لماذا تعارض إسرائيل مؤتمر ديربان؟

مؤتمر ديربان
مؤتمر ديربان

للإجابة على هذا السؤال لا بد من تعريف موجز بهذا المؤتمر

انطلقت فكرة المؤتمر عام 2001م، وتم اختيار مدينة ديربان في جنوب أفريقيا لعقده في انطلاقته الأولى.

فكرة المؤتمر الرئيسية تتمثل في مناهضة العنصرية بكل أشكالها، دينية كانت، أو عرقية، أو لأي من أسباب التمييز العنصري الذي عرفها البشر طوال تاريخهم القديم والمعاصر، كما أن من ضمن أهدافه- حسب المؤتمر نفسه- اتخاذ تدابير بعيدة المدى لمكافحة العنصرية بجميع مظاهرها، بما في ذلك تعزيز التعليم ومكافحة الفقر وتحقيق التنمية وتحسين سبل العلاج والموارد لضحايا العنصرية، ودعم احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان.

حتى اللحظة تم عقد المؤتمر ثلاث مرات على النحو التالي:

المرة الأولى عام 2001م في مدينة ديربان بجنوب أفريقيا، أما المرة الثانية فكانت عام 2009 بجنيف السويسرية، والثالث الذي عقد عام 2011 في نيويورك الأمريكية، لكن اسم المؤتمر ظل مرتبطاً باسم ديربان المدينة الجنوب أفريقية التي انعقد فيها المؤتمر للمرة الأولى، وفي اعتقادي فإن لانعقاده في مرته الأولى في جنوب أفريقيا رمزية خاصة شديدة الوضوح، فجنوب أفريقيا دولة رزحت تحت حكم التمييز العنصري، ليس فقط كما يقال بعد فوز الحزب الوطني البويري، الذي حكم رسمياً بسياسة التمييز العنصري، إنما منذ أن وطئت جحافل الهولنديين أرض جنوب أفريقيا، لكنها اتخذت شكلاً رسميا ما بعد فوز الحزب الوطني، وبقيت كذلك حتى عام 1994م، خلال تلك المدة كانت الدولة تحكم بقوانين متعددة، بعضها للبيض، وبعضها للسود، وكان السود الذين كانت تصل نسبتهم إلى حوالي 80% من مجموع السكان محرومين من العمل في وظائف كثيرة خاصة بالبيض، وممنوعين من ارتياد مناطق البيض، والسكن فيها، وممنوعين بالطبع من المشاركة في الانتخابات العامة.

إسرائيل تجد في النظام العنصري البائد في جنوب أفريقيا أوجه شبه بها، حيث تُحكم كل فلسطين بواسطة دولة واحدة التي هي إسرائيل، لكنها لا تحكم بقانون واحد، ولا يسري على جميع سكان فلسطين التاريخية نفس القانون، إنما قوانين متعددة، غير متساوية، أحدها لليهود في الأراض المحتلة عام 1948م، وآخر للفلسطينيين الذين بقوا في أراض ال48م، وآخر للضفة، وآخر لغزة، ولا تزال ترفض الاعتراف بحق الفلسطينيين حتى في الأراض التي احتلت عام 1967م، وتصر على بقاء سيطرتها على كل الأراض الفلسطينية، دون أن تعترف بحق كل ساكني الأرض التي تحكمها بالمساواة، أو التمتع بذات القانون، وهذا ما يجعلها نموذجاً صارخاً لنظام التمييز العنصري" الأبارتايد" ومن ثم تخشى من مخرجات المؤتمر الذي يحمل عناوين تحارب التمييز العنصري، ويحمل اسم مدينة لطالما عانت من ويلات التمييز العنصري.

اتسم المؤتمر الأول الذي عقد قبل أيام قليلة من هجمات 11 سبتمبر عام 2001، بجدل واسع وانقسامات عميقة حول قضايا معاداة السامية والاستعمار والعبودية، حيث غادرت الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى المؤتمر احتجاجاً على "نبرة الاجتماع المعادية لإسرائيل" في ذلك الحين.

اقرأ أيضاً:  الطلاب الفلسطينيون في لبنان.. مستقبل مجهول!

ففي ذلك الوقت، هاجم الفلسطينيون والسوريون إسرائيل بشدة خلال المؤتمر الأول لمناهضة العنصرية في عام 2001، ووصفوها بأنها دولة عنصرية تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني، فيما قرر المؤتمر دعم قضية الفلسطينيين والعرب الداعمين لها.

تكررت مهاجمة إسرائيل في المؤتمر الثاني عام 2009م، حيث هاجم الرئيس الإيراني في حينه أحمدي نجاد إسرائيل بقوله: بعد الحرب العالمية الثانية لجأ (الحلفاء) إلى العدوان العسكري لحرمان أمة بأسرها من أراضيها بذريعة المعاناة اليهودية". وأضاف: "أرسلوا مهاجرين من أوروبا والولايات المتحدة ومن عالم المحرقة لإقامة حكومة عنصرية في فلسطين المحتلة.
الآن تخشى إسرائيل وحلفاؤها أن يتحول هذا المؤتمر إلى منصة معادية لها، ولفضح سياساتها العنصري تجاه أصحاب الأرض الفلسطينيين، الذين ترفض الاعتراف بحقهم في إقامة دولة خاصة بهم، وترفض في نفس الوقت الاعتراف بهم كمواطنين كاملي المواطنة، متساوين مع باقي الأعراق الأخرى أمام ذات القانون.

يعتبر الفلسطينيون مثل هذه المؤتمرات فرصاً لا يمكن تفويتها، يعرضون خلالها مظلوميتهم، وعرض أوجه الشبه بين إسرائيل ونظام الفصل العنصر، لذلك فإن إسرائيل تقاتل بكل طاقتها لإفشال المؤتمر، وسعت مع حليفتها أمريكيا إلى تعطيل التوقيع على ميزانية الأمم المتحدة، حيث بررت أمريكا ذلك- على حد وصفها- بسبب تخصيص جزء منها لتمويل مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية بمناسبة الذكرى الـ20 لانعقاده.

كما استطاعت إسرائيل تحريض 31 دولة حتى الآن على الاعتذار عن حضور المؤتمر الرابع.

من اللافت أن تتزامن حملة مناهضة المؤتمر التي تقودها إسرائيل والولايات المتحدة مع حملة أخرى تقودها بعض الفصائل الفلسطينية لإسقاط الرئيس عباس، وبالعادة فليس هناك ما يمنع من أن تناضل جهة، أو جهات ما لإسقاط جهة أخرى ديمقراطياً، أو بعض القيادات الذين يتولون مواقعاً عامة، وربما يمكن اعتبار هذا السلوك من صميم العمل الديمقراطي، إلا أن حالتنا الفلسطينية- كشعب تحت الاحتلال- لا تحتكم في الكثير من تفاصيلها إلى الشرعيات الديمقراطية، بقدر اعتمادها على الشرعيات النضالية، أو شرعيات الأمر الواقع إن صح التعبير، حيث لم تعد أي جهة رسمية الآن تحظى بأي شرعية انتخابية ديمقراطية، فلقد مضى الآن على آخر انتخابات رسمية خمسة عشرة عاماً، بينما كان الأصل ألا تتجاوز حدود الأربع سنوات.

هذا الوضع المَرَضي يجعل من بعض المطالبات ذات الحجج الديمقراطية، مجرد مناكفات انقسامية، لطالما أعاقت تقدمنا سياسياً، وهذا بالضبط ما يجعلنا نرى في تزامن المطالبة بإسقاط الرئيس عباس، مع حملة إسرائيل ضد المؤتمر عملاً غير مفهوم، فليس الرئيس عباس وحده منتهي الولاية ديمقراطياً، لكن الأهم ليس هو المطالبة برحيله، أو المطالبة برحيل كل غير المنتخبين، الأهم أن اختيار اللحظة لم يكن موفقاً، وكان بالإمكان إرجاء ذلك إلى وقت آخر، حيث من المؤكد أن حملة إسقاط الرئيس عباس لن تؤتي أكلها، إلا في أجواء ديمقراطية كاملة تشمل الجميع، بينما يمكنها أن تؤثر على تمثيله لفلسطين في المؤتمر، بل وفي إضعاف موقفنا كله أمام المؤتمرين، في لحظة نحتاج فيها لأن نعلي صوتنا معاً ضد عنصرية إسرائيل.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo