لغة الهزيمة من المنظور العقدي والقومي

لغة الهزيمة
لغة الهزيمة

 "خافوا من العرب لو وقفوا طابور على باب الباص" هذا الحديث نُقل بسندٍ متصل عن جولدا مائير رئيسة وزراء "إسرائيل" على حسب زعم التيار القومي العربي، الذي ردد لسنوات طويلة هذه المقولة تعبيرًا منه على عدم احترام المواطن العربي للمواعيد ودوره في طوابير العُمر التي صنعتها له الأنظمة، وأنه لو فعل ذلك لخاف منهم العدو وارتعد.

 

هذا الكلام لم يعجب الأخوة في الجماعات الإسلامية من شرق عقلها إلى غرب فهمها، الذين يروا في المقولة نقصان وانتقاص من منهجهم العقدي العميق، فقلبوا الأمر أيضًا بسندٍ متصل عن جولدا مائير قولها: "سيهزمنا المسلمون فقط؛ إذا كان عدد المصلين في صلاة الفجر مثله في صلاة الجمعة".

 

اقرأ أيضاً: “بزنس التعليم” معضلة أولياء الأمور في المدارس الخاصة بالضفة

 

انظر إلى حجم التسطيح والاستهبال في طريقة صياغة المقولتين، وحجم الاستغباء المفترض من قبل المخاطِب للمُخاطب، وإياك أن تتهمني بأنني أكره الانتظام في الطوابير، أو أكره أن تمتلئ المساجد بالمُصلين، (بزعل منك) لو فكّرت هيك .. أراك تبتسم، إذن أنت تفهمني بشكل صحيح، فلنواصل الحديث إذن.

 

انبرى الفريق الأول (القومي) بترتب طوابير الباصات، وفَرز لكل طابور مناضل عنيد ليُسَرِّع في هزيمة (اسرائيل) وأخذ الفريق الثاني (الإسلامي) بحشد النّاس وحثهم على صلاة الفجر، وعمل حملات ومسابقات من أجل تشجيعهم ليهزم (اليهود) بالصلاة، ويحقق نبوءة جولدا مائير، المرأة التي ولدت في 3 مايو 1898 بمدينة كييف، وهاجرت مع عائلتها إلى أمريكا عام 1906، ثم هاجرت مع زوجها عام 1921 إلى فلسطين، وهي المرأة التي وصفها الصهيوني المؤسس "بن غوريون" بأنها "الرجل الوحيد في الحكومة الإسرائيلية" لما كانت تتصف به من عناد ووحشية طغت على مكونات شخصيتها الغريبة التي سخرتها لخدمة قيام الكيان الصهيوني المعروف الآن بدولة إسرائيل.

 

هذه مواصفات بسيطة عن المرأة التي أعطت العرب والمسلمين مفتاح انتصارهم على دولتها، هكذا بكل بساطة، ونحن كعرب ومسلمين كنا في انتظار هذا المفتاح كي نعرفه ونعمل على استعماله، ومنذ زمن جولدا مائير وقبله والمُصيبة واقعة والاختلاف حاضر، فالفريق الأول يريد هزيمة (اسرائيل) والفريق الثاني يريد هزيمة (اليهود) وإلى الآن يتناحر الفريقان دون أن ينتظموا في طابور، سوى طوابير البطالة والمرض والخوف التي وفرها الحاكم بكل اقتدار كي يعمل عكس شعاره الذي اتخذه من فم عدوه، وكأنه يعمل معه على إطالة عمره ودعم وجوده واستمراره.

 

وللأسف، لم ننتظم في طابور الباص، ولا امتلأت صلاة الفجر بالمُصلين، لأننا ببساطة قوم نستخف بالعقول، ونؤمن بالخرافة والقشور، ونصنع من عدونا نبيًا عالمًا، نسعى لتحقق كلامه، كي نهزمه بنظريته هو .. هل رأيتم أمّة أخف عقلًا منّا؟!

 

صراحة لا أعلم مناسبة حقيقة قيل فيها ذلك الكلام المنسوب إلى قائلته، وأظن وليس كل الظن إثم أنها خدعة اخترعها الفريقان، لأنهم ببساطة مفلسون وطنيًا، وبلا أي رؤية للتحرير، فقرروا أن يأخذوا بنظرية لوم المواطن على عدم التزامه بالنظام، وبالصلاة، وهذه أنسب طريقة لتخدير الناس، وإشعارهم بالذنب، ليتخفف القادة والأحزاب من عبء العمل على تحرير الوطن والإنسان، أما القادة فليس مطلوبًا منهم أي جهد، بل هم من يتحملون تسيبنا وافراطنا في أمرنا، وعرقلتنا لخططهم التي اعتمدت على مقولات العدو الذي كشف لنا عن كيفية هزيمته وتحقيق أحلامنا، ولكننا (كشعوب) لا نفهم!

 

طيلة الوقت وأن أكتب هذا المقال كان يطن في أذني قول الشهيد عبد الفتاح حمود عضو اللجنة المركزية لحركة فتح: "إن الأمل سيظل لا معنى له، بدون أن يسعى الإنسان بنفسه لتحقيق أماله. 

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo