سهى… سفيرة فوق العادة

جنازة سهي جرار
جنازة سهي جرار

سهى جرار، الشابة المفعمة بالحياة، والباحثة في قضايا البيئة وحقوق الانسان وهو التخصص الذي اختارته لنيل درجة الماجستير، وذات السيرة الحافلة في الابحاث والأوراق الدراسية العلمية التي توثقها مؤسسة الحق التي تعمل بها منذ سنوات، ونتيجة لفرادة تخصصها واهتماماتها فقد كان لها مشاركة في عشرات المؤتمرات والندوات والاحداث المتخصصة عربياً ودولياً، حتى باتت عنواناً وسفيرة لفلسطين في هذا الحقل.

رحيل سهى المفاجئ والمفجع في هذا السن المبكر، وظروف اسرتها المشتتة قسراً، بوجود والدتها المناضلة خالدة رهن الاعتقال الرابع لها في سجون الاحتلال، وموقعها ومواقفها تجاه القضايا الوطنية والديمقراطية، وبمسيرة والدها غسان الحافلة بالعطاء والتضحية، وميزات شخصيته ومكانته، وبتميز الشقيقة الأكبر يافا في تخصصها وفي دورها الوطني ونشاطها الواسع والمتعدد الأوجه في كندا، كل هذا فتح موجة من التضامن الدولي الواسع مع الفلسطينيين، والازدراء للاحتلال وممارساته العنصرية، خاصة بعد ان رفض الافراج المبكر عن والدتها، او حتى تمكينها من القاء نظرة وداع على ابنتها، وباتت الجملة التي ختمت بها الأسيرة خالدة رسالتها في وداع ابنتها ” لقد حرموني من وداعك بقبلة، اودعك بوردة” تتردد في كل مكان، وأصبحت مقولة تلخص القضية الفلسطينية، وواقع الصراع بجوانبه المختلفة.

هذه الظروف جعلت من رحيل سهى حدثاً تجاوز كونه وفاة طبيعية لشابة، الى حدث انتج اهتزازات لا بد من تلمسها والتوقف عندها، ليس فقط اكراماً لسهى وعائلتها، بل لاهميتها واهمية استقرائها والافادة منها.

فقد جاءت الحملة والتدخلات متعددة الاطراف والاتجاهات والمحافل، والتي سعت لاطلاق مبكر لسراح خالدة، أو تمكينها من المشاركة في التشييع او القاء نظرة الوداع على ابنتها ، لتستجلب تعاطفاً وتأييداً واسعاً للقضية الفلسطينية، وقضية الأسرى خصوصاً، من بوابة هذه الفاجعة، وخلال اليوم الفاصل بين الاعلان عن الوفاة وتشييع الجثمان، بدا وكأن روح سهى تجوب العالم لتقدم برهاناً اضافياً غير قابل للنقاش على وحشية المحتل وانعدام أي سمة انسانية له، ولتكشف زيف رواية طالما سعى الاحتلال لتجميل وجهه بها، حتى وصل ذلك الى داخل برلمان كيان الاحتلال وتجلى في الكلمة المؤثرة التي قدمها عضو الكنيست عوفر كسيف، وبعض المقالات والتقارير التي كتبت في صحيفة هارتس العبرية.

وبامتداد الحملة الى الساحة الدولية، بما شمل الصحافة العالمية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرين فيها، وبكل لغات العالم، فقد سجل المؤيدون لفلسطين اهداف متتابعة فشل الاحتلال في صد أي منها عن مرماه، وفي هذا السياق فقد كانت الفكرة اللامعة التي قدمها أحد المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال اجراء مقارنة بين صورتين، الأولى جمعت باب الفاتيكان مع الرئيس الأمريكي المنصرف دونالد ترامب عام 2017، ويظهر فيها البابا عابساً، والثانية جمعت البابا مع الراحلة سهى وهي تقدم له الكوفية الفلسطينية، ويظهر فيها البابا مبتسماً وفرحاً.

وجاءت المقرنة توكيداً على الادوار التي لعبتها سهى في الساحة الدولية ومدى تأثيرها وقدرتها على جلب التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية.

الى جانب ذلك فقد اعاد التشييع المهيب لسهى، بحجم المشاركين، وتنوعهم من حيث العمر والجنس، وتعدد المناطق التي جاؤا منها والتي شملت كل ارجاء فلسطين التاريخية، وبتعددية انتمائاتهم الفكرية والسياسية، وهو ما تكرس وتكرر أيضاً في بيوت العزاء، جاء كل هذا ليعيد استحضار قيم الأصالة والتعاضد الاجتماعي والتوحد العاطفي للشعب الفلسطيني، وهي القيم التي تخبو احياناً لدرجة تدفعنا للاعتقاد بانها قد انعدمت، لكن نبش تراب لحد سهى قد كشف عنها من جديد، واعادت لها البريق الدموع الغزيرة التي ذرفت من الرجال كما النساء.

وكان لوسائل الاعلام، الفلسطينية خاصة، التي افردت حيزاً واسعاً لمختلف جوانب القضية وتفاعلاتها، بما في ذلك البث المباشر لتلفزيون فلسطين لمراسم التشييع وكلمات التأبين ونهر الدموع المنهمرة، وافراد جزء من الأثير الفلسطيني الموجه للسجون لحمل رسائل التعزية والتضامن مع خالدة، أضافة الى تظهير مقولتها التي وردت في رسالتها الأولى ( حرموني من وداعك بقبلة، أودعك بوردة)، الى أن أصبحت تتردد في أربعة أرباع الأرض.

بهذا، وأن كانت سهى تستحق في حياتها لقب سفيرة فلسطين لقضايا البيئة وحقوق الانسان، الإ انها بعد رحيلها وما احدثه هذا الرحيل من تفاعلات، باتت تستحق لقباً أرفع، سفيرة فوق العادة.

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo