هل يشكل التطعيم الاجباري انتهاكاً لحقوق الانسان؟

مسن يتلقي لقاح كورونا
مسن يتلقي لقاح كورونا

من الأسئلة التي تثار كثيراً في هذه الأيام: هل يشكل التطعيم الاجباري ضد وباء كوفيد 19 التي تسعى حكومات العالم لتطبيقة مساً بمبادئ حقوق الانسان؟. هل تملك الحكومات الحق في فرضه على الجمهور، وفرض عقوبات على من يرفضون تلقي هذه اللقاحات؟.

الاجابة ليست سهلة، ولا يمكن أن تكون بنعم أو لا، انما يمكن تناولها من زوايا مختلفة، كوننا نتحدث عن حقوق يبدو تطبيقها متعارضا مع بعضها البعض، فمن جهة يتوجب على الدولة اتخاذ التدابير اللازمة من أجل ضمان سلامة مواطنيها وحماية حقهم بالحياة، يقابل ذلك حق حماية الخصوصية للناس، فالجسد هو ملك لصاحبه وله وحده الحق في تقرير اي شيء يدخل اليه، وهذا يدخل في نطاق الخصوصية المحمية، فمثلاً لو قرر سجين الاضراب عن الطعام لا يحق للدولة الزامه بالقوة بالشراب والطعام حتى لو نجم عن  اضرابه وفاته، يضاف الى ذلك حق الإنسان باحترام معتقداته الدينية ان كانت تحرم ادخال مواد الى جسمه، واحترام ضميره وفلسفته الخاصة، وظروفه، وهذه كلها حقوق بشرية واجب على الدولة حمايتها حتى لو بدى بشأنها تنافض حين يتم الحديث عن الزامية التطعيم، لذا لا بد من معادلة تضمن اعمال جميع الحقوق وتحقيق التوازن بينها، وهذا يثير سؤالاً إن كان من حق الحكومات التقرير في جعل اللقاح اجباري، وكيف يمكن أن تراعى الحقوق الأخرى دون مسها.

للتقرير في وجوب اجبار الناس على تلقي اللقاحات لا بد من توفر عدد من المعايير التي يجب الإحتكام اليها قبل التقرير ان كان من حق الحكومات اجبار الناس على تلقي اللقاحات ام لا وتم تناول بعضها ضمنياً في عدد من القضايا المشابهة التي نظرتها هيئات قضائية مختلفة من ضمنها المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان، والمعايير المستخلصة هي:

  1. هل يعني التلقيح الإجباري إجبار الناس فقط على تلقي اللقاحات ام يعني أيضاً اجبار الحكومات على توفير اللقاحات للناس بتكلفة مجانية وفي الوقت المناسب.
  2. هل من الضروري ان يجبر الناس على تلقي اللقاح، ولا يوجد سبيلا آخر لتحقيق غاية السلامة الصحية العامة غير اجبار الناس على تلقي اللقاحات؟.
  3.   هل اللقاحات مضمونه النتائج ولا يترتب عليها أية اضرار جوهرية تشكل خطراً على السلامة الصحية، ويوجد نتائج علمية مثبته على ذلك؟ .
  4. هل قدمت الحكومات معلومات شفافة ونزيهة حول اللقاحات من حيث مكونتها وآثارها الآنية والمستقبلية حتى يثق المواطن بها؟.
  5. هل يمكننا تحقيق موازنة بين الحقوق في حال تقرير الزامية اللقاحات، وضمان ان يتم احترام جميع الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية لحقوق الانسان دون أن يكون هنالك تفضيل لحق على  الآخر؟

أظن أن فحص هذه المعايير أمر بغاية الأهمية قبل التقرير بشأن اجبارية اللقاحات، وعلى منظمات حقوق الانسان أن تفحص ذلك جيداً وأن تعلن نتائجها بشفافية، وفي حال تعذر تحقيق الموازنة بين حق الجمهور بالسلامة العامة والحق بالخصوصية او حماية المعتقد يحسم الجدل لصالح الحق الذي يحقق المصلحة العامة دون مس جوهري بإعمال الحقوق الأخرى .

فيما يتعلق بلقاحات كوفييد19 يبدوا الأمر معقداً، الجمهور لا يثق كثيراً بالتقديرات الحكومية، كون ان العديد من الحكومات استخدمت منظومتها القانونية في اجراءات مكافحة وباء كوفيد 19 لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وهناك خشية أن تخضع الحكومات قرارتها لتأثيرات المجموعات الضاغطة والمؤثرة التي تعمل لصالح شركات الادوية  العالمية، فعلى سبيل المثال تعد شركة فايزر بأنها واحدة من أكبر مصالح الضغط في سياسات الولايات المتحدة، فقد أنفقت في الأشهر التسعة الأولى من عام 2009  أكثر من 16.3 مليون دولار على الضغط على المشرعين في الكونجرس الأمريكي. ووفقًا لبرقيات وزارة الخارجية الأمريكية التي نشرتها ويكيليكس، فإن شركة فايزر "ضغطت ضد حصول نيوزيلندا على اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة لأنها اعترضت على قواعد شراء الأدوية التقييدية في نيوزيلندا، وحاولت في عام 1990 التخلص من وزيرة الصحة النيوزيلندية السابقة"، هيلين كلارك. اضافة الى أن سكوت جوتليب، الذي استقال من منصب مفوض إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في أبريل 2019، انضم إلى مجلس إدارة شركة فايزر بعد ثلاثة أشهر مما يعني تعاظم قوة الشركة في التأثير على السياسات الدولية المتعلقة بالجانب الصحي بما يحقق مصالحها.

في ظل هذا الواقع غير البعيدة عن قدرة شركات الأدوية العملاقة في التأثير على الرأي العام وصناعته بات الجمهور والحكومات مقتنعين وفق توجيهات منظمة الصحة العالمية أن الوسيلة الأكثر فاعلية لمواجهة وباء كوفييد 19 هو تحقيق مناعة القطيع، حيث لم تستثمر جهود حقيقية قيمة في البحث عن دواء للوباء بدل اللقاحات، ولم يتم التعاطي جدياً مع أية تقارير طبية تتعارض مع هذه التوجهات خشية من شيطنة اصحابها باعتبارهم جزء من نظرية المؤامرة، وبالتالي باتت اللقاحات على ارض الواقع هي الوسيلة الأكثر ضماناً لتحقيق مناعة القطيع. يضاف الى ذلك وسيلة اخرى اتبعت في بداية الوباء تتمثل بفرض التباعد الاجتماعي، والالتزام بلباس الكمامة واجراء فحوص دورية، وبالتالي أصبحت خيارات تحقيق السلامة العامة محدده ولا يمكن أن تتم دون اتخاذ هذه التدابير.

اقرأ أيضاً: صحيفة عبرية: عداء يهود الخارج لإسرائيل يزداد

يبدو أن اجراء مفاضلة من حجم الفائدة  والضرر التي ستعود على المجتمع  في حال تم فرض اللقاح على الناس مقابل حجم والضرر التي ستعود في حال رفض تلقي اللقاح ستحسم لصالح الاجبار على تلقي اللقاح في حال تحققت المعايير المبينه أعلاه، لكن الإجبار على تلقي اللقاحات يجب أن يرتبط بتدابير استثنائية للاشخاص الذين لا تسمح ظروفهم الصحية بتلقيه او اولئك الذين يعارض اجبارهم على تلقي اللقاحات مع معتقداتهم الدينية، أما االفئة التي ترفض تلقي اللقاح لأسباب ضميرية أو فلسفية، فكلما كانت الحكومات ومنظمة الصحة العالمية أكثر شفافية بالمعلومات المتعلقة باللقاحات بما في ذلك نشر التقارير الطبية حول آثاره السلبية والايجابية كلما زادت درجة تقبلهم الطوعي لتلقي اللقاحات.

الزامية اللقاحات لا تعني فقط اجبار فئات واسعة من الناس على تلقيها  بل تعني أيضاً أن الحكومات ملزمة بتوفير هذه اللقاحات لكل مواطنيها، وملزمة بتوفير مراكز سعلة الوصول لمنحها، وملزمة بعدم استثناء أي فئة من حق الحصول عليها لأسباب تميزية، وعليها بذات الوقت ان تراعي احتياجات وآراء من يرفضون تلقيها، وهذا يعني أن لا تستغل الدولة قوانين الطوارئ التي عملت بها لفرض عقوبات تعسفية على من يرفضون تلقي اللقاحات كمنعهم من ممارسة حقوق أساسية من حقوق الإنسان كالعمل او الدراسة او التقل أو احتجاز حريتهم، فرفض أي شخص تلقي اللقاح يجب أن يتم التعامل معه باعتبار ذلك حقاً من حقوق الأنسان يجب احترام، وتغيير رأيه يتم بالاقناع والشفافية لا من خلال القوة أو مصادرة حق من حقوقه، فلا يعقل أن نصادر حقاً من حقوق الإنسان من أجل اعمال حق آخر.

لكن ومن أجل حماية سلامة الآخرين وحقهم بالحياة دون أي ضرر من رافضي اللقاح  يمكن للحكومات أن تفرض تدابير مختلفة مع معارضي اللقاحات، مثل لبس الكمامة بصورة دائمة في اماكن العل وفي المناطق العامة، وأن تلزمهم بالتباعد الاجتماعي عن الآخرين واجراء فحوص دورية، وفي حال مخالفتهم لهذه التدابير يتم فرض غرامات مالية، وفي حال تكررت مخالفتهم لهذه التعليمات يفرض عليهم عقوبات اكثرة شدة ، وبذلك نجعل التلقيح  اجبارياً ونتيح اجراءات استثنائية لرافضي التلقيح.

في المقابل على الحكومات أن تقدم تسهيلات للحاصلين على اللقاحات ان كانت واثقة بنتائجها، فمن غير المنطق مثلاً ان تجبر الناس على تلقي اللقاحات وتفرض عليهم فحوصات للسفر، يجب ازالة كافة العوائق الموضوعة امام الحاصلين على اللقاح عند السفر، ويمكن تقديم مزايا لمتلقي اللقاح كإعفاءات ضريبية واجازات مدفوعة في حال الاصابة بالوباء، وبذلك يزيد اقبال الناس على تلقي اللقاحات وتقل معارضتها، والأهم من ذلك يجب أن لا يتم التعامل مع الوباء او الطعوم من قبل الحكومات كوسيلة للتكسب أو تبرير المس بحرية التعبير او تبرير اي انتهاكات لحقوق الإنسان.

خلاصة المقالة:

لا يشكل التطعيم الاجباري مساً بحقوق الإنسان اذا تم مراعاة شروطاً تضمن كرامتهم الانسانية وعدم المس بحقوقهم ابرزها التزام الحكومات بتوفيره للجميع دون تمييز، والزام العامة بتلقيه دون فرض عقوبات تمس حقوقهم الاساسية في العمل والتعليم والتقل، وأن تراعي الحكومات شروط الشفافية والضرورة والفاعلية في آثار اللقاح ومكوناته، وأن تراعى آراء الفئات الاجتماعية التي تعارضه لأسباب صحية او دينية او ضميرية من خلال فرض اجراءات اخرى بديلة تضمن السلامة العامة كإرتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي، ويجب أن يتم احترام ارائهم دون شيطنة أو ممارسة عقوبات تعسفية ضدهم.

إن الإبقاء على فئة قليلة من الناس دون تطعيم لا يشكل مساً بمبدأ مناعة القطيع. يجب أن لا يخضع الرأي العام لتأثير شبكة المصالح ، وان يتم تشجيع الأبحاث والتقارير الطبية التي المتعلقة بآثار هذه اللقاحات كونها لم تجرب من قبل حتى لو خلصت الى نتائج سلبية، وتعزيز هذا الموقف يقع على منظمة الصحة الدولية التي يتوجب عليها ان تتمتع دوماً بأعلى درجات الحيادية والمموضوعية وأن تحصن نفسها من اية تأثيرات غير مهنية على قراراتها.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo