تقرير التسهيلات الإسرائيلية .. سلام اقتصادي برؤية أمريكية مبتورة للحل الفلسطيني

عمال فلسطينيين
عمال فلسطينيين

أكد مصدر سياسي في السلطة الفلسطينية لموقع “زوايا” أن منح إسرائيل 16 ألف تصريح عمل إضافي لفلسطينيين، وتسهيل وصول مرضى غزة إلى مشافي الضفة، والسماح بمرور التجار من حملة بطاقة PMC من القطاع عبر معبر بيت حانون- ايرز، ناهيك عن التعاون في مكافحة كورونا، كلها خطوات جاءت بطلب أمريكي من تل أبيب، بغية تخفيف معاناة الفلسطينيين وتسهيل حياتهم.

“التسهيلات” بطلب أمريكي

وبين المصدر أن هذه المطالب كانت حاضرة خلال لقاءات مساعد وزير الخارجية الأمريكي هادي عمرو مؤخراً مع المسؤولين الاسرائيليين والفلسطينيين، تحت عنوان سبل تحسين حياة الفلسطينيين على الصعيد الاقتصادي وحرية الحركة.

وتأتي هذه المساعي في إطار تخفيف احتقان الشارع والتظاهرات في الضفة الغربية ضد السلطة الفلسطينية، ومنع تطور مآلاته لتطال إسرائيل ودول الجوار؛ ذلك أن السلطة لا تعيش في جزيرة منعزلة، بل كل شيء يحدث في مناطق سيطرتها فإنه يؤثر على المحيط، وهو الأمر الذي تخشاه الولايات المتحدة الأمريكية، وفقا لقول المسؤول الفلسطيني.

وأوضح المصدر أن “هناك خطوات لاحقة ستتخذها إسرائيل على مستوى منح الفلسطينيين حرية أكبر في الحركة”.

وبعد منح الاحتلال الإسرائيلي 15 ألف تصريح في قطاع البناء وألف في قطاع الفندقة، يرتفع عدد العمال الفلسطينيين بالداخل المحتل إلى نحو 100 ألف، وهذا العدد لا يشمل العاملين في المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة عام 1967، كما أكدت وزارة العمل لـ”زوايا“.

وقالت الوزارة إن التصاريح الجديدة لن يجري أي تنسيق بشأنها مع الاحتلال الإسرائيلي، لكن جهات رسمية في السلطة أوضحت لـ”زوايا” أن التنسيق جرى على مستوى سياسي عالي، وليس تقني على مستوى الوزارات.

لكن، ماذا يعني ذلك؟.. هل عادت الولايات المتحدة لعرض “السلام الاقتصادي” الذي هندسه رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو و تبنته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؟

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيرزيت د.غسان الخطيب يرى أن الولايات المتحدة لم تغادر أصلاً مربع السلام الاقتصادي حتى تعود اليه.

واعتبر الخطيب في حديثه لـ”زوايا” أن سبب ما وصفه بالتغيير الشكلي الطفيف في السياسة الامريكية يعود إلى تقلد إدارتين جديدتين للحكم في الولايات المتحدة و”إسرائيل”؛ لأن الإدارتين السابقتين (ترامب ونتنياهو) كان لهما نهج لا يبالي بإمكانية انهيار السلطة الفلسطينية، بحكم امتلاكهما رؤية مشتركة تجاه حسم الأمور استنادا للمشروع الأمريكي-الإسرائيلي المعروف بـ”صفقة القرن”.

أما الإدارتان الجديدتان في “إسرائيل” والولايات المتحدة، لديهما قناعة من حيث المبدأ بفكرة حل الدولتين، وتعتقدان أن الوقت ربما غير مناسب لتحقيق ذلك الآن، وهو ما يدفعهما على الأقل إلى إبقاء الأبواب مفتوحة لمثل هذا الخيار مستقبلاً.

ومن ضمن متطلبات إبقاء الأبواب مفتوحة لخيار الدولتين، بحسب الخطيب، هو بقاء السلطة الفلسطينية وعدم انهيارها، وهذا له متطلبات اقتصادية وسياسية وغيرها.

ومن هذا المنطلق يبدو أن تل ابيب وواشنطن معنيتان بالمحافظة على بقاء السلطة ومنع انهيارها انتظاراً لإمكانية استئناف عملية سلام لاحقا تقود إلى حل الدولتين.

لماذا تذهب واشنطن الى المسار الاقتصادي كأولوية؟

لكنّ غسان الخطيب اكد أنه من وجهة نظر فلسطينية، المسار الاقتصادي غير جيد وغيرمجدي، بل يمكن أن يكون ضاراً لأن المصلحة الفلسطينية تقتضي الاهتمام بالأولوية السياسية وليس الاقتصادية.

لكن من وجهة نظر أمريكية، فإنّ الموضوع الإسرائيلي والفلسطيني ليس أولوية من بين القضايا الدولية التي تريد واشنطن الاستثمار سياسيا بها، كما ذكر أستاذ العلاقات الدولية. علاوة على عامل ثانٍ يتمثل في عدم نضوج الوضع الفلسطيني بسبب الانقسام وضعف القيادة الفلسطينية من منظور أمريكي-إسرائيلي.

وهناك عامل ثالث يتمثل في هشاشة الوضع الداخلي لـ”إسرائيل” وائتلافها الحكومي الحالي، الذي يجمع بين تناقضات سياسية مختلفة مما لا يشجع على الانخراط بعملية سلام في هذه المرحلة.

وبسبب العوامل الثلاثة سالفة الذكر، يعتقد الخطيب أن واشنطن وتل أبيب تذهبان إلى البديل بمنع إغلاق الأبواب أمام عملية سلام مستقبلية، وهذا مبني على رؤية ومصلحة أمريكية-إسرائيلية وليس فلسطينية.

إذاً، ما المطلوب فلسطينياً في المقابل؟

وشدد غسان الخطيب على ضرورة أن يكون الوضع الفلسطيني الداخلي قادرا على دفع الأولويات الفلسطينية الى مقدمة اهتمام المجتمع الدولي والحكومة الإسرائيلية. وهذا يتأتى بمعالجة الانقسام الذي أضعف الموقف الفلسطيني، وكذلك إصلاح الوضع الداخلي الذي تردى سياسيا جراء عدم إجراء الانتخابات، وازدياد الفجوة بين الجمهور والقيادة.

وكل هذه المعطيات الفلسطينية أدت إلى تراجع قدرة الجانب الفلسطيني على فرض أولوياته على ساحة العلاقات الدولية ومع “إسرائيل” والولايات المتحدة بشكل خاص، وفق الخطيب.

الأولوية الأمريكية-الأوروبية: ضخ سيولة عاجلة للسوق الفلسطيني

من جانبه، يرى المختص بشأن السياسة الامريكية محمد القاسم أن ما تسمى “التسهيلات” الاسرائيلية الأخيرة ليست فقط بطلب أمريكي، وإنما أيضاً فلسطيني ورغبة اسرائيلية، مضيفا “لطالما اشتكت القيادة الفلسطينية من عدم وجود اقتصاد فلسطيني قوي”.

وأكد القاسم في حديث لموقع “زوايا” أن هناك بعض “التسهيلات السطحية والتجميلية” من إسرائيل، وهي لن تحسن الاقتصاد الفلسطيني على المدى الطويل، لكنها مرتبطة بتحسين أوضاع الفلسطينيين، لأن ما يهم أوروبا وأمريكا الآن هو ضخ سيولة للسوق الفلسطيني بصورة سريعة (..) من منطلق أن الاستقرار الاقتصادي يؤدي الى استقرار أمني وسياسي.

وأكمل “هذا يعني أن الاطراف الدولية لا تريد علاجاً على المدى الطويل- وإن كانت ترغب بذلك في المنظور الاستراتيجي- بل منح فرص من الاستقرار الاقتصادي العاجل”.

بهذا المفهوم، يبدو أن الإدارة الامريكية الحالية لا تختلف كثيرا عن إدارة ترامب السابقة فيما يتعلق بآلية معالجة القضية الفلسطينية، فالإدارة الديمقراطية لا زالت تربط المسار الاقتصادي بالسياسي رغم حديثها عن مقاربتها بضرورة إطلاق جهد سياسي جدي لحل الملف الفلسطيني-الإسرائيلي. فمجرد تقديم الاقتصاد على المسار السياسي يُعدّ أمرا خطيرا، وفق تعبير محمد القاسم.

وأشار إلى أن الإدارة الديمقراطية التي عولت عليها السلطة الفلسطينية كثيرا لا زالت مستمرة بهذا النهج وإنما بأسلوب جديد، تحت عنوان أن “الحلول السياسية تأتي ربما لاحقاً”.

ورجح القاسم أن يتخذ الاحتلال الإسرائيلي “تسهيلات” أخرى، خاصة بعد زيارة المسؤول الأمريكي هادي عمرو للأراضي الفلسطينية وتل أبيب قبل أكثر من اسبوعين؛ إذ قال عمرو إنه يخشى انهيار السلطة، وأنه لابد من خطوات إسرائيلية تمنع الانهيار.

أمريكا رفضت زيادة الدعم المالي المباشر للسلطة

بيدَ أن السلطة الفلسطينية لا تعول فقط على التسهيلات الاسرائيلية، بل زيادة الدعم الدولي المباشر، لا سيما من أوروبا وأمريكا بموازاة ممارسة الأخيرتين ضغطا على دول الخليج لزيادة المساعدات المالية المقدمة للسلطة، كما يعتقد المختص بشأن السياسة الأمريكية.

غير أن محمد القاسم أكد لـ”زوايا” أن واشنطن رفضت طلب السلطة زيادة دعمها المباشر للسلطة؛ بسبب الفساد المستشري بداخلها، وقد أبلغت رام الله أنها ستبقي على دعمها للمؤسسة الأمنية وتعزيز المشاريع التنموية عبر ذراعها (وكالة التنمية الامريكية USAID) في الأراضي الفلسطينية، علاوة على ضغطها على إسرائيل لتحسين حياة السكان الفلسطينيين.

وحسب المعطيات المتوفرة لـ”زوايا” فإن رئيس الوزراء محمد شتية لم ينجح في تحقيق الغاية من زيارته التي أجراها قبل شهرين لعواصم خليجية، وهو تقديم دعم إضافي للسلطة؛ حيث لم تتم الاستجابة لطلبه، فضلاً عن أن الإدارة الأمريكية تريد زيادة الدعم غير المباشر للسلطة والمواطنين الفلسطينيين تحت إشرافها؛ لأنها تعتقد أنها ليست بصدد رفع الدعم المباشر للسلطة في ظل وجود فساد في أروقتها.

المسار السياسي مُؤجل أمريكياً

ولهذا، يبدو المسار السياسي مؤجلا بالنسبة للإدارة الامريكية، حسب إفادة مصادر سياسية متطابقة لـ”زوايا“؛ إذ تركز فقط في هذه المرحلة على تعزيز الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بموازاة العمل على تحسين الاقتصاد.

ويقول المختص بشأن السياسة الأمريكية إن القضية الفلسطينية ليست على سلم أولويات واشنطن ولم تكن كذلك لولا حرب غزة والأحداث الأخيرة في الشارع الفلسطيني إثر مقتل الناشط نزار بنات خلال اعتقاله من قبل قوة أمنية فلسطينية.

وبين أن تركيز الإدارة الأمريكية ينصب الآن على ملفات أخرى هي الصين وروسيا والعراق وسوريا وأفغانستان. لكن واشنطن، مع ذلك، لا تريد زعزعة الأمور بالأراضي الفلسطينية لما في ذلك من تأثير سلبي على الجوار، وهو ما دفعها للتحرك السريع على المسار الاقتصادي، منعاً للاحتقان وتطوره إلى انفجار وخروج عن السيطرة.

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo