“ناس تحب تعيش زي الأجانب و تموت زي الصحابة”

فقراء
فقراء

في مساء يوم الجمعة الموافق 6/8/2022 سُمع دوي انفجار ظنّ الناس أن الطائرات الاسرائيلية قد عاودت القصف، لكنه تبيّن بعد وقتٍ قصير أنّ الانفجار ناجم عن وضع عبوة ناسفة بجانب سور أحد المنتجعات السياحية الساحلية بغزة.

قبل التفجير بأيام صدرت بعض الأصوات التي تُهاجم هذا المنتجع الجديد بحجة الاختلاط واقامة حفلات غنائية، وعلى هذا الشكل من الاتهامات بإمكانك كقارئ (شاطر) تخمين باقي الاتهامات.

منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، حاول رأس النظام الحكومي فيها “أسلمة” المجتمع من خلال فرض رؤية معينة على أدوات العمل السياحي والثقافي والفني بشكل عملي، وراحت تطبق نظرياتها التي أعدّت عليها أجيال ترعرعت معها، سواء كانت تنتمي إليها، أو كانت تؤيدها من باب الإعجاب بجماليات النص الفقهي الفضفاض، وأغلب أصحاب الفئة الثانية هم من محبي حضور الحفلات الموسيقية ولو توفرت لهم ملذات الحياة سوف يستعملوها من باب التجربة، وغالبًا ما ينطبق عليهم وصف الفنان عماد حمدي في فيلم ثرثرة فوق النيل: “ناس تحب تعيش زي الأجانب و تموت زي الصحابة”.

كمجتمع شبه مغلق على نفسه، لابد له أن ينتج ثقافة منغلقة على نفسها، حتى أن فرصة تحرر العقول من ضيق التعصب لم تتوفر في غزة بسبب الحصار الذي بدا ظاهره عسكري، لكن باطنه اقتصادي ثقافي بالامتياز، مما ساعد الحاكم على فرض نظريته الحياتية على الناس رغم مقاومة البعض القليل وتغلبه عليها، لكن التغلب كان يحدث بعد تعب وجهد كبيرين، مما يدفعهم وغيرهم إلى التسليم بالأمر الواقع تفاديًا “لوجع الراس” وبالتالي مُجاراة ما فرضه الحكام مستعينًا بالجمهور الساذج الذي تم شحنه بالآراء الفقهية المصنوعة من قبل فقهاء حزب ما قبل الحكام.

وهذه ورطة للحاكم الذي يرغب بالخروج من فقه الجماعة إلى فقه الدولة، فهو يريد أن يقيم الحفلات التي تدر عليه دخلًا ضريبًا محترمًا، فضلا على أنها تحد من نسبة البطالة، وتظهره بمظهر الحاكم المنفتح على القانون والحريات، لكنه في نفس الوقت يخاف من مؤيديه الذي أوصلوه إلى الحكم، من أن ينفضوا من حوله لأنه يبيح “الحرام” الذي تربوا على حرمانيته، بل ويعطيه رخصة!

لهذا تجد الحاكم متذبذب في هذا الأمر، فتراه مرّات يمنح التصاريح، لكنه يعود ويمنع بحجة تهديد السلم الأهلي، أو على الأقل عدم ضمان سلامة المحتفلين، وبالتالي يرفع اللوم عن نفسه أمام من يرقب سلوكه داخليًا وخارجيًا!

ربما هناك من أعجبه لبس غزة لثوب الحرب، فجعل منها نموذجًا معينًا، ولا يريد لها أن تظهر بغير هذا الثوب أبدًا، معتقدًا أن صورة غزة وهي ترقص وتفرح، وتعزف الأغاني مُعاكسة تمامًا لفكرة الفقر والصبر والصمود، المبني بالأساس على فكرة الابتلاء الرباني من باب أن المؤمن مبتلى، ومعنى أن غزة ترقص وتقام فيها الحفلات الموسيقية ولو كانت متواضعة، صورة لا تتوافق ونظرية البطولة والصمود وشرف الأمة!

أخي المتطرف، ربما تأخذ على خاطرك من كلمة “متطرف” أنت هكذا فعلًا لأنك تريد فرض مفهومك الديني على غيرك بالقوة والترهيب، وهذا ليس حقك، أنا لن أناقشك أصلا في مفاهيمك عن الغناء والرسم والموسيقي، والمرأة، فهذه أشياء لم تعد مطروحة على طاولة النقاش، بالنسبة لي على الأقل – أنا أحترم تدينك كيفما كان، حتى أحترم تحريمك للرز بلبن إن شئت، لكن دعني أتناوله، أي أنت حر إلى آخر المدى في تحريم الأشياء على نفسك، لكن أن تفرض رؤيتك في التحريم على غيرك فهذا مرفوض ومنبوذ ويعمل عكس فكرتك تمامًا، وأنت لا تعرف أنك تهدم فكرتك، وتظن أنك تحسن صنعا، وتنصر دين الله، وتذود عن حياض الإسلام، وتُغيّر المنكر بيدك، لا بلسانك وقلبك، لأنك مؤمن قوي قادر على التغيير باليد ..

أرأيت أنا أعرف الحديث بالمفردات الكبيرة التي تحفظها أنت ولا تعيها، لكنك بسبب آفة التطرف، لا تعي معنى الآية الكريمة (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) الله عز وجل يُخاطب نبيه في هذه الآية، وطبعًا لأن المقال معدود بالكلمة، لن أخوض معك في التفسير، بل أدعوك لأن تستفتي قلبك! قلبك أنت وليس عقل شيخك، أو صديقك الذي يطلق لحيته ويجيد اللكنة الفصيحة .. أكرر عليك: قلبك أنت؛ لأن قلبك ما زال طيبًا وفي قرارته يبحث عن رضى ربه وحبه، لكنه يبحث ويسعى إليه في طريق الخطأ، فلو قتل هذا التفجير روحًا واحدة، واحدة فقط، فكيف سيكون وضع من حرّض وهاجم، وزرع العبوة وفجرها! وضعه طبعًا أنه مجرم، وليس مجتهدًا أخطأ، كما يزين له الشيطان، بل مُجرم وَجبَ عليه العقاب في الدنيا، ونترك أمر الآخرة لله يفصل فيه.

أخي المتطرف، غزة مدينة كباقي مُدن الدنيا، ستغني، وترقص، وتصلي، وتقاوم، ويلبس أهلها الضيق والواسع والشفاف والطويل، وأزيدك من الشعر بيتًا، وسيشرب بعضهم الخمر أيضًا، أو يشرب بعضهم الآن الخمر وأنت لا تدري، ها أنا أفتن لك، عجبك هذا أم لم يعجبك فهو حاصل، هذا قدر الله في خلقه، فلن تستطيع ومن غير المنطق أن يكون الناس على شكل ولونٍ واحد، فإن كان هدفك هداية الناس لما تظنه الصواب، فعليك أن تدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ودعوتك هنا يجب ألا تتعدى على حرية الآخرين المحفوظة بالقانون، وتذكّر أنك لا تهدي من أحببت، وأن الله عز وجل يهدي من يشاء .. فلذلك أرجوك لا تأخذ مكان الله، فالله لا شريك له.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo