تقرير الاستيطان "الصامت".. نهبٌ يفوق المُعلن

الاستيطان في الضفة الغربية
الاستيطان في الضفة الغربية

لم يكن تعهد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت في الأيام الماضية بتعميق الاستيطان مفاجئاً، بل متوقعاً خاصة وأن بينيت قادم من نفس المدرسة الأيديولوجية التي أنتجت سلفه بنيامين نتنياهو.

لكنّ بينيت، سيكرّس أكثر نهجاً معيناً للإستيطان وهو ما يُعرف بـ"الإستيطان الهادئ"، بحيث لا يتم الحديث عنه من قلب الإعلام العبري ولا المستوى السياسي الإسرائيلي أو حتى مجلس المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة المدعو "ياشاع"، كما يؤكد الخبير بشؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش.

وأوضح حنتش في حديثه لموقع "زوايا" أن هذا النوع من الاستيطان غائب عن المواطن الفلسطيني، وحتى الجهات التي توثق النشاط الاستعماري الإسرائيلي.

نهجان للاستيطان

وبين حنتش أن حكومة نفتالي بينيت ستعتمد نهجين للاستيطان، الأول: مُعلن من خلال عطاءات ويُنشر بالإعلام، بينما الثاني: هو "الهادئ" من خلال منظمات يمينية أو أشخاص متنفّذين لهم ممثلين في حكومة تل أبيب؛ إذ يتولّون عملية البناء الاستيطاني غير المرخص بالمفهوم الإجرائي الإسرائيلي.

وأشار حنتش إلى أنّ النوع الثاني للإستيطان أي البعيد عن الإعلام "ليس جديداً"، بل هو امتداد لما جرى في سبعينيات القرن الماضي، حينما تم بناء مستعمرات وتوسيع أخرى، من خلال بناء منازل ملاصقة للمستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة بهدوء ودون إعلان، حتى تمّ تسمين المستوطنات تدريجيا وأصبحت أمراً واقعاً.

اقرأ أيضاً: المدير التنفيذي لائتلاف "أمان" عصام حج حسين: القرارات التي أصدرتها السلطة بقانون هدفها حماية الفاسدين

وأكد الباحث عبد الهادي حنتش أن وحدات استيطانية  تُبنى في قلب المستوطنات الآن، ولا يتم الإعلان عنها، منعاً لأي ردة فعل دولية، وحتى لا يتم إحراج الإدارة الأمريكية الحالية، مشيراً إلى أن تل أبيب ستعتمد هذين النهجين للاستيطان، بيدَ أنّ "الهادئ" سيكون حاضراً بقوة.

"الاستيطان الهادئ أخطر"!

ووفق حنتش، فإن الاستيطان "الصامت" أخطر من "المُعلن"، لأن الأخير يكون محدودا حسب ما يُنشر في الإعلام وبناء على المخططات المُقرّة، لكن الهادئ لا حدود له ولا مخططات مُقيّدة له بل هو مفتوح، ولذلك فإن الهادئ، هو عبارة عن انطلاق للمستوطنين والجمعيات الصهيونية للبناء في أي مكان يريدون وبإشراف شخصيات "مرموقة" ولها وزنها في قلب حكومة الاحتلال الإسرائيلي.

وأكد أن حكومة الاحتلال والمستوى السياسي في تل أبيب يغضون الطرف عن هذا النوع من الاستيطان "الخبيث"، وفيما بعد، تقوم دولة الاحتلال بشرعنة المباني الاستيطانية التي تُعتبر أكثر خطورة من تلك المُعلنة.

لذا، فإن حجم الاستيطان الفعلي في الأرض الفلسطينية المحتلة أكبر بكثير مما يُعلن، لأنَّ المُعلن هو محدود، ولكن التوسع الاستيطاني عبر النوع "الهادئ" أكبر بكثير، كما يقول الخبير في شؤون الاستيطان، وشدد على أنّ ما يتحدث عنه الإعلام الإسرائيلي بخصوص الأراضي المُصادرة والوحدات الإستيطانية ليس هو "الدقيق"، وإنما قد يكون الرقم الحقيقي ضعف ما تعلنه سلطات الاحتلال.

تبقى للفلسطينيين أقلّ من ثلاثين بالمئة

وأوضح حنتش لموقع "زوايا"، أنه بالنظر إلى المشاريع الاستيطانية في الأراضي المحتلة سواء تمثّلت بمستعمرات كبيرة أو بؤر استيطانية، أو شوارع التفافية ومخططات أنفاق مستقبلية، أو ما تسمى إسرائيلياً بـ"المحميات الطبيعية" ومروراً بمعسكرات جيش الاحتلال وما يلتهمه جدار الفصل العنصري، فإنّ هذا يعني أن ما تبقى للفلسطينيين أقل من نسبة ثلاثين بالمئة من مساحة الضفة الغربية.

وحول النسبة المتبقية من أراضي الضفة المخصصة للفلسطينيين، فنوه حنتش إلى أنه يتم اختراقها بالمشاريع الاستعمارية الإسرائيلية، حيث أن الاستيطان لا يقتصر فقط على المنطقة المُصنّفة "ج"، وفق اتفاق أوسلو، بل يطال أيضاً المنطقتين المصنفتين "أ" و "ب"؛ وذلك عبر مصادرة الاحتلال لمساحات شاسعة فيهما كما جرى قبل ثلاث سنوات حينما صادر دفعة واحدة نحو 16 ألف دونماً منها.

ويُدل ذلك على أن الاحتلال لا يلتزم بتقسيمات أوسلو ولا يعترف بها، والمجال مفتوح له للسيطرة على كل الأرض الفلسطينية وليس الأراضي المصنفة "ج" فقط.

ويعود حنتش مرة أخرى لسبعينيات القرن الماضي، حيث شدد على أنّ الاستطان "الهادئ" في تلك الحقبة، قد ضمن إقامة مستعمرات وتوسيع أخرى بهدوء تام وبعيداً عن إحداث الضجة الإعلامية، حتى أصبحت واقعاً فيما بعد، عبر شرعنة بعضها، وربط أخرى ببؤر اسيتطانية لتسمينها وتكبيرها.

"أراضي الكوريدور..كإحتياط استيطاني"

وبيّن حنتش أن الاحتلال يعمل وفق منهجية محددة عندما تكون مستعمرات قريبة من بعضها البعض، إذ يُطلِقُ على المنطقة الفاصلة بين مستعمرة وأخرى تسمية "الكوريدور"، وهي منطقة للاحتياط الإستيطاني، حيث يقوم مستقبلاً بشق طرق للربط بين أي مستعمرتين قريبتين، أو ربما يعمل على إقامة تواصل إقليمي بينهما عبر بناء وحدات استيطانية جديدة.

بدوره، قال مسؤول حكومي في رام الله، إن القيادة الفلسطينية تشعر بأن الإدارة الأمريكية الحالية غير معنية بممارسة ضغط حقيقي على "إسرائيل" لوقف الإستطان، بحجة الخوف على انهيار حكومة بينيت وعودة نتنياهو إلى الحكم في حال تم الضغط الكبير عليها.

وشدد المسؤول الحكومي في حديثه لموقع "زوايا" على أن واشنطن هي الوحيدة القادرة على لجم الاستيطان الإسرائيلي في حال أرادت ذلك، ولا أحد غيرها يمكنه الوقوف أمام "إسرائيل".

ولا يرى المسؤولون في السلطة الفلسطينية فارقًا حقيقياً بين رئيس حكومة الاحتلال الحالي نفتالي بينيت وسلفه بنيامين نتنياهو، حيث إنّ بينيت هو من نفس المدرسة الأيديولوجية والسياسية لنتنياهو، وإن كانت حكومة بينيت بمثابة ائتلاف حكومي يشتمل على أحزاب متناقضة، فاليمين المتطرف هو الذي يرسم السياسات الاستيطانية، والإدارة الأمريكية الديمقراطية تدرك ذلك.

وكان الصندوق القومي اليهودي أعلن مطلع الشهر الجاري عن المضي قدما في إجراءات المصادقة على مشروع يهدف إلى السيطرة على عقارات وأراض تقدر بآلاف الدونمات في القدس والنقب والضفة الغربية المحتلة، في مخطط يهدد بتهجير الآلاف من الفلسطينيين.

ويشمل المشروع تخصيص 100 مليون شيكل على مدى السنوات الخمس المقبلة، لإجراء أعمال "بيروقراطية وقانونية" لضمان نجاح إتمام عملية تسجيل أملاك في مناطق الـ48 والقدس والضفة الغربية لصالح الصندوق القومي اليهودي ("كيرن كييمت ليسرائيل" _ "كاكال").

أوروبا تدرك فشل خيار "الدولتين"

وقد أقر مصدر أوروبي في حديثه لـ "زوايا" بأن حل الدولتين جيو-سياسياً قد سقط بفعل الاستيطان والمتغيرات على الأرض التي تحول دون إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، موضحاً أن هناك إدراكاً أوروبيا لهذه المسألة.

لكنه قال في الوقت ذاته، إنه لا يمكن لأوروبا أن تبادر من تلقاء نفسها، كي تعلن عن فشل خيار "الدولتين"، وأن الإعلان عن ذلك يجب أن يكون من قبل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأن يتفق الطرفان على حلّ جديد ثم يبلغا العالَم بماهيته.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo