سيف الأسرى

أسري في سجون الاحتلال
أسري في سجون الاحتلال

لم تخبو قضية الأسرى يوماً، ولم تغب عن الحضور شعبياً ولا حتى رسمياً، بل كانت دوماً واحدة من نقاط الاجماع والتقاطع بين مختلف مكونات العمل الوطني الفلسطيني، وذلك لاسباب عديدة معروفة، أهمها اتساع حجم هذه الشريحة الطليعية المناضلة من أسرى وأسرى محررين وذويهم وامتداداتهم، اذ لا يكاد يخلو بيت فلسطيني واحد من علاقة بشكل او بآخر مع أسير أو أكثر,

بيد أن حجم وطبيعة هذا الحضور متأرجح تبعاً لحالة الأسرى في معتقلات الاحتلال، أو وجود احداث بارزة مثل الاضرابات عن الطعام أو الخطوات الاحتجاجية التي تعلي من سقف الفعل الرسمي والشعبي المساند للأسرى، والذي وصل في محطات عديدة سابقة مستوى الهبة الشاملة، وكان في العام 1987 أحد مسببات الانتفاضة الأولى، حيث كان لاشكال التضامن والاسناد الشعبي الواسع لاضراب الأسرى في نيسان 87 اسهام في رفع حالة ودرجة الغليان في الشارع الفلسطيني.

اليوم، ونحن على بعد اشهر قليلة من معركة سيف القدس وما ابرزته المقاومة خلالها من قدرات عسكرية تكتيكية واستراتيجية ذات مغاز عديدة ، اضافة الى ما سبقها ورافقها وتلاها من فعل شعبي تمدد على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة، وتردد صداه حتى في الشتات، فان ارهاصات لحالة مماثلة لما حصل في أيار الماضي باتت ملموسة وقد تتعمق في قادم الأيام تبعاً لمجريات الأمور.

اقرأ أيضاً: التعصب التنظيمي بفلسطين.. كيف كبح دور المثقف الناقد الموضوعي؟

وأن كانت القدس باقصاها وأبوابها وحواريها واهلها، مفجرة احداث ايار الماضي التي امتدت لبضعة أسابيع قبل ان تقطعها اتفاقات التهدئة التي استندت لوعود لم ينفذ أي منها كالعادة، ثم جاءت قضية استشهاد نزار بنات لتحول اتجاه الغضب صوبها، فان قضية الأسرى مرشحة لتكون محركاً لحالة مماثلة قد تكون أوسع واعنف وأكثر ديمومة من أحداث أيار، وستحمل على الأغلب أسم ( سيف الأسرى ).

قضية الأسرى المتجددة دوماً، بدأت بحالة واسعة من الاضرابات الفردية عن الطعام، اغلبها على خلفية الاعتقال الاداري، وما رافقها من اتساع نسبي في حالة الالتفاف والاسناد الشعبي. لكن علو كعب الأسرى ازداد كثيراً مع الاعلان عن مفخرة تحرر الأسرى الستة من سجن جلبوع فجر السادس من أيلول الجاري، والتي شعر كل فلسطيني على امتداد الأرض بالفخر ونشوة الانتصادر وتمريغ انف الاحتلال وآلته الأمنية والعسكرية بالوحل، وأظهران هزيمة الاحتلال ونيل الحرية ممكنة حتى ولو بمعلقة، طالما توفرت ارادة النضال والتحدي.

السادس من أيلول كان شارة البدء في كسر القيود، وفي معركة الحرية المنتزعة، وأظهر تصميم وأصرار الأسرى على انتزاع حريتهم بايديهم في ظل غياب البدائل، كما أظهر هشاشة المنظومة الأمنية والاجراءات المتبعة لدى ادارة السجون وامكانية خلخلتها وكسرها حتى في اصعب حلقاتها وقلاعها، ومنها سجن جلبوع الأكثر تحصيناً، وهذا ما يفسر بالطبع رد الفعل الاحتلالي بتجنيد كل اذرعه الأمنية والعسكرية في عملية ملاحقة الاسرى المتحررين، وصولاً الى اعادة اعتقال أربعة منهم، ومواصلة البحث عن الآخرين، وما يعنيه ذلك من تبعات مالية ضخمة عليه.

وكما المتوقع، فان رد الفعل الانتقامي على شجاعة الأسرى تجلى في سلسلة الاجراءات ( العقابية ) التي فرضت على الحركة الأسيرة في مختلف السجون، ولاحقاً البطش والتكيل بالأسرى الأربعة المعاد اعتقالهم، كان شرساً بما يكفي للتذكير مجدداً بفاشية الاحتلال، وبالطبع فان اجراءات الاحتلال الانتقامية طالت العديد من القرى المحيطة بمدينة جنين، مسقط راس الأسرى الستة، في سياق الادعاء بالبحث عن المتحررين.

وبموازاة كل ذلك، فإن التعاطي الشعبي مع عملية التحرر، وان اقتصر في الأيام الأولى للعملية على جياش العواطف والمشاعر وارتفاع منسوب التفاؤل والثقة بالنفس، وبالقدرات العظيمة للشعب الفلسطيني ونماذجه النضالية الريادية في مختلف المجالات، فانه باتت يتحول نحو فعل اسنادي على الأرض، متعدد الأوجه، منها اطلاق النار المتواصل على قوات الاحتلال في جنين وحاجز الجلمة القريب منها خاصة، ومنها عودة لعليات الطعن وان بشكل محدود، ومنها التحركات الجماهيرية الواسعة على شكل مسيرات واعتصامات وزيارات لأهالي الأسرى الستة وبيوتهم. وهي حالة تذكرنا بالارهاصات التي سبقت عملية سيف القدس ورافقتها، مما يفتح الباب أمام استقراء فيما اذا كانت هذه الحالة ارهاصات ومقدمات لمعركة جديدة، معركة سيف الأسرى، وكيف ستكون والى أي مدى ستتسع؟

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo