنائه على نحو يجعل من هذه "الصحافة" سلطة تهدّد السّلطة التقليديّة للإعلام الرّسمي.
كما شكلت صحافة المواطن سلاحاً ذوي حدين وهو ما يدفعنا للتساؤل:" إلى أي مدى استطاعت صحافة المواطن تخطي حاجز دوامة الصمت وتحرير الرأي العام؟، فهناك من يبالغ في الاحتفاء بالآثار الإيجابية لإعلام المواطن ويراه وسيلة للتعبير الحر عن الآراء وتحقيق الرقابة الشعبية؛ بل واعتباره وسيلة للتغيير الاجتماعي، وهناك اتجاه ثانٍ يعارض فكرة إعلام المواطن، ويؤكد ضرورة الاحتراف والمهنية، ويطعن في دقة ومصداقية محتواه، مستدلاً بوقائع ارتكب فيها مدونون انتهاكات لحقوق الملكية والخصوصية وعدم الدقة وترويج الشائعات.
وسيلة للرقابة والمساءلة
ويرى الصحفي والأكاديمي د. محسن الإفرنجي الحاصل على دكتوراه في الإعلام التلفزيوني أن صحافة المواطن مثلها مثل أي لون من فروع الإعلام الأخرى، وأنها ظاهرة حققت انجازات كبيرة جدا منذ أن أصبحت ملموسة الجوانب في كل مناحي الحياة، خاصة بعد ما يسمى بالربيع العربي، وأنها استطاعت أن تشكل وسيلة للرقابة والمساءلة والشفافية وأن تضغط على حكومات وتغير قرارات، وتؤثر على مواقف، وأن تحرك موضوعات جامدة.
اقرأ أيضاً: كيف تحولت الانتخابات المحلية إلى سبب إضافي لتعزيز الانقسام؟
وأضاف خلال حديثه لـ"زوايا" أن الحكومات وخاصة العربية منها باتت تدرك خطورة وأهمية المواطن الصحفي وتتعامل مع الموضوع من باب التنفيس وتسمح ببعض المساحات الحرة للمواطن ولكن ضمن سقف محدد، موضحاً أن قدرة المواطن الصحفي على تخطي الصمت وتحرير الرأي العام كانت ملموسة من خلال الهشتاقات والحملات الإعلامية.
وتطرق "الإفرنجي" إلى الهاشتاق الذي أطلقه النشطاء والمواطنون الصحفيون ضد سياسة موقع "فيسبوك" خلال العدوان الأخير على قطاع غزة الذي لاقى صدًا واسعًا محليًا وعربيًا، الأمر الذي دفع إدارة إلى التواصل مع الوسطاء وغيرهم، لتجاوز هذه الأزمة.
وبين أن أحد أهم العيوب التي أضعفت هذه الحملات أنها افتقدت إلى العمل المنظم والمهني، كون أن أصحابها غير مهنيين ولا يخضعون للاعتبارات المهنية والصحفية.
وسيلة مكملة وليست منافسة
وبحسب الأكاديمي الإفرنجي فإن المطلوب هو النظر لصحافة المواطن كمكملة لوسائل الإعلام وليست كمنافس، وأن يستفاد منها في تطوير أدوات العمل الصحفي ولا يتم إقصائها، بعد أن تجاوزت فكرة الطعن والمنع والملاحقة، حيث بات المواطن الصحفي يسبق الكثير من وكالات الأنباء في نقل بعض الأخبار والصور والأحداث.
وأشار "الإفرنجي" لـ"زوايا" إلى تجربة إحدى المؤسسات الإعلامية خلال ما أطلق عليه بثورة الربيع العربي التي استطاعت تدريب عدد كبير من المواطنين على كيفية جمع الأخبار والصور والفيديوهات الصحفية ونشرها، الأمر الذي عاد بالمنفعة الكبرى لتلك المؤسسة بعد أن جندت العشرات للعمل بجانب طاقهما رغم التباعد الجغرافي لهؤلاء المواطنين.
ويؤكد الصحفي الإفرنجي أن صحافة المواطن تحتاج إلى عمل شاق وجهد متكامل ومزيد اللقاءات بين الإعلاميين والمختصين وتلك الفئة من المواطنين لضبط عمل صحافة المواطن وجعلها أكثر مهنية والتزاماً بالضوابط المهنية والأخلاقية، مشيرًا إلى أن المواطن الصحفي يرتكب الأخطاء غالباً دون قصد، لأنه يعمل بشكل عشوائي ويبحث عن الشهرة، بعيداً عن اخلاقيات ومحددات العمل الصحفي المهني.
دفعت نحو مزيد من الجرأة
من جهته أكد الدكتور أحمد حمودة الباحث في علوم الإعلام والاتصال الرقمي ومدير الكلية العربية للعلوم التطبيقية بغزة لـ"زوايا" أن صحافة المواطن أثرت على المهارات المهنية للصحفيين بالتفاعل مع الرقمية التكنولوجية، وشجّعت على المزيد من الجرأة لدى الصحفيين، وأوجدت المنافسة الإيجابية بينهم على مستوى جودة المادة الإعلامية، كما ساهمت في الرفع من سقف حرية التعبير مما جعلها تشكّل منافسا قويا لوسائل الإعلام التقليدية.
وأضاف أن البيئة الإعلامية الجديدة في فلسطين شهدت توجهاً ملحوظاً لوسائل الإعلام التقليدية نحو تبنّي المضامين التي ينتجها المواطنين الصحفيين كي يكونوا سندا مكملًا لما تبثّه وسائل الإعلام الفلسطينية.
وتدلّ أمثلة كثيرة على أنّ مضامين صحافة المواطن كان لها هذا الأثر حيث ساهمت في إمداد مؤسسات الإعلام الفلسطينية ومؤسسات المجتمع الدولي بمعلومات حول حقيقة تطورات الأحداث في فلسطين عن جرائم اقترفتها قوات الاحتلال بحق المدنيين والأبرياء لاسيما المتعلقة بتهويد مدينة القدس الشريف، والاعتداءات المتكررة بحقّ المصلين والأهالي في القدس، والقتل المباشر والمتعمد للمشاركين في مسيرات العودة بفلسطين.
توصيات بإدراجها بالمنهاج الدراسي
ويرى "حمودة" أنّ سبل النهوض بـمستقبل العلاقة بين الصحفي المهني والمواطن الصحفي يرتكز على تنظيم دورات تدريبية لتأهيل المواطنين المهتمين بالعمل الصحفي على قواعد وأخلاقيات النشر، وتدريب الصحفيين المهنيين على كيفية التعاون الإعلامي مع المواطن الصحفي من أجل رفع جودة العمل الصحفي.
كما نصح "حمودة" عبر "زوايا" بإدراج منهاج دراسي لطلبة الجامعات الفلسطينية حول صحافة المواطن، وتعديل القوانين والتشريعات الإعلامية الفلسطينية لمواكبة التطورات الرقمية، وتشكيل لجنة فرعية خاصة بمستخدمي صحافة المواطن.
ويجمع صحفيون خلال لقاءات أجراها مركز "زوايا" أن صحافة المواطن باتت لصيقة بالعمل الصحفي ولا يمكن الاستغناء عنها، لكنها بحاجة إلى ضوابط أخلاقية ومهنية، وعمل ورشات وندوات توعوية بضوابط النشر تكفل حماية المواطن من الجرائم الإلكترونية، والملاحقة القانونية.