تقرير من الجزائر للقدس .. طوفان الحرائق جرس انذار للبشرية

حرائق
حرائق

“العالم كلّه يحترق”.. هكذا علّق الخبير بمجال البيئة والمياه د.مروان حداد على الحرائق التي تغزو الكرة الارضية على نحو غير مسبوق ويدق ناقوس الخطر.

فهذه الحرائق التهمت غابات شاسعة في لبنان والجزائر وتركيا والمغرب وجنوب أفريقيا والهند والصين واستراليا وشمال أمريكا وجنوبها وايطاليا، وصولاً إلى القدس.

واعتبر مروان حداد في حديث خاص بموقع “زوايا” أن الحرائق شكلت دليلاً عملياً على حقيقة وصحة نظرية الاحتباس الحراري والتغير المناخي، بعدما كان ينكرها البعض.

وتابع: “ليس معقولاً ان كل هذه الموجات الضخمة للحرائق في كل العالم هي مفتعلة من البشر في وقت متزامن”.

وقال حداد إن طوفان الحرائق يدعو العالَم لوجوب ضبط الاحتباس الحراري قبل ان يفلت من اليد ويتم فقدان السيطرة، موضحاً أيضاً أن صور الأقمار الاصطناعية للقطبين الشمالي والجنوبي من الكرة الأرضية تظهر أن اكثر من 40 بالمئة من المساحات التي كانت جليداً قد أصبحت الآن كلها ارضاً. فذوبان كميات ضخمة من الجليد إلى مياه تنزل الى المحيطات والبحار أدى إلى تبخر اكبر للمياه والنتيجة هطول أمطار وحصول فيضانات وعواصف غير مضبوطة في العالم.

الحرائق تدمر الغطاء الخضري في الأرض.. وبالتالي الحياة!

وعودة إلى الحرائق، فقد أكد مروان حداد أنها تدمر الغطاء الخضري للأرض؛ ذلك انّ الاخير “يُعدُّ مهما لحياتنا وهي الأوكسجين الذي نستنشقه”؛ ناهيك أن الغبار الناجم عن الحرائق يتسبب بتدمير التربة والأراضي الزراعية بما فيها الأشجار والنباتات.

وانتقد الخبير حداد، إقدام بعض الدول على استخدام المواد الكيماوية للسيطرة على الحرائق، مشيراً إلى أن هذه المواد تدمر التربة والبيئة وتُحدث مشاكل كبيرة جدا في المستقبل.

لذا، حذر حداد من الحرائق كمؤشر مخيف يشكل جرس إنذار كبير للبشرية ليس فقط في فلسطين بل العالم أجمع. فهذه الكوارث فقط للقول للعالَم: “احذر واستيقظ واتخذ اجراءً لا يُدمر الدنيا كلها”.

 إذاً، الحرائق والفيضانات والأعاصير كلها ناتجة عن الاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي يتخذ منحى خطيراً مع الاكتظاظ السكاني الرهيب على الكرة الأرضية.

وهنا، يتساءل مروان حداد: مَن الذي يزود البشر بالغذاء ويمنحهم الاوكجسين كله؟..فكل ذلك مرتبط بالغابات والأراضي الزراعية. وأكد حداد ان هذه الغابات والأراضي الزراعية تضمن توازناً بيئياً وغذائيا وصحيا وامورا اخرى، “لكننا نحن الآن ندمر هذا التوازن ونُخلّ بقول الله تعالى (ألّا تطغوا في الميزان).. ونحن إذا طغينا بالميزان سيحدث دمار في الأرض”.

ما المطلوب؟

وبشأن الاجراءات اللازم اتخاذها لمواجهة الحرائق وتبعاتها ومروراً بمواجهة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، يقول الخبير البيئي مروان حداد إن هذه الإجراءات ليست فقط على مستوى دولة بل يجب ان تكون من الدول جميعها، مع ضرورة التضامن فيما بينها للسيطرة على الحرائق.

وشدد حداد على أن أولى الخطوات المطلوبة هي وقف النار المشتعلة بالغابات وضبطها، ثم بعد ذلك تأتي خطوات ما بعد إخماد النيران.. مشيراً إلى أن ما نسبته 43 بالمئة من الحرائق الاخيرة هي من صنع مباشر للانسان، وفق ما تؤكد ايضاً أحدث الدراسات بهذا الشأن.

ويتساءل حداد: لماذا لا يوجد عقاب لمُفتعلي الحرائق؟.. قائلاً من المعلوم أن الإنسان يقوم بهذه الحرائق في “الأمازون” لأنه يريد أراض واسعة لاستخدامها لصالح مناطق صناعية.

لكن هناك غابات طبيعية جميلة وزراعية يتم تدميرها الآن في كل مكان.

 وحثّ حداد، العالَم بأن يقوم بإيقاف هذه الممارسات من البشر، لأنها ستقتلنا في كل مكان، وهذا يتطلب إجراءات دولية وليس على مستوى دولة واحدة فحسب.

تغير المناخ: جرس إنذار للدرجة الحمراء

من جانبها، قالت الكاتب اللبنانية المختصة بقضايا البيئة والمناخ سوزان ابو سعيد ضو، إن التغير المناخي أصبح حقيقة واقعة كما يؤكد تقرير هيئة الأمم المتحدة للمناخ، حيث أطلقت الاخيرة جرس الإنذار للدرجة الحمراء بشأن تغير المناخ من منطلق أنه يمكن أن يتحول لنقطة لا رجعة عنها اذا لم تقم الدول بتعهداتها لمواجهة الاحتباس الحراري.

وأضافت سوزان ضو في حديث خاص لموقع “زوايا” أن الحرائق الملتهمة لغابات الكرة الأرضية الآن هي جزء من تبعات تغير المناخ. ويُترجَم الاخير بحوادث طبيعية متطرفة مثل الفيضانات والأعاصير والحرائق والجفاف وغيرها.

ومع انّ المختصة اللبنانية لم تلغِ فرضية أن اشخاصاً يقفون وراء العديد من الحرائق التي وقعت في أماكن مختلفة وخاصة لبنان، إلا أنها تشدد على أن للمناخ المتغير دور كبير فيما يحدث، وهو ما يزيد الخشية من المستقبل.

الحال أنّ سوزان ضو لفتت أيضاً الى دور الطبيعة بحد ذاتها باعتبارها عاملاً مساهماً في التغير المناخي لا سيما النباتات والمستنقعات والبراكين التي تُخرج غاز الميثان وثاني اوكسيد الكربون. إضافة إلى السلوك البشري المتراكم المتمثل بحرق الفحم والوقود والنفايات وعوادم السيارات.

هنا، تُقرّب الباحثة اللبنانية المجهر من تداعيات احتراق الغابات التي تمثل “رئة العالم”.

وهذا يعني أن تلاشي هذه الحرائق نتيجة السلوك البشري المباشر او غير المباشر خاصة مع وجود أكثر من “سبعة مليار إنسان على الكرة الأرضية”، سيؤدي الى تقليل حجم الغابات التي تمتص الكربون من الجو.

وقالت ضو إنّ الولايات المتحدة والصين ودول أخرى لا تساهم بتعهداتها لمنع الاحتباس الحراري، موضحة أن الدول الكبرى لا تلتزم بدورها المنشود حيال المناخ، وبالمقابل تدفع الدول الفقيرة الثمن إما بالحرائق او غرقها بالمياه مع ارتفاع حرارة الارض وذوبان الجليد بشكل كبير.

ماذا ينتظر البشرية؟

تعتقد سوزان ابو سعيد أن هناك سيناريوهات مختلفة لمستقبل البشرية على ضوء الحرائق والفيضانات الحاصلة، بعضها يُعدُّ الاكثر تفاؤلاً، وآخر سيء جداً.

وبينت أن الأكثر تفاؤلاً يمكن أن يحدث إذا ما أقدمت الدول الكبرى والبشرية جمعاء على الايفاء بتعهداتها اتجاه المناخ لإيقاف ارتفاع درجات الحرارة عند حد معين. لكن تقرير منظمة الامم المتحدة للمناخ نوه أن تحقق هذا السيناريو المتفائل صعب، بسبب اتجاه البشرية للإنتاج الصناعي الكبير وخاصة ما وصفتها “الصناعات الرديئة والرخيصة” التي تتسبب بنفايات كبيرة مضرة بالبيئة والمناخ.

وضربت سوزان ضو مثالاً في هذا السياق وهو صناعة الألبسة التي تم مهاجمتها من قبل جهات مهتمة بالمناخ والبيئة في الآونة الأخيرة؛ ذلك أن هذه الصناعة تساهم ب “أربعة بالمئة” من النفايات على الكرة الأرضية. وهذا يعني، وفق سوزان ضو، ان الصناعات اصبحت أقل جودة وتضع حملاً زائداً حدّ الخطر على البيئة.

وتتنبأ الكاتبة اللبنانية بسيناريو ازدياد وتيرة الحرائق والفيضانات وغرق العديد من المناطق السكنية في الدول الجزرية مستقبلاً. وسيكون هناك موجات كبيرة من اللاجئين كنتيجة لتغير المناخ بشكل لافت.

وتحدثت أيضاً عن تحذيرات خبراء البيئة من أن مناطق بالشرق الاوسط اصبحت غير صالحة للسكن بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، حتى أنها تجاوزت في بعض دول المنطقة حاجز الخمسين مئوية.

ونوهت أن أوروبا هي الأخرى تشهد ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة، حيث وصلت في بعض مناطق إيطاليا إلى 48.8 الجمعة الماضية.

وتطرقت إلى سيبيريا المعروفة بأنها من المناطق الأكثرة برودة، هي الأخرى تشهد هذه الأيام أجواء ربيعية غير معهودة، بل ووقعت بها حرائق!

وحذرت سوزان ضو من ارتفاع الحرارة يجري بشكل كارثي ومخيف، لا سيما ان الارتفاعات طالت ايضاً كندا والولايات المتحدة.

حروب المياه.. كنتيجة لتغير المناخ

ترى المختصة اللبنانية بالبيئة والمناخ أن دوافع الحروب المتزايدة في العالم هي نتيجة للتغير المناخي، تماماً كما هو حال حرب المياه التي هي نتيجة أيضاً للاحتباس الحراري. ومثلاً يمكن أن يؤدي الخلاف على سد النهضة بين إثيوبيا ومصر والسودان إلى حرب محتملة.

وينسجم حديث المختصة مع تنبؤات خبراء استراتيجيين بأن الحروب القادمة ستكون على الماء والأكل. وكان الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى قد صرح لموقع “زوايا” في وقت سابق بأن المناخ والأوبئة ستكون قضايا العالم المركزية سواء الآن او في قادم الأيام.

 هل يضيق العيش على الأرض؟

تٌقر سوزان ضو أن العيش يضيق على الكرة الارضية لكنها تعود وتقول إن هناك فسحة من الأمل. فكل واحد منا مسؤول ويساهم في عملية خلاص البشرية من المآلات الخطيرة، وذلك عبر تحوله للحلول البيئية وتعزيز الزراعة والبساتين المنزلية، بموازاة التقليل من شراء الكماليات وثقافة الاستهلاك المضر.. مضيفة أن ما وصفته “رأس المال المتوحش” يدفعنا للاستهلاك “المتوحش”، ما يجعلنا “مُضرّين بالبيئة ونضغط عليها بنهج تخريبي”.

وحثت سوزان ضو ايضاً الجميع، على ضرورة العمل على تخفيف انبعاثات السيارات، والذهاب للطاقة البديلة والمتجددة والخيارات الآمنة للبيئة.

المصدر : زوايا - خاص

مواضيع ذات صلة

atyaf logo