الحكومة الاسرائيلية.. الدوران حول الذات

الحكومة الإسرائيلية
الحكومة الإسرائيلية

حكومة الشلل

يبدو ان الحكومة الاسرائيلية الحالية بزعامة بينت تعيش(على كف عفريت) !! فهي تجد صعوبة كبيرة في تثبيت اقدامها وفي تمرير قراراتها في الكنيست نظرا للغالبية الهشة التي تتمتع بها.

صحيح ان الحكومة تجاوزت عقدة نتنياهو الذي جثم على صدر السياسية الاسرائيلية لعقد من الزمان, ورسخ نفسه كقائد حقيقي لليمين المتطرف, لكن رئيس الحكومة نفتالي بينت ووزير خارجيته لابيد ومعهم جدعون ساعر استطاعوا –وبصعوبة بالغة – ان يشكلوا حكومة, هي خليط ما بين اليمين والوسط واليسار, ومع ذلك فان بينت يحاول بكل قوة ان يثبت لليمين الاسرائيلي انه اكثر اخلاصا لهم والاقدر على تنفيذ مخططات اليمين خاصة في مجال الاستيطان وتهويد القدس وفي التشدد بتقديم أي تنازلات سياسية.

هناك جهات في الحكومة لا تتبنى مواقف اليمين, وتحاول الضغط على بينت من اجل الا ينجر الى مواقف الاحزاب المتدينة وقادة المستوطنين ولا يخضع لرغباتهم, وبهذا يجد بينت نفسه في موقف محرج يحاول فيه ايجاد حالة من التوازن بين  رغبته ان يكون زعيما لليمين ويلبي تطلعاتهم في البناء والتوسع وتغيير معالم القدس وبين حرصه الشديد على بقاء حكومته وعدم سقوطها, خاصة اذا علمنا انها يمكن ان تسقط بانسحاب أي حزب منها مهما كان عدد اعضائه في الكنيست.

ويشير الكثير من المحللين الاسرائيليين الى ان  حكومة بينت هي الحكومة التي ينطبق عليها أكثر من أيّ حكومة سابقة القول بأن سياستها الداخلية هي التي تحدد سياستها الخارجية، لذلك توصف بأنها الحكومة العاجزة عن اتخاذ قرارات مصيرية وحساسة بشأن التحديات الكبرى التي تواجهها اسرائيل سواء على مستوى معالجة الصراع مع الفلسطينيين او على المستوى الداخلي المتعلق بالتجنيد او موازنة الدولة او تمرير قوانين مثل قانون القومية العنصري.

هناك الكثير من الملفات الموضوعة على طاولة الحكومة بشكل دائم والتي تشكل هاجسا كبيرا لها وعاملا من عوامل الارباك , واهمها ملف ايران النووي وملف قطاع غزة وجنوب لبنان , كذلك التوترات التي بدأت تتوسع في الضفة الغربية وغياب أي افق سياسي مع الفلسطينيين.

التهرب من المواجهة السياسية

ان حكومة بينت لن تختلف كثيرا عن حكومة نتيناهو في التهرب من استحقاقات التسوية السياسية, وتسعى بكل قوتها للابتعاد عن هذا المسار الفاشل والعقيم وتنأى بنفسها عن تقديم أي تنازلات سياسية. وبالرغم من ان بعض قادة الحكومة يعتبرون انه من المهم جدا اعادة قطار التسوية السياسي الى السكة والى اعادة فتح العلاقات مع السلطة الفلسطينية وتجديد المفاوضات معها, الا ان ذلك يواجه عنتا ورفضا كبيرا من قبل قادة اليمين وبالاخص بينت الذي كان يعتبر دوما من اشد المعارضين لتقديم أي تنازلات سياسية .

ويصر بينت على ان الخطوط الحوراء لاسرائيل لا ينبغي تجاوزها والتي تتمثل في اعتبار القدس عاصمة لاسرائيل وان الضفة الغربية جزء منها وبالتالي لا مجال لإقامة دولة فلسطينية على اراضيها!!

كما ان بينت لا يتمتع بأي علاقة مع السلطة الفلسطينية, ولم يسبق له ان التقى ايا من القادة الفلسطينيين نظرا لمواقفه العدائية ضد السلطة , والخلاصة التي دعا بينت إلى الخروج بها هي أن (السلطة بتحالفها مع حماس تحولت إلى سلطة إرهابية ولذا من المحظور تقديم أي بوادر حسن نية لها دون عودة الجنود الأسرى في غزة والإلتزام بشروط الرباعية الدولية بما فيها الإعتراف بإسرائيل والتجرد من سلاحها).

كل المؤشرات تقول بوضوح انه لا توجد فرضة لتجديد المسار السياسي مع السلطة الفلسطينية بسبب الفروقات الكبيرة والهائلة التي تمنع الطرفين من الالتقاء في وسط الطريق او ايجاد قواسم مشتركة يمكن البناء عليها. احيانا تحاول السلطة الفلسطينية ايهام نفسها بأن لديها أن هناك بصيص أمل في ان حكومة بينت ليست كما حكومة نتنياهو وانها ستحاول اخراج العملية السياسية من غرفة الانعاش ومنحها شيئا من الدعم , وقد جرت بعض الاتصالات بين السلطة وزعماء الاحتلال مثل وزير الحرب بيني غانتس والذي حاول ان يظهر ان حكومته معنية بالتواصل مع الرئيس عباس وانها على استعداد للحديث عن تجديد المفاوضات السياسية.

من جهة ثانية تحاول السلطة من خلال علاقتها-المبتدئة – مع ادارة بايدن ان تمارس الضغط على حكومة الاحتلال من اجل تنشيط المسار السياسي ,وقد جاءت زيارات المبعوث الامريكي هادي عمرو الى الاراضي الفلسطينية لاستكشاف ما اذا كانت هناك فرصة حقيقية لتحريك ملف السلام .

وواضح ان الادارة الامريكية بزعامة بايدن خلصت الى نتيجة مهمة انه لا توجد فرصة حقيقية لاحراز أي تقدم سياسي بين الفلسطينيين والاسرائيليين, وانه ينبغي التركيز فقط على دعم السلطة الفلسطينية وتعزيز مكانتها ومعالجة الوضع الانساني في قطاع غزة.

وهذا ربما يريح حكومة بينت من التحلل من أي التزامات سياسية, لكنها قد تواجه موقفا امريكيا رافضا لتمدد الاستيطان او اجراء تغييرات في مدينة القدس او محاولة اضعاف السلطة او شن حروب عدوانية جديدة على قطاع غزة.

قد تبدو الامور معقدة امام حكومة بينت الضعيفة , وقد تساهم كل هذه الحقائق على بقاء هذه الحكومة في المنطقة الرمادية  يحول دون قدرتها على احداث تحولات جوهرية.

السلام أو الاستيطان

يعتبر الاستيطان أحد الدعائم القوية التي تستند اليها الحكومات الاسرائيلية في تعزيز مواقفها وكسب اصوات اليمين والاحزاب الدينية الصهيونية, وغالبا ما تبدأ الحكومات برنامجها السياسي بابراز دعمها لبناء المستوطنات ومنح المستوطنين امتيازات خاصة للسيطرة على اراضي الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية.

الحكومة الحالية بزعامة بينت , ورغم ضمها لعدد من الالوان السياسية وحتى العربية واليسارية منها, اصرت على تعزيز موقف اليمين بشكل عام من الاستيطان ودعمه بقوة واطلاق يد المستوطنين وفي توفير الحماية لهم من قبل قوات الجيش وفي الدفاع عنهم في التصريحات العامة.

وواضح ان حكومة نفتالي بينت تسير على نفس النهج الذي اختطه رئيس الوزراء السابق نتينياهو والتي قامت على اعتبار الاستيطان ركيزة من ركائز قوة وامن اسرائيل والخط الامامي في مواجهة أي حل سياسي قد يفرض على اسرائيل الانسحاب من اراضي الضفة الغربية.

ويعتبر الاستيطان العقبة الكبرى التي تواجه أي نشاط او حراك سياسي, فضلا عن ان هناك اجماعا دوليا يستند الى القانون الدولي بان الاستيطان غير شرعي بل وتعتبره الكثير من المنظمات الدولية جريمة حرب. لذا لا يتوقع ان تنجح حكومة بينت في الجمع بين مسيرة السلام والاستيطان, ولا بين نسج علاقة جيدة مع السلطة وبين المواقف المتشددة في موضوع القدس والسماح لليهود المتدينين باقتحامه.

غزة.. الحاضرة دوما

تعتبر غزة من العقبات الكبرى التي تقف في وجه استقرار حكومة بينت ..فهي تمثل نقطة احتكاك دائمة وعاملا من عوامل التوتر والمواجهة. وتحاول حكومة بينت ان تستغل فترة ما بعد معركة (سيف القدس) والتي خسرت فيها اسرائيل سياسيا وعسكريا واعلاميا , وترمم ما تبقى لها من سمعة امام المحافل الدولية. وواضح ان حرب الاحد عشر يوما كشف الكثير من خدع (الماكياج) الاسرائيلي أمام الرأي العام والتي تمثلت بان اسرائيل هي القوة التي يمكن الاتكال عليها في مواجهة حركة حماس او في القدرة على تحقيق انجازات عسكرية او في توفير حماية لمواطنيها ومؤسساتها من ضربات المقاومة.  وتحاول اسرائيل تجاوز عقبة فشلها من خلال سياسة الانتقام من قطاع غزة وتشديد الحصار عليه ومنع وصول المساعدات والمواد الاساسية , وهي تظن بذلك انها يمكن ان تلوى ذراع المقاومة الفلسطينية وترغمها على التسليم ببعض شروطها. لكن واضح أن هذا الاسلوب الذي جرب عشرات المرات, ومن قبل حكومات متعاقبة, لم يحقق شيئا يذكر, بل العكس حيث تطورت قدرات المقاومة الفلسطينية بشكل مبهر ونجحت في توجيه ضربات في عمق دولة الاحتلال وفي ارباك حساباته.

حكومة بينت تدرك جيدا – ورغم التهديدات التي تطلقها من حين لاخر ضد قطاع غزة- انها لا تستطيع ان تشن حربا على القطاع في ظل استنادها الى غالبية هشة جدا يمكن ان تطيح بها بسرعة البرق, وفي نفس الوقت لا تستطيع فرض العقوبات على غزة لامد بعيد خشية اندلاع مواجهات جديدة.

سيبقى قطاع غزة شوكة في حلق دولة الاحتلال ومشكلة دائمة للاحتلال باعتباره يمثل رمز المقاومة ونقطة احتكاك وساحة للمواجهة, ولن تستطيع حكومة بينت انهاء هذه المشكلة ما لم ينجز اتفاق سياسي أو هدنة طويلة الامد.

الدوران حول الذات

لن تخرج هذه الحكومة الاسرائيلية من دوامة المتناقضات التي تحيط بها من كل جانب, خاصة اذا ادركنا ان نتنياهو يحاول جاهدا ان يضع العصي في دواليب الحكومة وان يزرع الشوك في طريق بينت, واذا علمنا ان أي حصوة صغيرة قد تطيح بالحكومة , وهذا ما يدفع بينت الى السير بحذر شديد ومراعاة حلفائه في الائتلاف الحكومي.

وهذا الامر يستدعي ان يستغل الفلسطينيون اللحظة السياسية لاعادة ترتيب اوضاعهم الداخلية والخروج من معضلة الانقسام وتعزيز وجودهم السياسي امام حكومة اسرائيلية ضعيفة وعاجزة.

المصدر : كتب لزوايا
atyaf logo