كشف مسؤول حكومي فلسطيني لموقع “زوايا” عن اضطرار الحكومة للاستدانة من البنك الاسلامي الفلسطيني مبلغاً بقيمة خمسين مليون دولار، كي تتمكن من صرف رواتب الموظفين العموميين عن الشهر الماضي، مشيراً إلى أنه مع حلول يوم الأحد او الاثنين سيكون هناك جديد بشأن الرواتب.
وأكد المسؤول- طالباً عدم ذكر اسمه- أن الخصومات الاسرائيلية من أموال المقاصة قد زادت كثيراً الشهر الحالي، مبيناً أن الوضع المالي الحكومي صعب بكل جدية.
“أزمة الحكومة المالية تمتد للأشهر الأربعة المقبلة”
وقدّر المصدر أن الحكومة ستتمكن بالغالب من صرف راتب كامل عن الشهر الفائت، لكنها تواجه صعوبة في القدرة على صرف رواتب كاملة في الفترة المقبلة ما لم تتم معالجة الأزمة.
ورجح أن الحكومة ستواجه أزمة مالية صعبة على الأقل حتى الأشهر الأربعة المقبلة.
وقال المسؤول الحكومي إن الإيرادات المحلية تتناقص ولا يمكن لها ان تسدد فاتورة الرواتب، فضلاً عن الخصومات الإسرائيلية المتزايدة من أموال المقاصة، إضافة إلى أن الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية بلغ “صفر” منذ بداية العام الجاي.
وتابع: “لم يستجب أي من الدول الخليجية والعالمية لمطالبتنا بمساعدة السلطة الفلسطينية مالياً”.
السلطة مطالبة بتغيير طريقة إدارتها الاقتصادية
من جانبه، أكد المختص بالشأن الاسرائيلي وعضو الكنيست الأسبق نظير مجلي لموقع “زوايا” أن إسرائيل لم تخصم من المقاصة في الشهرين الماضيين، وأنه من المتوقع أن تقوم بهذا الخصم هذا الشهر ما يجعل السلطة في أزمة مالية حقيقية في ظل انعدام المساعدات الدولية.
وأوضح مجلي أن تأجيل اسرائيل عملية الخصم بحجة رواتب عائلات الشهداء والأسرى إلى الشهر المقبل، يبقى امراً محتملاً أيضاً.
ونصح مجلي السلطة الفلسطينية بإعادة النظر في طريقة الإدارة الاقتصادية الحالية وبلورة أخرى جديدة لا ترتهن بالمزاج الاسرائيلي.
ونوه إلى أنه في إحدى اللقاءات الصحفية التي أجراها مع وزير الجيش الإسرائيلي بني غانتس، فإن الأخير قال إنهم في الجيش يعارضون هذه الخطوات الاسرائيلية لاسيما الخصومات المالية التي من شأنها أن تمس بالوضع الراهن وتؤدي إلى عدم الاستقرار.. لكن غانتس أقر ب”عدم تمكن الجيش من فرض رأيه بالحكومة في ظل الأصوات الضاغطة باتجاه عملية الخصم لإرضاء اليمين الاسرائيلي والمستوطنين”، كما يقول مجلي.
وأكد نظير مجلي أنه لولا وجود نحو 150 الف عامل فلسطيني داخل الخط الاخضر، فضلاً عن تسوق فلسطينيي 48 في الضفة الغربية، لكان الوضع الاقتصادي لسكان الضفة الغربية أكثر صعوبة مما هو عليه الآن؛ ذلك أن ذلك يوفر سيولة مالية في السوق الفلسطيني.
نفتالي بينيت لم يتصل بعباس كما طلبت أمريكا
وكشف نظير مجلي عن تلكؤ رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد نفتالي بينيت حتى الآن في إجراء اتصال هاتفي برئيس السلطة محمود عباس، رغم مطالبات مستمرة من الإدارة الامريكية، من منطلق ان هذا الاتصال مهم لترطيب الاجواء، وإعطاء الضوء الأخضر لتعاون الطواقم الفنية في السلطة والجانب الاسرائيلي لتحسين الاقتصاد وحياة الفلسطينيين.
وشدد مجلي على ضرورة أن تقتنص السلطة الفلسطينية الفرصة لتحسين الوضع للمواطنين الفلسطينيين، حتى تحين الفرصة لتحقيق المسار السياسي، خاصة وأنه لا يوجد اي بوادر وأي حراك الآن لتحقيق مشروع الدولة الفلسطينية في الأمد المنظور .
كورونا خفّضت الإيرادات الداخلية والمقاصة؟
بدوره، اعتبر المحلل الاقتصادي د.ياسر شاهين أن إشكالية الحكومة تكمن في أنّ المديونية لصالح القطاع الخاص والبنوك تشارف على ال “4” مليار دولار بواقع 106 مليار للبنوك المحلية. يُضاف إليها مشكلة “المقاصة”؛ إذ أن اسرائيل تواصل الخصومات من أموال الضرائب، ليس فقط تلك المتعلقة برواتب عائلات الشهداء والأسرى، بل أيضاً المطالبات المالية لأمور مختلفة على صعيد العلاج في المستشفيات الإسرائيلية ومخالفات السير التي تفرضها شرطة الاحتلال بحق فلسطينيين، وغيرها الخاصة بسكان الضفة وغزة.
وأضاف شاهين في حديثه لموقع “زوايا” أن الأخطر هو تراجع الإيرادات الداخلية سواء في مناطق السلطة أو تلك المتعلقة بالواردات من الخارج نتيجة أزمة جائحة كورونا.. ففي عام 2020 تراجعت الضرائب الداخلية بنسبة خمسين بالمئة، علاوة على تراجع الواردات.
وفي هذا العام استمرت مشكلة شحن البضائع القادمة من الخارج نتيجة كورونا لا سيما تكلفة الشحن العالية وتعقيدات أخرى، وهو ما ممثل سبباً إضافياً لانخفاض قيمة أموال المقاصة بنسبة عشرين إلى ثلاثين بالمئة.
وبين شاهين أن الحكومة الفلسطينية تجاوزت السقف المسموح به للاستدانة من البنوك، وهو الأمر الذي يجعل الوضع المالي للسلطة صعباً على الأقل حتى نهاية السنة الحالية.
ونوه الى خلافات اسرائيلية داخلية بشأن حجم الأموال الواجب خصمها من “المقاصة”.
أزمة يُمكن التغلب عليها..ليست كبيرة
لكنّ الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي محمد خبيصة يعتقد أن الحديث عن الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية في الإعلام أمر مُبالغ به.. موضحاً ان السلطة بالفعل تمر بازمة مالية لكنها اعتيادية وب”فرقية” 700 مليون شيكل، اي أنها لا تحتاج للتهويل.
وبحسب خبيصة، فإن السلطة تواجه ازمة يُمكن التغلب عليها من خلال الاقتراض او محاربة التهرب الضريبي، وضبط مصاريفها.
ورأى أن هناك شيئاً يبدو مفتعلا بالنسبة لتضخيم الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية، لأسباب ربما تتعلق بخارطة جديدة لتحريك المسار السياسي او ما يعرف بالسلام الاقتصادي.
ونوه إلى أن اموال المقاصة مستقرة حتى لو زادت الاقتطاعات الإسرائيلية منها، ناهيك عن ازدياد الاستهلاك وبالتالي ارتفاع الجباية.
وأضاف خبيصة لموقع “زوايا” أن حديث المسؤول الأمريكي هادي عمرو وكذلك المسؤولين الإسرائيليين وكذلك قيادات فلسطينية عن وضع مالي صعب للسلطة هو مبالغ به ولا يوجد شيء يدعو للقلق.
وبين أن الذي حصل فيما يخص تأخر صرف رواتب الشهر الماضي، أن وزارة المالية الاسرائيلية تأخرت في توقيع أموال المقاصة وتحويلها للسلطة الفلسطينية، نظراً لانشغال الحكومة الإسرائيلية في إقرار موازنتها العامة.
هذا وتقول مصادر سياسية لموقع “زوايا” أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تريد أن تروج لموضوع الخصومات من أموال المقاصة، وخلق هذه الأزمة للسلطة الفلسطينية الآن، في سياق محاولاتها لتثبيت حكمها خشية انهيارها في ظل اتهامها من المعارضة اليمينية التي يقودها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بأنها ضعيفة و ترضخ للضغوط الأمريكية على حساب المصالح الاسرائيلية.