معركة البقاء

فلسطينية ترفع علم فلسطين على الشرييط الحدودي
فلسطينية ترفع علم فلسطين على الشرييط الحدودي

يزعم المشروع الصهيوني أن فلسطين أرض بلا شعب، ويجب أن تُعطى لشعب بلا أرض..!

تبدو هذه المقولة الصهيونية مجرد مزحة سمجة، حيث يدرك قائلوها أن فلسطين لم تكن يوماً أرضاً بلا شعب، بل إنها جزء من أقدم المناطق في العالم التي استقر فيها إنسان ما بعد اكتشاف الزراعة، وحينما قدم إليها إبراهيم عليه السلام- كما تزعم الرواية التوراتية- لم تكن مأهولة فقط، إنما كان اسمها فلسطين، وصارت تسمى أرض الفلسطينيين، تقول التوراة: " وتغرب ابراهيم في أرض الفلسطينيين أياما كثيرة". تكوين 21/ 34.

لم تكن فلسطين يوماً ما أرضاً بلا شعب، فمن أين إذاً جاء هذا الزعم الصهيوني؟ أو بالأصح: ما الذي تقصده الصهيونية بهذا الزعم المخالف للتاريخ؟

إن المسألة باختصار تعني: أن الأرض التي يُراد منحها للشعب المُخترع، الذي سيُطلق عليه شعب إسرائيل فيما بعد، يجب أن تكون خالية من سكانها، وإن لم تكن خالية، فيجب إخلاؤها بكل الوسائل، وهذا بالضبط ما سعت إليه، وعملت على تطبيقه الحركة الصهيونية، خلال، وبعد حرب نكبة عام 1948م، ولا يزال هاجس تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين الأصليين يقض مضاجع الحركة الصهيونية، سواء الأراض المحتلة عام 1948م، أو تلك التي تطمع في ضمها مما تبقى من أراض الضفة الغربية، والقدس.

بكلمة أخرى: إن أهم مرتكزات المشروع الصهيوني يتمثل في إخلائنا من فلسطين، وعليه فإن أهم ما يجب أن يكون مرتكزاً لأي مشروع فلسطيني تحرري يجب أن يتمثل في البقاء، وتعزيز البقاء.

لدى العقل الوطني الفلسطيني بكل أطيافه مشكلة في تقبل فكرة البحث عن الأدوات الممكنة، حيث لا تزال الدوافع العاطفية تتحكم في أدوات تفكيرنا الوطني، دون مساواة طبعاً بين كل الأطراف، إلا أن التفكير العاطفي، الانفعالي لا يزال يحقق تأثيراً ملموساً حتى لدى أكثر الأطراف واقعية، ما يحول بينه وبين رؤية الحقيقة كما هي، ويواصل استدعاء شواهداً لا تشبه واقعنا بالضرورة، وليس هناك ضمانٌ على أن تتكرر نتائج تلك الشواهد، أو النماذج التحررية على واقعنا الفلسطيني المعقد، حيث لا يزال العقل الوطني الفلسطيني يشعر بالحرج تجاه بعض الوسائل النضالية التي تعترف بصعوبة الواقع الفلسطيني، وتقر بحقيقة أن اللحظة المعاصرة هي لحظة تفوق مهول في القدرات العسكرية في صالح إسرائيل، وأننا لن نستطيع تحقيق منجز حقيقي الآن على مستوى التحرير من خلال الاقتصار على المواجهة العسكرية، ولأن هذا يجب ألا يدفعنا تجاه التسليم لإسرائيل إلى الأبد، فإننا ملزمون بمواصلة النضال، لكن ليس بالضرورة بذات الأدوات التي لم تثبت نجاعتها- لأسباب موضوعية كثيرة- في التحرير، وفي نفس الوقت تبدو تكاليفها كبيرة، قد تفوق قدرتنا على الاحتمال، ولا يكفي معها مجرد القول بأن ما ندفعه يأتي في السياق الطبيعي لواقع الاحتلال، وضرورة دفع ضريبة للتحرر، وخصوصاً أن ما ندفعه من ثمن لا يبدو أنه سيحقق هدف التحرر في المدى القريب على الأقل.

لذلك لا بد من البحث عن وسائل نستطيعها لفترات أطوال، وفي نفس الوقت ذات قدرة على ضرب جوهر المشروع الصهيوني، وخاصة ما يتعلق منه بفكرة تفريغ الأرض، تمهيداً لتهويدها.

ما أريد قوله باختصار:

البقاء في الأرض هو النقيض الحقيقي للمشروع الصهيوني، ومن ثم فإن العمل على تعزيز هذا البقاء يقف على رأس سلم أولوياتنا النضالية، وعلى كل القوى الوطنية، سواءً السلطة الوطنية، أو باقي فصائل العمل الوطني أن تخصص جهداً حقيقياً لهذا الهدف، وألا تتجاهل الحقائق الديمغرافية التي يمكن للتواجد الفلسطيني أن يفرض بواسطتها حقائق على الأرض، لن تستطيع إسرائيل في نهاية المطاف إلا التسليم لها، ولنا في نموذج أهلنا في أراض ال48 خير دليل على قدرة العامل الديمغرافي على خلق حقائق على الأرض.

إن أخطر ما يمكن أن يهدد قدرتنا على البقاء يتمثل في تجاهل حقيقة أن هذا الوجود يحتاج إلى مقدرات، كما يحتاج إلى نزع أي مبرر من يد إسرائيل يمكنها استخدامه لمحاصرة تمددنا الديمغرافي، وبقائنا في فلسطين.

لا علاقة للمسألة هنا بمجرد التفكير الانفعالي، حتى لو كان هذا الانفعال ينطلق من مشاعر وطنية حقيقة، فمن الواضح أن معركتنا مع إسرائيل تتجاوز حدود التفكير الانفعالي، إنما يتحكم فيها العقل المفكر، والتخطيط الاستراتيجي، الذي يفكر في النتائج والأهداف أولاً، قبل اللجوء إلى الوسائل والأدوات التي ترضى حالة الانفعال، إنما الوسائل التي تستطيع فعلاً تحقيق الغايات والأهداف.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo