إلغاء المادة (22) من مدونة السلوك.. يخالف القانون ويكمم أفواه الموظفين

مجلس الوزراء.jpeg
مجلس الوزراء.jpeg

أثارت الحكومة الفلسطينية برئاسة د. محمد اشتية الجدل مجددا في طريقة إدارتها لملف الحريات بالأراضي الفلسطينية، وذلك بعد قرارها الأخير إلغاء المادة رقم (22) من مدونة سلوك وأخلاقيات الوظيفة العامة، والذي نشر في العدد الأخير رقم (181) من جريدة الوقائع الفلسطينية الرسمية.

وتنص المادة الملغاة، أنه يحق للموظف التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام التشريعات النافذة، وأنه يجب على الموظف عند إبداء رأي أو تعليق أو مشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي أن يوضح أنه يمثل رأيه الشخصي فقط، ولا تعكس رأي الجهة الحكومية التي يعمل بها.

وبالرغم من إعلان مجلس الوزراء في بيان رسمي مقتضب، أن هذا الإلغاء لا يمس من حرية الرأي والتعبير، إلا أن خبراء في القانون ومتخصصين أجمعوا على أن إلغاء هذه المادة سيشكل تخوفاً لدى الموظفين العموميين قبل إعلانهم عن مواقفهم والتعبير عن آرائهم.

المستشار القانوني لمؤسسة الحق المحامي أشرف أبو حية قال إن هذا الإلغاء للمادة رقم (22) لا يحمل أي قيمة قانونية.

وأوضح في حوار مع موقع زوايا، أنه طالما أن القانون الأساسي نص بشكل واضح وصريح على حق كل مواطن في التعبير عن الرأي، وبالتالي أن يكون هناك مدونة سلوك لا ترتقي إلى مرتبة القانون والدستور.

وأكد أن القانون الأساسي هو الأعلى ويشكل المرجعية في حق المواطنين في التعبير عن الرأي، لذا فإن إلغاء هذه المادة لا يترتب عليه أي أثر في حق الموظف العام في التعبير عن رأيه بالقضايا العامة.

ولكن أبو حية يرى أن إلغاء المادة رقم (22) من مدونة السلوك، سيعكس بظلاله على الموظفين العموميين فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، ويشكل نوعاً من الخوف لدى الموظفين، أنهم إذا عبروا عن رأيهم في أي قضية من القضايا العامة يمكن أن يتعرضوا إلى مضايقات أو مساءلة تأديبية أو عدم الترقية وإلى آخره.

وقال أبو حية “هو يأتي في هذا السياق، بأنه إذا كان موظف يريد التعبير عن رأيه يمكن أن يكون هناك خوف بحجة أنه تم إلغاء هذه المادة”.

وأضاف المستشار القانوني لمؤسسة الحق، أن إلغاء الحكومة لهذه المادة يعكس توجهات الحكومة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير.

وأوضح ذلك أن هناك التزامات على فلسطين فيما يتعلق بانضمامها للمواثيق الدولية، ومن بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي أكد على حرية الرأي والتعبير في المادة رقم (19)، وأن على الدول التي تنضم للعهد الدولي مجموعة من الالتزامات فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، وأنه يجب حماية هذا الحق من أي انتهاك سواء كان من الأجهزة أو من أطراف أخرى، وإعمال هذا الحق من خلال تمكينه في السياسات والتشريعات والسياسات التي تعمل بها الدول المنضمة لهذا العهد، وبالتالي إلغاء هذه المادة يعاكس هذا التوجه.

ويتفق المحامي ظافر صعايدة من مجموعة “محامون من أجل العدالة” مع أبو حية، في أن الغطاء القانوني لكل الناس سواء كانوا موظفين وغير موظفين هو المادة رقم 19 من القانون الأساسي.

لذا أكد في حوار مع زوايا، أن إزالة المادة رقم (22) من مدونة السلوك، لا يعني أن الموظفين أصبحوا غير قادرين عن التعبير عن رأيهم ولا يمكن المساس بهذا الحق.

ولكن “صعايدة” ينظر إلى القرار “كـسوء نية” من الحكومة تجاه الموظفين من أجل التضييق عليهم، علماً أنه لا يلغي هذا الحق في التعبير، لأنه حق دستوري.

وأوضح “شاهدنا في الفترة الأخيرة كيف أصبح التضييق على الموظفين الذين كانوا يعبرون عن آرائهم مثل ما جرى مع رئيس المكتبة الوطنية إيهاب بسيسو والذي تم إقالته، وكان هناك حالات وصلت إلينا من موظفين كان يتم لفت انتباههم بسبب تعليقات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان هناك حديث ودي مع موظفين شاركوا في مسيرات معارضة، ونوع من لفت النظر من المدير المباشر للموظف”.

ونتيجة لما أثير من جدل واسع حول إلغاء هذه المادة من مدونة السلوك، أصدر مجلس الوزراء عبر صفحته على الفيسبوك بيان صحفي مقتضب.

وأكدت رئاسة الوزراء في بيانها على أن كل ما يشاع حول تقييد حرية التعبير هو مجاف للحقيقة.

وشدد مجلس الوزراء على التزام الحكومة بضمان حرية الرأي والتعبير المكفولة بموجب القانون الأساسي والمواثيق والمعاهدات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين والقوانين والتشريعات الوطنية السارية.

كما أكدت أن الهدف من إلغاء المادة (22) من مدونة السلوك هو إزالة أي تعارض أو تقييد للحريات العامة.

لكن النائب السابق في المجلس التشريعي حسن خريشة شكك في نوايا مجلس الوزراء، قائلاً: “إن إلغاء المادة يقيد حرية الموظف في التعبير عن الرأي، وبالتالي هي محاولة لتكميم الأفواه في هذا الظرف الذي من المفترض أن يعلي الفلسطيني صوته، ويتحدث بصوت علني، وهي محاولة يائسة من مجلس الوزراء لتكميم الأفواه”.

وأوضح خريشة في حوار مع زوايا أن إلغاء المادة يكيل بمكيالين، مفسرا ذلك بالقول: “عندما يتحدث الموظف ضدهم (الحكومة) وينتقدهم يكون محظورا، ولكن في المقابل يتم إخراج الموظفين إلى الساحات والمسيرات للتسحيج والهتاف لهذا المسؤول أو ذاك.

وبالتالي يرى خريشة في قرار الإلغاء “تعد على الحريات ويتناقض مع القانون الأساسي، بغض النظر عن التفسيرات التي يمكن أن يقدمها مجلس الوزراء”.

وحول بيان مجلس الوزراء، قال خريشة وهو رئيس قائمة “وطن للمستقلين”، إنه محاولة لإظهار الأمر أنه لم يتغير شيء، لكنه شكل من أشكال المناورة عند مشاهدتهم لردود الأفعال.

وتابع أن هذا يأتي ضمن سلسلة من عمليات تكميم الأفواه ومنع الحريات العامة الذي يتناقض مع القانون الأساسي والاتفاقيات التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية.

وأفاد أن إلغاء المادة يأتي أيضاً ضمن سياق قانون الجرائم الإلكترونية، وحجب المواقع الإلكترونية وإغلاق بعض المحطات ووسائل الإعلام مثل “جي ميديا” مؤخراً، علاوة على الطريقة التي تم بها قمع المتظاهرين، وكلها تصب في خانة تكميم الأفواه.

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo