أعلم ضيق الحال الذي يكبل النفوس، ويؤلم الأجساد أشد الألم، فأنا ابن هذه البلاد وأعي تمامًا ما يدور في البال، وتصدره الجيوب الفارغة من طنين، وما تخفيه الابتسامات من قلق السؤال والجواب.
كيف حالك .. الحمد لله تمام الله يسلمك.
سلمنا الله جميعًا وربط على قلوب من فقدوا أحبتهم، ومنازلهم، وذكرياتٍ ما زالت منتصبة أمام الخاطر لا تبرح حتى تأتي الدموع على أبواب العين تطرقها.
قبل شهور جاء عيد الفطر، وكان فيه الفقد، كان نزفه عظيمًا، وما زال الجرح مفتوحًا، والقهوة المُرَّة تختصر الحزن والكلام، وها هو الأضحى يأتي، والأيام تفرض جدولها الخاص، لتؤهلنا للحياة العادية، تلك العادية التي أصبحت طموحنا وأملنا.
هذا عيد الله، شعيرة من شعائر الدين، دعوة للفرح وإن كان على استحياء فهو مطلوب لشحن بطارية الصمود التي ما فتئ الساسة يفرغونها بشعاراتهم الجوفاء، وكذبهم المفضوح، ومعيشتهم المُرفهة على حساب الناس وسنين الأمل المسلوبة من أعمارهم.
لم أرد للسياسة أن تتسلل إلى هذا المقال، لكن حياتنا كلها معجونة بالسياسة، وما الأعياد إلى أيام من حياتنا، هو عيد وكل عيد ونحن أحرار من دواخلنا، أحرار بقدر ما فينا من تصميم على الفرح، والرغبة فيه، واستحضاره من أصغر الأمور.
هذه دعوة لنا لنصنع انتصاراتنا الصغيرة الحقيقية، لنساعد فيها بعضنا كي نخطف من الزمان لحظات تُحسب لنا، تُنسب لإرادتنا، فلنُعايد بعضنا، وليُهادي الأخ أخاه، وأخته وأبواه وجيرانه بالكلام الطيب، والزيارة الخفيفة الحلوة، دعونا نتحرر من فكرة الخجل من عدم الذهاب لمعايدة محارمنا لأننا لا نملك المال من أجل "العيدية" هي حلوة لا شك وتُدخل على نفوس الإناث والأطفال البهجة والسرور، لكنها ليست أهم من زيارتك، ومعايدتك، وسلامك الدافئ على أختك، وابنتك وأحفادك.
فإذا نويت الزيادة، فافعلها على أكمل وجه، اجعلها زيادة كاملة خفيفة على القلب، خُذ جسدك كله واجلس به في بيت ابنتك وأختك، واسترح من المشوار بكأس العصير الذي يقدم لك، لا ترفضه، وحاول أن تعطي الزيارة وقتها المعقول فالعيد أيام ثلاثة وليس ساعات قليلة.
فأرجوك لا تزر من باب الواجب، كي لا تُستقبل من باب الواجب، فتكون الزيارة كلها بلا معنى، و لا تُسلِّم من خارج الباب، أو تدخل على عجلٍ وترفض خلع حذائك بحجّة الاستعجال، وأن لا وقت أمامك، وكأن بواخرك تنتظر في الميناء، أرح قلبك، لا ميناء لنا، وكل الوعود بتشغيلها كانت ضحك على الدقون، مثل الزيارات السريعة المسلوقة التي يقوم بها البعض!
لا تجعل أختك أو ابنتك تستحث جلوسك، أو تلح عليك أن تنتظر كي تصنع لك الشاي، أو تعد لك القهوة، اجلس، واخترع القصص كي لا تترك مجالًا للصمت، فإن استحثتك الحبيبة مرّة تلو أخرى، فلن تفعلها في المرّات القادمة، وإن فعلتها ستكون من باب رفع العتب!
لا تجعلوا النساء تشعر أنكم تزورون مغصوبين، هذا الأمر يجرح الفؤاد، فهن المتسترات خلف الأبواب وستائر الشبابيك ينتظرن رائحة الأب، وطلّة الأخ ليستقبلنه بالابتسامات العذبة وحبات الحلو التي سوف تلح عليك بأن تأخذها منها – خذها، وإياك أن ترفضها.
دعها تلاطف ملابسك، تأخذ معك صورة، توشوش أذنك تمسك بذراعك أمام أهل زوجها، هي لا تقصد الوشوشة هنا بالضبط، بل تقصد أن تقول بعيونها: "شايفين هاد أخوي، أبوي، عزوتي، حبايبي، شايفين قديش بيحبوني"!
لا تحرموا النساء من التفاصيل الصغيرة التي لا تكلف شيئًا، لكن مردودها على النفس عظيم، فهونوا عليهن بالتلطف، واطمئنوا عليهن باستمرار، واسألوهن عن الأحوال والأزواج والمعاملة، فالأصيلات لا يتحدثن إلا إذا سؤلن بإلحاح، فاسألوا بإلحاح طيّب الله قلوبكم.
وكل عام وأنتم بخير، وهنّ مُزينات بالحب والفرح والضحكات. والطمأنينة تسكن قلوبهن العامرة بالحب وانتظار، والكثير من الأمل، كل عام وهن عصفورات القلب ومهجة الفؤاد.