تقرير "المنصات الفلسطينية".. دور رقابي محدودٌ يهدده قمع السلطات و"الذباب الإلكتروني"

قمع مظاهرات.jpg
قمع مظاهرات.jpg
  • مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بغزة جميل سرحان: منصات التواصل جهة رقابية وتعمل على المساءلة وفضح الانتهاكات المختلفة.
  • الصحفية نائلة خليل مديرة صحيفة "العربي الجديد" بالضفة: منصات التواصل تعمل على إثارة القضـايا إعلاميًا لبضعةِ أيام، لكنّها لا تصل حدّ "المحاسبة والمساءلة" للفاسدين.
  • الإعلامي فتحي صباح: السلطات في غزة والضفة تضربان بعرض الحائط العديد من القضايا ولا تعيران اهتمامًا كبيرًا للرأي العام.

يعيش الفلسطينيون تحتَ سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحكومة حماس في قطاع غزة، ومع تعطل الانتخابات الفلسطيني وغياب المساءلة والمحاسبة الرسمية، ومع انتشار "منـصات التواصل" واتساعها، تستطلع "زوايا" آراء حقوقيين وصحفيين مختصين حول دور "منصات التواصل" في إثارة القضايا الفلسطينية العالقة، وإلى أي حدٍ بإمكانها محاسبة الفساد ومراقبة أداء السلطات، وما أبرز المعيقات التي تواجهها المنصات لتحقيق ذلك؟

سلطة رابعة ودور رقابي

من ناحيته، قال مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في قطاع غزة جميل سرحان أنه ليس بمقدورِ أحد أن يؤدي دور المجلس التشريعي وفق القانون، مشيرًا إلى أن الإعلام بأشكاله المتعددة بما فيه "منصات التواصل" تعتبر جهة رقابية وسلطة رابعة بعد السلطات "التنفيذية والتشريعية والقضائية"، وتعمل على المساءلة وفضح الانتهاكات وتنظيم حملات المناصرة وتعديل القرارات.

وبين في حديثه لـ "زوايا" أن غيابَ المجلس التشريعي الفلسطيني أدى إلى تأدية الجهات التنفيذية والحكومات والرئاسة أدوارًا دونَ رقيبِ من جهة منتخبة، مؤكدًا أن غيابه يلغي التصحيح والمساءلة وتصويب الأخطاء ولا يصون الحقوق والحريات.

وللمجلس التشريعي مهام في غاية الأهمية قانونية ومجتمعية، أولها سن التشريعات، مشددا على أن غياب المجلس أعطى الفرصة للجهات التنفيذية لإصدار تشريعات وقرارات بقانون، بما شكل "النظام الفردي" الذي يخالف الديمقراطية، كما تحدث "سرحان".

وشدّد على ضرورة إجراء الانتخابات الفلسطينية وانتخاب المجلس التشريعي، وإتاحة الفرصة للشعب الفلسطيني أن يختار ممثليه للرقابة على أداء السلطات في حال ارتكابها الأخطاء.

أداة رقابة شعبية

وتؤدي وسائل الإعلام بشكلٍ عامٍ دورًا مهمًا كأداة رقابة شعبية على أداء السلطات المختلفة، وعلى وجه الخصوص منها "منصات التواصل الاجتماعي"، كونها متاحةً لكل المواطنين، وأظهرت فعالية في الرقابة وتغيير سلوك الجهات الحاكمة وحققت نجاحات عديدة، كما جاء في حديث الإعلامي فتحي صباح لموقع "زوايا".

ولفت "صباح" إلى أنه على صعيد الصراع مع الاحتلال، فقد أثبتت شبكات التواصل أنها أداة مهمة في نقل وإيصال الرواية الفلسطينية إلى العالم بعدة لغات، وقد أدى هذا لتقدم الرواية الفلسطينية وتراجع الرواية الإسرائيلية.

أما على الصعيد الداخلي، فيبين "صباح" أنّ منصات التواصل الاجتماعي ليست بديلًا عن المجلس التشريعي، ولا عن أي جهةٍ رقابية أخرى مثل "ديوان الرقابة المالية والإدارية" على السلطة التنفيذية، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ومؤسسة أمان"، متفقًا مع ما ذهب إليه الحقوقي "سرحان" بهذا الصدد.

وأوضحَ أن منصات التواصل تراقب السلطات الثلاث "التشريعية والتنفيذية والقضائية" وكل مناحي الحياة المجتمعة، معتقدا أنها أدت دورًا مهمًا وبارزًا في قضايا متعلقة بحكومة الضفة أو غزة.

ضغوطات مثمرة

وبيّن أن هناك العديد من القضايا في قطاع غزة، تم التعاطي معها حكوميًا بعد نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، منها المنح المقدمة إلى بناء مساكن للمواطنين، وتحقيقات صحفية عديدة، منها التحقيق الاستقصائي للصحفي محمود هنية عن قضية فساد الصيد في حوض الميناء، و"تقاسم الغلة" بين الشرطة البحرية والصيادين الفاسدين.

ويُذكر أن الصحفي محمود هنية من غزة، قد نشر تحقيقًا استقصائيًا حول الصيد في ميناء غزة، في الرابع من أكتوبر/ 2018، بعنوان "الصيد الممنوع في حوض الميناء.. من يتقاسم الغلة!".

وقد لاقى التحقيق حالة من النقاش والجدل عبر "منصات التواصل"، حيث عبر المتفاعلون عن غضبهم تجاه القضية والتحقيق الاستقصائي، الذي يكشف فسادا في الشرطة البحرية في غزة.

 

سلطات لا تعير اهتمامًا للرأي العام

ولفت إلى أن دور منصات التواصل يكمن في إصلاح منظومة الفساد وتصويب الأخطاء المرتكبة، وبدرجة أساسية تسليط الضوء على القضايا التي تهم الرأي العام في قطاع غزة، مبينًا أن العديد من القضايا تم اتخاذ إجراءات حولها بناءً على ما نُشر، وتم ملاحقة المتهمين والمقصرين ومحاكمتهم وتشكيل لجان تحقيق.

لكنه يعتقد أن السلطات في غزة والضفة لا تتحرك كما ينبغي نحو الإصلاح والمساءلة والمحاسبة في عشرات القضايا، بل قال إنهما "لا تعيران اهتماما كبيرا للرأي العام".

واستدل على ذلك بأزمة الانقسام المستمرة منذ سنوات عديدة والتي أضرت بالفلسطينيين، رغم مطالبة الجميع بإنهائه وإنجاز الوحدة الوطنية، إضافة إلى أن الحكومات تصم آذانها حول قضايا متكررة مثل "الواسطة، والإهمال والأخطاء الطبية، واعتداءات الشرطة على المواطنين، واستدعاء الصحفيين واستجوابهم وترهيبهم على خلفية منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي".

ووفق صباح فإن السلطات في غزة والضفة تحاول الحد من تأثير "منصات التواصل"، عبر عمليات الاستدعاء المتكررة للصحفيين على خلفية منشوراتهم التي تصل إلى الآلاف وبسرعة كبيرة.

ويرى "صباح" أنه لا أحد يستطيع إجبار الحكومات في غزة والضفة على اتخاذ إجراءات استجابة للرأي العام، وأن الحكومات تعتبر الكتابة جزءا من التنفيس الشعبي، وأن الكتابة دون النزول إلى الشوارع، الذي قد يصطدم بقمع الأجهزة الشرطية، غير كافية لتلبية المطالب الشعبية.

شروط نحو فعالية أكبر

وهناك شرطان أساسيان لتفعيل رقابة "منصات التواصل" وجعلها أكثر تأثيرًا وقوةً على صناع القرار، كما ذكر "صباح"، أولهما: تمتع النشطاء بالمصداقية المطلوبة والتحقق من نشر الأخبار والأحداث قبل نشرها وتفادي الأخبار الخاطئة والإشاعات، واستخدام أدوات التحقق الصحفية والابتعاد عن الشائعات، ويساعد في ذلك منح السلطات حق الوصول إلى المعلومات كباقي دول العالم. لافتًا إلى أن المواطن الفلسطيني في عام 2021 وليس له الحق في الوصول للمعلومات من مصادرها الحقيقية.

وتابع " الشرط الثاني، هو التعامل بموضوعية مع القضايا المنشورة بعيدًا عن الانتماءِ السياسي أو الاصطفاف السياسي وخدمة أجندة أخرى، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الناشطين ينتمون لأحزاب سياسية ويناكفون دفاعًا عن طرف ضد طرفٍ آخر.

وفي هذا الصدد، شهدت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلا وجدلا كبيرا حول وفاة المعتقل في سجون غزة شادي نوفل، وتباينت الآراء حول ذلك، وبرزت محاولات استغلال الحدث لأجندات سياسية، خاصة عقب مقتل الناشط نزار بنات خلال اعتقاله من الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية.

وهنا يوضح "صباح" وجهة نظره بالقول: "أنا أثق في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، كأداة رقابية وهي تتبع للدولة الفلسطينية بقانون منظم ولا تخضع للرئيس، وأؤمن بقراراتها وتضم نخبة من الحقوقيين والشخصيات الوطنية والاعتبارية على مستوى عالٍ جدًا، وبما أنها قالت إن وفاته جاءت بسبب طبيعي، فإني أتبنى رؤيتها، ولو قالت غير ذلك لتبنيت قرارها".

محاولات لا تتعدى الإثارة والضغط

من جانبها، قالت مديرة صحيفة العربي الجديد في الضفة الغربية الصحفية نائلة خليل، أن وسائل الإعلام نجحت في إثارةِ قضايا مهمة في الضفة الغربية مثل "اللقاحات والتعديلات القانونية بموجب مراسم رئاسية، والتعيينات خارج القانون.."، واستطاعت أن تضغط نحو إثارة المؤسسات الحقوقيـة والرأي العام نحو هذه القضايا.

وبينت في حديثها لـ "زوايا" أن "منصات التواصل" تعمل على إثارة القضـايا إعلاميًا لبضعةِ أيام، لكنّها لا تصل حدّ "المحاسبة والمساءلة" للمسؤولين، وأن يترتب عليها محاسبة حقوقية للفاسدين والمخالفين للقانون.

وبشأن قضية "لقاحات فايزر"، التي أثارت الرأي العام الفلسطيني، قالـت الصحفية "خليل": "كان الضغط عبر منصات التواصل كبيرًا بشأن قضية اللقاحات، لأنّ الأمر تعلق بصحة الناس وتمسهم بشكل مباشر".

وأحدثت قضية "صفقة اللقاحات" ضجة كبيرة عبر "منصات التواصل" استمرت لأيامٍ طويلةٍ.

بوستات على مواقع التواصل الاجتماعي[/caption]

أما بشأن قضية مقتل الناشط "نزار بنات"، فوصفت "خليل" ردود الفعل بـانها "الأقوى" عبر المنصات، ولا سيما من عائلته وصحفيين ونشطاء عديدين، أما الأناس العاديين فكانت هناك حالة من خشية الرقابة الأمنية".

ولقد أثارت قضية "بنات" ضجّة كبيرة وتفاعلًا واسعًا عبر "منصات التواصل".

وأكدت "خليل" أن انتشار الصور عبر "منصات التواصل" من ضربٍ للمتظاهرين المنددين لقتل "بنات" ومظاهر القمع والسحل، دفعت أمامًا باتجاه إثارة قضية مقتله لدى الرأي العام".

واتفقت "خليل" مع ما ذهب إليه "صباح" بأن السلطات الحاكمة لا تكترث للرأي العام ولا يهمها الشارع، مستدلة على ذلك "باستمرار القمع بحق النشطاء والصحفيين، والتي كان آخرها ما جرى أمام مركز توقيف "البالوع" بمنطقة البيرة على يد الأجهزة الأمنية في الضفة".

ومن معيقات اتساع تأثير "منصات التواصل"، وفق الصحفية "خليل"، حملات التبليغ التي يشنها "الذباب الإلكتروني" ضد صفحات المؤثرين بهدف الحد من تأثيرها والإفلات من الرقابة والمساءلة، لا سيما أن نظام التبليغ "فعال".

كما أن ضخ "منصات التواصل" العديد من المعلومات غير الدقيقة والمضللة لـ "أهداف سياسية"، أدى للحد من فعاليــة "منصات التواصل"، كما ذكرت "خليل".

وتفتقرُ الأراضي الفلسطينية إلى تشريعات تمكن وسائل الإعلام ومنها "منصات التواصل" من إخضاع الحكومة والأحزاب السياسية وغيرها من الأطراف الفاعلة للمساءلة، فيما تعد القدرة على الوصول إلى المعلومات، وإقامة علاقة تكاملية بين وسائل الإعلام الاجتماعية والتقليدية، خطوات بالغة الأهمية كي تؤدي دورًا في تعزيز المساءلة ومحاربة الفساد.

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo