تقرير الخطاب الإعلامي الفلسطيني.. والأقطاب الإقليمية

الخطاب الإعلامي
الخطاب الإعلامي

لا تنعزل تبعية القرار السياسي عن طبيعة الخطاب الإعلامي عموما، ففي الحالة الفلسطينية انجرف الخطاب الإعلامي لمجموعة من الأقطاب الإقليمية، انطلاقا من طغيان الطابع الحزبي على المشهد السياسي، الذي أودى باستقلالية القرار الفلسطيني.

والحال هذه بات ما يُطرح إعلامياً مجاراة لمصالح الحزب الفئوية بعيداً عن موضوعية الإعلام ودوره المفترض كسلطة ناقدة للسلطة التنفيذية.

وانعكس ذلك سلباً على وحدوية الخطاب الفلسطيني وعلى وصوله للمجتمع الدولي، ما أضعف التعاطف والدعم الدولي والشعبي للقضية الفلسطينية، على اعتبار أن الإعلام هو مرآة الواقع السياسي ومعول البناء في ترسيخ الحقوق الوطنية أو هدمها.

الإعلام الفصائلي مرهون بالبرنامج السياسي

موقع "زوايا" بحث في ملف الخطاب الإعلامي الفلسطيني، وسبب انحداره خلال السنوات القليلة الماضية، وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية، حيث تحدثت عضو اللجنة التنفيذية السابق لمنظمة التحرير، د. حنان عشراوي، بأن أي علاقات مميزة أو تواصل معين أو نوع من المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني، تؤثر بشكل كبير على الخطاب الإعلامي، ناهيك عن المصالح السياسية.

وأضافت: "نتحدث عن قوى إقليمية مؤثرة، مثل قطر، تركيا، مصر، الأردن، وإيران، لذلك نادراً ما نرى إعلاماً مستقلاً على مسافة واحدة من جميع الأطياف والفصائل والبرامج السياسية".

وشددت عشراوي على أن الإعلام الفصائلي مرهون بالبرنامج السياسي وارتباطات الفصيل نفسه، فالمواقف السياسية تنعكس على الخطاب الرسمي، والفصائل تستخدم الخطاب الإعلامي للدفاع عن مواقفهم والحصول على القبول، فالإعلام مرتبط بمصالح فئوية.

وأكدت عضو اللجنة التنفيذية السابق لمنظمة التحرير، بأن الانقسام الفلسطيني خلق نوعاً من التجاذبات السياسية، مشيرة إلى أنه لا توجد أي وسائل تواصل حقيقية فلسطينية تصل إلى الرأي العام العالمي، باستثناء بعض الصفحات الشخصية.

وأعربت عشراوي عن أسفها من اعتمادنا كفلسطينيين على وسائل الإعلام الغربية في نقل الموقف الفلسطيني، وتحديداً عندما تقوم هذه الوسائل إن كانت إلكترونية أو مرئية، بإجراء مقابلات مع شخصيات فلسطينية، وهذا نادراً ما يحدث.

الإعلام الفلسطيني وقع في فخ الانقسام

بدوره يعتقد الصحفي المصري المتخصص في الشأن الفلسطيني، أحمد جمعة، بأن "الانقسام الفلسطيني هو خنجر مسموم في جسد القضية الفلسطينية غرسه الاحتلال".

وأضاف لموقع "زوايا": بأن الإعلام الفلسطيني وقع في فخ الانقسام، وبات إعلاماً حزبياً وفصائلياً، حتى وسائل التواصل الاجتماعي تم تجنيدها بواسطة الفصائل، لخدمة أجندتها ومشروعها بعيداً عن القضية الرئيسية والمركزية، وهي القضية الأم قضية فلسطين.

اقرأ أيضاً: التعصب التنظيمي بفلسطين.. كيف كبح دور المثقف الناقد الموضوعي؟

وتابع جمعة: "كان الخطاب الإعلامي العربي والفلسطيني يركز في العقود التي تلت نكسة يونيو 67 على تحرير فلسطين والقدس وإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين ومعالجة قضايا محورية تشغل بال الفلسطيني، لكن بسبب الانقسام تحول الخطاب الإعلامي الفلسطيني ومن خلفه العربي إلى القضايا الثانوية التي عمل الاحتلال على خلقها وتغذيتها وهي المساعدات الإنسانية وفك الحصار والانقسام بين فتح وحماس وصراع المحاور الإقليمية على قضية فلسطين".

وتابع "هذا الواقع أدّى إلى تشتت الخطاب الإعلامي، وباتت غالبية وسائل الإعلام الفلسطينية موجهة لخدمة مشروع الفصيل الممول له، وقد تسبب ذلك في إضعاف القضية الفلسطينية".

وشدد على أن الإعلام الممول من الخارج يخدم أجندة الدولة التي تموله ولا تلتفت هذه الوسائل أو الصحف إلى القضية المركزية، بل تركز في خطها التحريري على ما يتوافق مع سياسة الدولة الممولة وهذا أضعف القضية الفلسطينية كثيراً.

وقال جمعة: إن هذا يتطلب وقفة جادة من الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين ومحاولة بناء مؤسسات إعلامية وصحفية برأس مال وطني، مستدركاً "لكن هذا الخيار أيضا صعب لأن الصفوف الفلسطينية منقسمة ولا توجد مؤسسة محايدة يمكن أن تمول إعلاماً وطنياً خالصا خلال هذه الفترة".

ويرى جمعة بأن القضية الفلسطينية شاخت وكبرت خلال العقد الأخير بسبب الخطاب الإعلامي الذي شابه الاستقطاب، بسبب تحول جزء كبير من الصحفيين إلى ساسة، وهو خلط خطير يهدد الإعلام والصحافة بشكل كامل، مضيف "من يمتهن الإعلام والصحافة يجب أن يكون بعيدا عن السياسة، ولا تتداخل أهواءه السياسية والحزبية والفصائلية فيما يكتبه".

الإعلام انعكاس للواقع الفلسطيني

من جهته، يرى المحلل والكاتب السياسي طلال عوكل في حديث لموقع "زوايا" عن تدهور الخطاب الإعلامي الفلسطيني، قائلاً: "الإعلام له علاقة بالسياسة وبالمرحلة والتطورات العربية، وتطور الوضع الفلسطيني، والوضع القائم على الانقسام أضعف الخطاب الإعلامي بشكل كبير".

وأضاف: "سياسة الفصائل الفلسطينية هي عدم التدخل في الشؤون العربية، وفي المقابل الدول العربية، تتدخل في شؤوننا من أبواب واسعة، ونحن لم نعد نشكل أي مصدر خوف أو ردع قيمي للوضع العربي".

وتابع عوكل: "الوضع العربي ينهار ونحن نكتفي بإصدار الاستنكار والنقد والتنديد، لذلك الخطاب الإعلامي يواكب هذه الحالة"، مشيراً إلى أننا "كنا نخاف على المستوى الشخصي بأن نتحدث عن الأردن أو مصر، بسبب المصالح المرتبطة بزيارتها".

وأردف المحلل والكاتب السياسي: "وبالتالي الإعلام عملياً هو انعكاس للواقع الفلسطيني، وهذا الواقع رديء ضعيف منقسم يؤشر إلى علاقات فلسطينية عربية غير سوية في ظل وضع عربي صعب ومتخلف ورديء إلى حد بعيد".

وفيما يتعلق بتأثر القضية الفلسطينية بالخطاب الإعلامي خلال السنوات الأخيرة، قال عوكل: "القضية الفلسطينية، هي قضية الفلسطينيين، إن كنا مختلفين، منقسمين، أو موحدين، في النهاية قضية كل الفلسطينيين، وحتى لو كان كل على طريقته".

وتابع: "القضية الفلسطينية، وتراجع الاهتمام بها عربياً أحد أسبابه الوضع الفلسطيني، وبالتالي، المسؤولون السياسيون والفصائل هي المسؤولة عن تراجع الخطاب العربي عن القضية، وليس الإعلاميون هم المسؤولون عن تراجع الاهتمام العربي".

في المقابل، ينوه عوكل إلى أن الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، لعبت دورا مهما في معركة "سيف القدس"، وفي فضح العنصرية الإسرائيلية في القدس والضفة، مشيراً إلى أن الإعلام الجديد والشباب يتحملون مسؤولياتهم ويحاولون القفز عن الواقع المرير الذي تعيشه الحالة الفلسطينية.

وشدد عوكل على أن الانقسام يعتبر السبب الرئيسي في تدهور وتراجع الخطاب والدور الإعلامي الفلسطيني، مؤكدا "الإعلام الفلسطيني يكون قوياً، عندما نكون موحدين في مواجهة الاحتلال، وعندما تهدأ المواجهة يعود الانقسام ليقرر مضمون الخطاب الإعلامي".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo