هل يمكن إنهاء الحصار، وهل نريد حقا؟

طلاب فلسطينيون يرفعون لافتات خلال احتجاج ضد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة
طلاب فلسطينيون يرفعون لافتات خلال احتجاج ضد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة

لم يعد الانقسام السياسي الفلسطيني انقساما حزبيا وجدلا في الحياة السياسية فقط، بل بات انفصالا شبه كلي، من مستويات الدخول والناتج ومؤشرات الاقتصاد كافة وحجم الموازنات، واختلاف البنى المؤسسية بشكل معتبر وكذلك الروابط المالية العامة والبنى البيروقراطية، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى إن هذا الفصل بات مستداما ومن أهم مؤشراته تعايش كل طرف على أخطاء وبقاء القطب الآخر، أي أن القطب السياسي يعيش على تناقضه مع الآخر وعلى أخطاء هذا الآخر، ولو لم يوجد هذا الآخر لباتت متطلبات بقاء احد الأقطاب أعمق واكبر، مما يترتب عليه بقاء الانقسام واستدامته وكذلك الحصار كأهم إفرازات هذا الانقسام والاستقطاب السياسي الحاد بين الأحزاب السياسية. ومن ناحية ثالثة فإن هذا الاستقطاب السياسي الحاد بين الحزبين الاوحدين لم يبق أي مكونات سياسية أو نقابية أو مجتمع مدني مؤثرة وإنما تم تجييرها جميعا، بقوة السلطة السياسية والأمنية والمالية، لتدور في فلك أحد هذين الحزبين. وأخيرا إن أبناء الخطيئة الكبرى (ملفات الانقسام المعضلة) باتوا أكبر من أن يحملهم أو يتحملهم آبائهم، فلا بد من تجاوز هذه الخطايا لرفع الحصار ولو تجاوزها مؤقتاً.

وبعد هذا التشخيص السريع لحال الانقسام يظهر لدي أن رفع الحصار لا يكون إلا عبر تحقيق متطلباته من تسهيل حركة السلع وعوامل الإنتاج مع التعايش مع خطايا الانقسام بل الانقسام ذاته، هذا من ناحية، وفي ظل التحول المصري المفاجئ والداعم تجاه حقوق القطاع ومتطلباته الأساسية، فإن تطبيق اتفاقية على غرار اتفاقية "الرورو" بين السلطة الفلسطينية والجانب المصري لتزويد مناطق السلطة الفلسطينية بمسار، ثابت ومحدد ومتفق عليه بين الجانبين وبوضوح حول العوائد والحقوق لكل طرف، يضمن تدفق حركة السلع النهائية والوسيطة وعوامل الإنتاج والأفراد ذهابا وإيابا وتصديرا واستيرادا، وبنفس الإطار الجمركي السائد والمتفق عليه مع إسرائيل وضمن إطار اتفاقية 2005 لمعبر رفح.

إن إنشاء خط تنقلات للشاحنات والحافلات والمركبات دون توقف أو تنزيل أو تحميل من معبر رفح لكل من السويس وبورسعيد مثلا، لتجاوز رفع كلفة النقل عبر استبعاد قناة السويس، ومن ثم إلى العالم الخارجي عبر الشحن البحري والطيران الجوي بعوائد ورسوم ثابتة للجانب المصري ودون الاستفادة من سلعه المحلية كالوقود وغيرها إلا ضمن إطار التجارة مع مصر شأنها شأن بقية العالم الخارجي.

إن ذلك يضمن حرية التصدير والاستيراد لكافة السلع ومدخلات الإنتاج لبقية العالم بما يضمن حرية عمل القطاعات الاقتصادية بالقطاع من خلال تحييد القيود الإسرائيلية غير القانونية وغير الملتزمة بالاتفاقات بين الجانبين.

كما أن تسهيل حركة الأفراد ضمن اتفاقية المعابر بسيطرة تامة من السلطة الفلسطينية يسهل توفير الحقوق الإنسانية الأساسية للأفراد بالتنقل لأغراض العلاج والتعليم والرفاه من ناحية، ومن ناحية أخرى يسهل بيسر تصدير خدمات العمل للخارج كالخليج مثلا.

إن اتفاقية الرورو هي لمصطلح Ro-Ro هو اختصار لـ Roll-on/Roll-off والتي تعني سفن الدحرجة، والتي طبقت في العديد من الحالات منذ الحرب العالمية الثانية، لتسهيل حركة النقل البحري الذي يشغل 90% من حجم التجارة العالمية، والتي يمكن البناء على هكذا اتفاقية وتطويرها لتخدم حالة رفع الحصار وتطوير العلاقات الفلسطينية العربية والمصرية خصوصا.

إن خلق مثل هذه الاتفاقية حق قانوني ومكفول دوليا للسلطة الفلسطينية حتى في إطار المرحلة الانتقالية وحسب الاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، ولا تمنع هكذا اتفاقية من استمرار عملية الحركة والتجارة مع إسرائيل وعبرها حسب الحاجة الفلسطينية.

إن هكذا خطوة تعتبر أساسية وجوهرية في طريق إنهاء الانقسام الفلسطيني والانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال والتأسيس لشراكات دولية مع الاقتصاد الوطني، بل ونواة لمستقبل اقتصاد فلسطيني قوي.

إن التزام السلطة الفلسطينية بالإطار الجمركي والضريبي المعمول به مع هامش التغيير المسموح حسب اتفاق باريس، الساري المفعول حتى الآن للأسف، والعمل حسب الاتفاق المتعلق بالمعابر يبقي مسؤولية الاحتلال على القطاع كأرض محتلة خاضعة لاتفاقيات الحكم الذاتي، مما يجابه رغبة العديد من الأطراف بفصل القطاع والذي يخدم بدوره "حل" اقتصادي للقضية الفلسطينية.

إن حركة التجارة عبر هكذا اتفاق يمكن أن تخدم المصالح التجارية للمناطق الفلسطينية ككل بما فيها الضفة الغربية.

إن مثل هذا الاتفاق يعزز مسار طريق الحرير الذي يمر بالقطاع حسب المشروع الصيني مما يلقى دعما دوليا مستقبلا.

إن إنشاء ميناء فلسطيني مستقبلا حتى في ظل إطار الحكم الذاتي وهو ما يمكن أن يتحقق في ظل رفع الحصار عبر هكذا آلية، سوف يعزز مستقبلا مرور البضائع عبر المناطق الفلسطينية من ميناء غزة وعبر المتوسط إلى الخليج مثل البضائع التركية والأوروبية مما ينعش فلسطين اقتصاديا ويعزز فرص الاستقرار.

إن قبول سلطة الأمر الواقع بتولي السلطة أمر المعابر والإعلان عن السماح بتطبيق الاتفاقات التجارية والمعابر بسلاسة ودون قيود، مع قيام السلطة الفلسطينية بالإنفاق العادل على القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم والخدمية والبنى التحتية بالقطاع، يحقق مكسبا وازنا في رفع الحصار عن القطاع وهو أمر معتبر للكل الفلسطيني.

إن ما يلزم بالضرورة لتطبيق هكذا رؤية هو إرادة فلسطينية سياسية والتي تعتبر شرطا ضروريا لتحقيق إرادة عربية لذلك، فهل نسعى حقا كفلسطينيين حقا لإنهاء الانقسام أم أننا نعتاش عليه.

بقلم: د. محمود صبرة 

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo