ترقّب نتائج الثانوية العامة.. كابوسٌ يلاحقُ الطلبة في يقظتهم.. فما الحل؟

نتائج الثانوية العامة
نتائج الثانوية العامة
  • الطبيب النفسي المعالج محمد أبو السبح: السبب الرئيسي في الاضطرابات النفسية لـإعلان نتائج الثانوية العامة هو التفاخر والتباهي بين الناس، والمنظر الاجتماعي، وضغط الأهل وارتفاع سقف التوقعات مما يسبب العجز للطالب والخوف من ردود فعل الأهلي والقلق من ظهور النتيجة.
  • المختص التربوي في الضفة الغربية مخلص سمارة: دورِ الأهلِ والتربويين والإعلاميين يجب أن يكون إيجابيًا قدر الإمكان في هذه المرحلةِ الحرجة، وأهم هذه الرسائل أن نتيجة الثانوية العامة ليست نهاية المطافِ.
  • الدكتور جميل الطهراوي، أستاذ الصحة النفسية المشارك في الجامعة الإسلامية بغزة : نتائج الثانوية العامة مصيرية ، ومن الطبيعي أن يترتب عليه نوع من القلق تبعًا لطبيعة المرحلة بانتظاره شيئًا غيبيًا، ولا سيما أن سن الثانوية العامة لا يوجد به نضوح وبه انفعالات هشّة وسريعة التغيّر.

في غرفةٍ مليئةٍ بالأوراقِ والكتبِ الملقاةِ في كل مكانٍ، يحاولُ “سامر” ترتيبَ غرفـته، فلقد أنهى آخر امتحانٍ له في الثانوية العامـة “التوجيهي” مترقبًا نتائجها التي بات إعلان وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عنها قريبًا.

يعمل “سامر” على ترميم حالته النفسية بعد سنةٍ كاملةٍ من الضغوط النفسية في ظل ظروفٍ صعبةٍ مرّ فيها قطاع غزة من كورونا وحرب وغيرها من مشكلات اجتماعية واقتصادية، وكذلك الحال لـ “داليا” من مدينة “رام الله” بالضفة الغربية التي عاشت ظروفًا مشابـهة.

وكانت وزارة التربية والتعليم قد أعلنت، الخميس الموافق 24/6/2021، بتوجّه 84598 طالبًا وطالبة في جميع أنحاء الوطن بما يشمل القدس والمحافظات الشمالية والجنوبية والمدارس الفلسطينية بالخارج، إلى المدارس لعقد امتحان الثانوية العامة 2021 .

وفي هذا التقرير ترصد “زوايا” أسباب الضغوط النفسية لطلبة الثانوية العامة، ولا سيما في فترة ترقبّ النتائج، والتداعيات، وأساليب المعالجة.

مرحلة الترقب

ويعيشُ طلبةُ الثانوية العامةِ، في مرحلة “الترقب” في قلقِ عامٍ على هيئة اضطرابات في النوم وضعفٍ في التركيز وشد عضلي واستجابة ذعريـة، لأن الطالب يكون مترقبًا للأسوأ وتسيطر عليه الأفكار السوداوية والقلق وازدياد معدل ضربات القلب وأعراض الهلع المتقطعة وجفاف الحلق ورعشة وعسر هضم، حسب ما تحدث به الطبيب النفسي المُعالجِ محمد أبو السبح لـ “زوايا”.

وأضاف ” قد يصاب بعض الطلبة بغثيان وزغللة وصداع “نفس جسدي” يشبـه “حرق السكر” وبذل مجهود فوق الطبيعي، موصيًا بتمارين الاسترخاء.

وبين أن المشكلة في توترات إعلان النتائج لدى الطلبة بسبب رئيسي هو التفاخر والتباهي بين الناس، والمنظر الاجتماعي، وضغط الأهل وارتفاع سقف التوقعات مما يسبب العجز للطالب والخوف من ردود فعل الأهلي والقلق من ظهور النتيجة.

وأوضح “أبو السبح” أن أكثر الطلبة القلقين هم من المتميزين جدًا ومن الطلبة الذين يخشون الرسوب، مشيرًا إلى أن بعض الحالات الفردية الذين يؤذون أنفسهم من أجل شغل الأهل عن معاقبة الطالب أو الطالبة بسبب المجموع المنخفض الأقل من المتوقع.

خصوصية تلقي بظلالها النفسية

وقال المختص التربوي في الضفة الغربية مخلص سمارة أن فترة الامتحاناتِ في الواقع الفلسطيني لها خصوصية، وتلقي بظلالها على الحالة النفسيةِ للطلاب، مشيرًا إلى أن كل طالبٍ يسعى لتحقيقِ ذاته ليشبع حاجته ويشفى غليل الواقع الاجتماعي، لافتًا أن مرحلة الثانوية العامة “التوجيهي” هي مناسبة للتفاخر الاجتماعي، متفقًا مع ما ذهب إليه الطبيب النفسي “أبو السبح”.

 وبيّن خلال حديثـه لـ زوايا أن هناك فروقًا فردية لدى الطلاب، وتقع عليهم ضغوط من الواقع ومن البيئة الداخلية للامتحانات، مضيـفًا ” بعض الطلاب يسعون للتفوقِ والتفاخرِ والحصول على المعدل المنشود، في حين أن هناك طلابًا لا يكترثون للمعدل نهائيًا وأن هناك طلابًا يصابون بالإحباط الشديد لأنهم لم يحققوا ما يصبون إليه من علاماتٍ ونتائجٍ في المعدل ككلٍ أو في بعض علامات الامتحانات”

ليست نهاية المطاف

وشدّد على دورِ الأهلِ والتربويين والإعلاميين أن يكون إيجابيًا قدر الإمكان في هذه المرحلةِ الحرجة– على حد وصفه- وأن يرسلوا رسائل إيجابية مهما حصل من إخفاقاتٍ “بسيطة” في الثانوية العامة، وأهم هذه الرسائل أن نتيجة الثانوية العامة ليست نهاية المطافِ.

ووجّه رسالةً إلى الذين حصلوا على معدلاتٍ مخيبة لتطلعاتهم وآمالهم، أن يبرمج نفسه على معدله، عبر الاستعانةِ بالمختصين والخبراء حتى يخرج من الأزمة بأقل الخسائرِ، ومن الممكن أن يكون الحصول معدل غير منشودٍ إلى الدخول إلى تخصص جديد يُبدع فيه.

جرعاتُ تفاؤل

كما وجه رسالةً إلى أهالي طلبة الثانوية العامة، بإمداد أبنائهم بجرعاتٍ تفاؤلية، وأن الحزنَ والتشاؤم والإرباك لن يجلبوا شيئًا جديدًا، والابتعاد عن المقارنات مع أبناء الأهالي الآخرين قائلًا ” كل طالب له إمكانياته الخاصة، ويجب أن نكون عونًا للطلبة لا عونًا عليهم”.

وأشار إلى الحالات النفسية المدمرة من الطلبة في قطاع غزة والضفة المحتلة، نتيجة الحروب والمواجهات والمشكلات الاجتماعية التي لازمت الطلبة خلال فترة دراستهم، مبينًا أنه يجب تفهم نفسياتهم ومراعاتهم.

ونبّه إلى ضرورة أن يكون الأهالي بقرب أبنائهم وألا يكون كل في عالمه الخاص.. “فالطلبة يعيشون في صراع ذاتي وصراع داخلي ودوامة من الأفكار المتضادة قد تصل إلى إيذاء الطالب نفسه” مؤكدًا أن يكون الأهالي على استعداد والتفكير في ردود الفعل المتوقعة قبل إعلان نتائج الثانوية العامة، وأن يعززوا ثقة الطالب، وألا يهددوه ويرسلوا إليه رسائل سلبية.

وعن طريقةِ إعلان نتائج الثانوية العامة، قال “سمارة”” طريقة إعلان نتائج الثانوية العامة هذا العام وقبله من الأعوام فيه من الخصوصية أكثر من السابق، وبإمكان الطالب إخفاء نتيجته ورفع الحرج قد الإمكان”

وقال ” إذا أردت أن تنجح فتذكر حلاوة النجاح، ولكل مجتهدٍ نصيب، فليس بالإمكان أن يتوقع الطالب الذي نام ولعب طيلة فترة الامتحانات وما قبها أن يأتي بنتيجة جيّدة.. كل طالبٍ علم كيف درسَ وكيف قدّم الامتحانات وتقريبًا يعلمُ حول نتيجته حسب اجتهاده “” مشيرًا إلى أن الكثير من الطلبة درسوا تخصصًا وعملوا في مجالٍ آخر استطاعوا أن يطوروا من أنفسهم حسب سوق العمل، مجددًا دعوته بأن النتيجة ليست نهاية المطافِ.

“غير المكتمل” وتخفيف الضغوطات

وعن صعوبة الامتحانات، قال “سمارة””لم يشكُ الطلبة من صعوبةِ الامتحانات” فيما توقع أن تكون النتائج نهاية شهر تموز/ يوليو الحالي أو في بداية شهر آب/ أغسطس القادم، وأن امتحانات غير المكتمل بعد عشر أيامٍ من إعلان النتائج، وهي فرصة لتدارك ما فات من رسوب في المواد أو تعليه المعدل، وهذه الفرص لم تكن موجودة قبل سنواتٍ –حسب ذكره-.

وأظهرت نتائج دراسة بعنوان “مصادر الضغوط المدرسة وعلاقتها بالتحصيل الدراسي العام لدى طلبة المرحلة الثانوية في ضوء عدد من المتغيراتِ” أعدها دكتور علم النفس المساعد عبد الله شراب والدكتور أكرم وادي أستاذ المناهج وطرق التدريس المساعد بجامعة الأقصى، بأن أكثر الضغوطات على الطلبة تتمثل في ضغوط الامتحانات، وأن الطالبات أكثر تعرضًا للضغوط من الطلاب، موصيةً بتهيئة أجواء مريحة لا تبعث على القلق والتوتر وعدم المبالغة في الامتحانات لأنها وسيلة وليست هدفًا.

قلقٌ طبيعيٌ

وقال الدكتور جميل الطهراوي، أستاذ الصحة النفسية المشارك في الجامعة الإسلامية بغزة ، أن نتائج الثانوية العامة مصيرية ، ومن الطبيعي أن يترتب عليه نوع من القلق تبعًا لطبيعة المرحلة بانتظاره شيئًا غيبيًا، ولا سيما أن سن الثانوية العامة لا يوجد بها نضوح وبها انفعالات هشّة وسريعة التغيّر.

واتفق في حديــثه لــ “زوايا” مع سمارة حول أن مرحلة الإكمال الأولى والثانية قد خففت من الانتكاسات ومراحل الاكتئاب، وبإمكان الطالب من إعادة المادة أو تحسين معدلـه من خلالها، وهذا لم يكن متوفر سابقًا.

ذكر بأنـه تابع حالةً لطالبةٍ متفوقةٍ رفضت الذهاب للامتحانِ بسب توتير الأهل لها وإقدام الأب على ضربِها، وسبب لها انتكاسة بسبب شحن الأهل لها الذي يسبب نتائج عكسية، كما أنه يؤثر سلبيًا على الحالة الصحيّة للطلبةِ.. مشيرًا “بعض حالات الخوف تؤدي إلى الهروبِ أما إذا ازداد الخوف فيعجز الإنسان عن التحرّك من مكانـه للهروب من الخطرِ.. الزائد شقيق الناقص”

كما ذكر أن بعض حالات التنمر والمعايرة من بعض الأهل تؤثر سلبًا على الطلبةِ مثل ” يجب عليك أن تكون مثل أخيك طبيبًا.. ابن عمك أكثر منك ذكاءً.. متناسين أن لكلٍ من الطلبةِ فروقات فرديةٍ في الذكاء والتحصيل.. وهذا لا يعني أن يكون الأهل غير مبالين تمامًا”

التنمّر اللفظي أشدُ من الضرب

ونبّه أن التنمر اللفظي الذي يمارسـه البعض أشد بأسًا من الضرب في بعض الأحيانِ واصفًا إياه بـ “السكاكين” التي تمزق الجسد، ويسبب الانعزال وفقدان الشهية والعزل والاكتئاب.

وعن الفروق بين الذكور والإناث على تحمل الضغوط النفسية الناتجة عن نتائج الثانوية العامة، قال “الطهراوي”” لها بعدان، البعد الثقافي والذي يتعلق بأن الفتيات ليس لهنّ إلا الدراسة، والبعد الثاني هو المنافسة الشديدة بين الفتيات بالجمالِ والذكاءِ، كما أن الذكور أكثر عركة في الحياةِ فيكون التأثير النفسي عليهم أقل من الإناثِ”

وبين أن هناك حالات لطلبة من الثانوية العامة لا تخضع ولا تنصاع لكل النصائح والإرشادات النفسية المكتوبة والموجه إليهم، داعيًا إلى توجيههم لأخصائيين نفسيين في هذا الخصوص.

ودعا الأهل للتفريغ النفسي عن أبنائهم الطلبة عبر رحلاتٍ ورياضات مختلفة من شأنها التخفيف من حدة الضغوطات النفسية لنتائج الثانوية العامة، لتمنع من الوصول لتكدّس الضغوطات النفسية قبيل إعلان النتائج.

المصدر : زوايا - خاص
atyaf logo