من جديد يعود رئيس الوزراء الأسبق د. سلام فياض إلى الواجهة بعد لقائه الرئيس محمود عباس، وزيارته لقطاع غزة، حاملاً مبادرة من شأنها تحقيق المصالحة الداخلية.
لكن علامات استفهام تدور حول هذا الحراك بعد نفي حركة فتح أن يكون الرئيس قد كلف فياض بزيارة غزة ولقاء حركة حماس، إضافة إلى اعتذار قائد حماس في غزة يحيى السنوار عن مقابلته، فيما عاد فياض إلى رام الله دون تصريحات حول فحوى اللقاء الذي جمعه مع ممثلين عن حماس والفصائل.
يذكر أن فياض ترأس وزارة المالية في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومن ثم تم تكليفه من قبل الرئيس محمود عباس في 15 يونيو 2007 بتشكيل حكومة عقب الانقسام، إلى أن قدم استقالته في أبريل 2013، إثر خلافات على سياسة الحكومة مع الرئيس.
وتلى ذلك، تعرض فياض إلى حجز أجهزة السلطة الفلسطينية على أموال مؤسسة "الغد" التي يديرها.
ومؤخراً، التقى فياض الرئيس عباس في مقر المقاطعة دون إعلان رسمي، وبعد تسرب الخبر، أوضح رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم بحركة فتح منير الجاغوب أن الزيارة ليس لها أي مدلول سياسي، ولم تخرج عن العلاقة الشخصية بين الرجلين.
لكن محللين وقياديين رأوا أن اللقاء الذي جمع فياض بالرئيس عباس لم يكن شخصياً، وإنما جاء بناء على رؤية يحملها فياض للخروج من المأزق الراهن، حيث تعيش السلطة الفلسطينية وحكومتها بقيادة اشتية أزمة مالية وشعبية، وكذلك قطاع غزة الذي ينتظر إعادة الإعمار بعد العدوان الإسرائيلي الذي استمر 11 يوماً وخلف دمارا وخسائر هائلة في الأرواح والممتلكات.
يحمل رؤية موضوعية
الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، الذي التقى فياض خلال زيارته لقطاع غزة، أوضح أنه يحمل رؤية للخروج من المأزق، وصفها بأنها رؤية موضوعية، ولكن المعضلة في عدم جهوزية الأطراف في هذا الوقت للقبول بها.
وأشار عوكل، في حديث لـ"زوايا"، إلى أن السلطة في أزمة وملف المصالحة أيضاً في أزمة، والعلاقات الخارجية للسلطة في أزمة، حيث وجهت لها انتقادات كبيرة من الأمم المتحدة والولايات والاتحاد الأوروبي، والمسار السياسي الذي تحاول الولايات تحريكه في أزمة أيضا.
وتزايد الاحتقان ضد حكومة اشتية التي تراجعت ثقة الجماهير بها بسبب سياساتها، والتي كان آخرها تعاملها الفض مع الناشط السياسي نزار بنات والاحتجاجات التي حدثت على خلفية اعتقاله ومقتله من قبل أجهزة أمن السلطة، كما ذكر عوكل.
ورأى عوكل أنه وارد جداً أن يكون سلام فياض قادراً على إخراج الحالة من التوتر الذي تعيشه، سواء على صعيد العلاقات الداخلية (الانقسام)، أو العلاقات الفلسطينية الخارجية، ولذلك هناك حديث كبير حول احتمال حل حكومة اشتية وإسناد مهمة تشكيل الحكومة لفياض.
واستدرك عوكل، أنه قد يكون من الصعب تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة حركة حماس والآخرين، وفق الشروط الأمريكية والإسرائيلية الصعبة، لكن يمكن تأمين حكومة برئاسة فياض تكون مقبولة من جميع الأطراف، وبالتالي هناك حاجة لتغيير ما في الوضع الفلسطيني.
وعن حالة الاحتقان ضد فياض والمسيرات التي خرجت ضده أثناء توليه رئاسة الوزراء، نظراً لسياساته المالية وقطع رواتب موظفين من قطاع غزة، بحجة أنهم غير موجودين في القطاع، علماً أن فياض طلب منهم عدم العمل مع حكومة حماس التي كان يديرها إسماعيل هنية آنذاك في العام 2007، والجلوس في منازلهم مقابل راتب كامل وكأنهم على رأس عملهم، أوضح عوكل، أن الانتقادات لفياض في مرحلة من المراحل مؤكدة والجميع يدركها، مستدركاً أنه قياساً بالحكومات التي جاءت بعده (حكومة الحمدالله وحكومة اشتية) فإن فياض يقدم نفسه الأفضل نسبيا في إدارة الوضع، وأثبت أنه غير منحاز ولديه رؤية تحظى بثقة المجتمع الدولي.
وبشأن عدم استقبال قائد حماس يحيى السنوار لفياض، رأى عوكل أن حركة حماس لا تزال تعيش في مشهد نشوة الانتصار، ولا تريد أن تختصر الأمور بتشكيل حكومة برئاسة فياض أو غيره، بالإضافة إلى أن حكومة اشتية مأزومة حالياً ولا رغبة لحماس بالتخفيف عنها.
وأشار إلى أن رؤية فياض التي يحملها، لها علاقة بالمصالحة، والتوافق السياسي الممكن القائم على أساس موضوعي.
حماس ترفض استقبال فياض
النائب عن حركة حماس يحيى العبادسة، أوضح أن موقف حركة حماس من فياض، أعلنته وهو أن الأولوية ليست لتشكيل حكومة، وإنما لترتيب الشأن الوطني العام، مملا بمنظمة التحرير لتقود المشروع التحرري من الاحتلال الاسرائيلي.
وأضاف العبادسة في حديث لموقع "زوايا"، أن فياض كان جزءًا من الحكومة الحادية عشر، وانقلب على حركة حماس وعلى رئيس الوزراء في حينه اسماعيل هنية، وذهب لتشكيل حكومة بعيدا عن المؤسسة الفلسطينية والقانون الأساسي، والحكومة لم تأخذ شرعيتها من المجلس التشريعي، الذي ينص على ضرورة أخذ الثقة من المجلس لممارسة مهامها، ولذلك هو عمل خارج القانون.
وذكر العبادسة أن فياض جاء أصلا ضمن رؤية للانقلاب على الرئيس الراحل ياسر عرفات، إلى جانب أن تاريخه مرتبط بأجندات خارجية، ولذلك "هو لا يصلح من واقع التجربة السابقة"، على حد تعبيره، ضارباً المثل الشعبي: "الي بيجرب المجرب عقله مخرب".
وأكد النائب العبادسة على أن حركة حماس لم تستقبل فياض في قطاع غزة رسمياً، ولم تتعامل معه، موضحاً أن فياض طلب لقاء قائد الحركة يحيى السنوار وهو أمر لم يتم.
المطلوب استقالة حكومة اشتية الفاشلة
في ذات السياق، رأى النائب المستقل في المجلس التشريعي حسن خريشة، أن الأولوية الآن هي استقالة حكومة اشتية لأسباب كثيرة مختلفة، منها فشلها في تحقيق الأمن والكثير من القضايا.
وقال خريشة لـ"زوايا"، نحن بحاجة لحكومة جديدة، تكون وليدة انتخابات حرة ونزيهة، وما دون ذلك ستكون الحكومة نسخة مكررة عن الحكومات السابقة، التي لم تحظ بثقة المجلس التشريعي الذي تم حله من قبل رئيس السلطة.
وأضاف، أن فياض، هو جزء من حكومات جاءت سابقاً، حيث كان موجودا في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، تحت شعار الاصلاح، وأخذ صلاحيات المال والأمن، ومن ثم غاب عن الساحة، إلى أن جاء مرة أخرى بعد الانقسام عام 2007، وصنع شرخا عميقا داخل السلطة الفلسطينية، حيث لم يحظ بثقة المجلس التشريعي، وتغيب عن الجلسة رغم وجوده في ساحات المجلس آنذاك، وطلب من الموظفين الجلوس في بيوتهم وعدم القيام بمهامهم في ظل حكومة حماس، وهذه قضايا تحسب عليه، بالإضافة إلى أنه أعطى البنوك صلاحيات لمنح قروض كبيرة للموظفين، وهو ما أدى إلى إغراق الموظفين بالديون لصالح البنوك حتى يومنا هذا.
وتابع خريشة قائلاً: "يبدو أن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة يريدون بعد انتصار المقاومة في معركة سيف القدس، تعزيز سلطة الرئيس محمود عباس، الذي شدد على أن أي عملية إعمار لقطاع غزة يجب أن تمر من خلال السلطة، حتى أصبح السؤال عن شخصية تنفذ شروط أمريكا والسلطة، وهي شخصية تكون قريبة من الولايات المتحدة وهذه متوفرة في شخص فياض".
وأعرب عن اعتقاده أن زيارة فياض للرئيس عباس ليست شخصية كما زعم الجاغوب، لأنه لا يوجد علاقات شخصية بين الجانبين.
ولفت إلى أن حظوظ فياض ضعيفة، رغم وجود قوة دفع تجاهه، والمطلوب هو عملية انتخابية يعبر من خلالها الشعب عن رأيه في صندوق الاقتراع، ومهما تكن الشخصية التي ستتولى الحكومة حينها فستكون نتيجة إرادة شعبية فلسطينية وليست إرادة أمريكية.
وأمام تجربة فياض السابقة وطرحه لمبادرة جديدة، يبقى السؤال الأهم، هل ستُكلل جهوده بالنجاح أم أنها ستصطدم بالرفض من قبل حركة حماس، التي تمثل عنصراً أساسياً لا يمكن تجاوزه، إلى جانب خلاف حركة فتح الواضح مع فياض.