هل حقا سقطت صفقة القرن؟

ترامب ونتنياهو
ترامب ونتنياهو

بغض النظر عن المسمى، فما هي حقيقة صفقة القرن. انها في الواقع محاولة لحل “اقتصادي” للقضية الفلسطينية، بمعنى انها تصفية للحقوق التاريخية والسياسية للشعب الفلسطيني، كون هذه الحقوق ليست ذات ثمن اقتصادي.

فصفقة القرن هي حقيقة عبارة عن “الحل الصهيوني احادي الجانب المعزز بالوقائع المفروضة على الارض لفرض هذا الحل على الفلسطينيين كحل الزاوية”، Corner solution.

فالصفقة ليست حلا امريكيا، كون الرؤية الامريكية حول قضايا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، في الواقع، لا تعدو كونها انعكاس للرؤية والرغبة والموقف الصهيوني ولكنها ذات طابع ديبلوماسي مُجّمل يراعي تسيير المصالح الامريكية ايضا. والادهى والامر ان هذه الرؤية الصهيونية متبناة من قبل الليبراليين الجدد كما حال رعاتهم الامريكيين ورعيانهم الانتهازيين من السماسرة الفلسطينيين.

فلطالما تغنت البراغماتية السياسية الانتهازية الفلسطينية بقدرتها على خلق جسر يربط الاسرائيليين بالعالم العربي، الا ان العمل الصهيوني الجاد والتراجع السياسي الفلسطيني الحاد عكس المعادلة وبات يلقى لبعض الفلسطينيين الفتات للعب دور السمسرة السياسية في العلاقات العربية الاسرائيلية القائمة بالفعل.

فالخطة الاقتصادية موجهة للعرب لا للفلسطينيين لان التغييرات التي فرضتها اسرائيل على الارض لم تدع للفلسطينيين ورقا للعب او المساومة.

ومما يؤكد ذلك ان ما تم تخصيصه للفلسطينيين كان على شكل قروض واستثمارات تحقق مصالح اقتصادية دولية، اما المنح والمساعدات كانت اقل من المتوسط السنوي مما كان يحصل عليه الفلسطينيين في السابق، الا ان هذه التفاصيل قد سقطت الان.

فالضفة الغربية شديدة الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي وتستوعب جزء كبير من عمالتها وتسيطر كلياً على أراضيها خصوصا اراض C والمياه، وأسواقها تشكل مكب نفايات كما حال قطاع غزة للبضائع الاسرائيلية وتلجمها الاحتكارات الصهيونية وأذيالها الفلسطينية.

إذا ستؤول الأراضي الفلسطينية كتلاً سكانية مقسمة ومجزأة مدنا للصفيح رخيصة العمالة دون مسؤوليات قانونية او اقتصادية، ومكباً للبضائع الإسرائيلية الفائضة والفاسدة منهية الصلاحية وممتصة للطاقة الانتاجية الفائضة اذا قصر الطلب عنها اسرائيليا، تحت حكم أشبه بالبلدي. كما ان استمرار مصادرة الاراض والسيطرة على غور الاردن وتهجير اهلنا من اراضيهم مع تقبل فكرة مبادلة الاراضي بالضفة مع اراض بالنقب على حدود مصر تستغلها للنفايات المحرمة دوليا والصناعات الكيميائية الخطرة لا يبقي اي مكونات للصمود، من ناحية، والبقاء من ناحية اخرى لكيان حقيقي يحقق امنه الغذائي او قاعدة صلبة لقطاعات انتاجية يمكن ان تعزز النمو المستدام والتنمية في المستقبل.

إن الاقتصاد الفلسطيني تابع للاقتصاد الإسرائيلي باشد من ترابطه مع بعضه البعض.

الانقسام الفلسطيني

إن اهم عقبات استمرار اي مسار سياسي ممكن هو الانقسام الفلسطيني، كما ان استمرار الانقسام يمنع اي رؤية فلسطينية متكاملة الادوار تعزز مسار السياسة والصدام سواء السلمي او العسكري والجهد الشعبي والحشد الاقليمي والدولي لصالح رؤيتنا الفلسطينية، بل ان جهود احزابنا باتت احلالية تأكل وتزاحم بعضها بعضا، فهي لا تمتلك النضج الكافي لتكامل خياراتها الاستراتيجية او ان تؤجل خلافاتها الى حين الانتهاء من التناقض الرئيس مع الاحتلال.

إن هذا يترتب عليه الفصل المستقبلي الكلي الفعلي بين الضفة وغزة ان لم يكن قد حدث، وهو عمود الخيمة لهذا الحل الاقتصادي المنشود صهيونيا.

كما ان استمرار الفساد والسخط الشعبي على السلطة وانعزال قادتها عن حاجة الجماهير والصراع على السلطة ووجود مراكز قوى حقيقية سيخلق سلطات متعددة لا تتعدى صلاحياتها اكثر من ادارة مدنية امنية برعاية اسرائيلية بل ولكل منطقة داخل الضفة على حدى more fragmentation، ان ذلك قد يخلق جيلا من القادة الامنيين كروابط قرى امنية، ليس لأنها تريد ذلك ربما بل ان الواقع يقودها لذلك جبرا، حتى وان وجد لها راسا واحد فسيكون شكليا.

ومن ناحية أخرى فإن استمرار التطويع العربي وسياسة الاحتواء لغزة والذي اتوقع زيادة حدته وربما فعاليته في المستقبل القريب، سيفصل هذا الزخم الشعبي الثوري الغزي عن البقية الفلسطينية ويشغله بفقره ولقمة عيشه والصدمات الاقتصادية عبر العدوان المتكرر التي تعزز الفصل وتمرر الضم، كما وسترسخ اية اجراءات احادية مع اسرائيل او المحيط العربي مالية او تجارية هذا الفصل الذي يحقق ما تصبو اليه اسرائيل.

ياتي ذلك كله بعد واقع مرير لانفصال كافة البنى المؤسسية والقانونية وتباين المؤشرات الاقتصادية وبحدة بين باقي ما تبقى من وطننا فلسطين.

بقدر ما يمكن النظر لخطورة هذا الامر سياسيا الا ان خطورة التردي الاقتصادي خصوصا بالقطاع من انعدام الدخول وتفشي الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل وحالة اللاانتماء وانهيار الطبقة المتوسطة امرا خطيرا ومساهما بقوة في تمرير مثل هذه المخططات.

إن افق الواقع الاقتصادي ليس بأقل تشاؤما او خطورة عن مرارة الافق السياسي فالثاني تكثيف للاول، لذا فان مرارة الواقع الاقتصادي الغزي خصوصا يشير الى ما ستؤول اليه الامور، وليس من حل سوى تكاملية الجهود السياسية والاستراتيجيات الحزبية في اطارها السياسي والاقتصادي المقاوم والمعزز للصمود.

ولا يخفى ان تجارب الشعوب زاخرة بالاختلاف بين الاحزاب التحررية التي قد تصل لحد التناقض الأيديولوجي الا ان مقاومة الغزاة اولى.

فالكومينتانج او الحزب ذات الوطنية القومي الصيني والذي قضى على ملكية الالفي عام في الصين 1911-1912 بزعامة “سن يات سن” ابو الصين الحديثة والذي وَرِثهُ “شيانج كاي شيك” زعيم الجمهورية الصينية وقائد توحيدها والذي اعتبر ان التناقض مع الشيوعيين الصينيين اعمق من التناقض مع المحتل الياباني، فوصف الاول كمرض في القلب بينما الثاني كمرض جلدي، وجابه الشيوعيين طويلا في الصين والهند الصينية بل سجن هو تشي منه بالصين 1925، الا ان الحرب الاهلية توقفت طوال الحرب الصينية اليابانية الثانية 1937-1946 وتحالف مع الحزب الشيوعي الصيني العدو اللدود بقيادة ماو تسي تونغ رغم ما شاب هذا التحالف الهش، وذلك لمواجه المحتل الياباني، والذي بالاصل دعم الكومينتانج للقضاء على الملكية، وكان سن ياتسن يهادن اليابان لذلك ويجابهها لانها كانت ترفع شعار اسيا للاسيوين اي ان الصين لها لا للغرب، وتخشى من سيطرة الامبريالية الغربية بآسيا.

إن واجب التوافق على رؤية فلسطينية وطنية تكاملية متعددة الابعاد، الان او ابدا، او نقبل بواقع ينذر بقواصم اقتصادية وسياسية لن تبقي ولن تذر.

فصفقة القرن هي جهود صهيونية تراكمية تجري على قدم وساق، ومسار خلاصنا واحد فهل نحن وطنيين بما فيه الكفاية لنسلكه.

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo