هل السلطة الفلسطينية بلا أخطاء؟

رئيس الوزراء اشتيه
رئيس الوزراء اشتيه

هل السلطة بلا أخطاء؟ وإن كان لها أخطاء فما هي؟ وما السبيل إلى إصلاحها؟

هذه الأسئلة طرحها عليّ صديق أثق بصدقه، وإخلاص نواياه، وإن كنت أختلف معه كثيراً في قراءة، وتقييم المشهد الفلسطيني والعاملين فيه.

لا أخفي شعوري تجاه طرح هذه الأسئلة، حيث أظن أنها ليست بدواعي المعرفة، خاصة أن طارحها لديه إجاباته الخاصة، بمعنى أنها ليست أسئلة باحث عن إجابة يجهلها، إنما أسئلة من يظنك تنكر مبدأ وجود أخطاء للسلطة، أو أنه يحسبك على طرف المدافعين عنها.

وفي الحقيقة فإن الرد البديهي، والتلقائي على السؤال الأول تحديداً يمكنني صياغته على النحو التالي:

وهل هناك أحمق واحد في الشارع الفلسطيني يزعم أن السلطة بلا أخطاء؟! بل وبعض هذه الأخطاء يصل إلى حد الخطايا الكارثية التي لا تمر دون أن تترك آثاراً سلبية قد تطال بنية المجتمع ذاتها، فالمحسوبية، وتجاوز القانون، ووضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، واستغلال النفوذ، واحتكار بعض المناصب فيما يعرف بعظم الرقبة، وغياب قانون من أين لك هذا، كل هذه الأخطاء ليست مجرد زلات يمكن التغاضي عنها، أو حتى التعايش معها، إنما خطايا لا يمكن إلا وأن تترك آثاراً في عمق الثقافة الفلسطينية، التي إن طال أمد تعايشها مع كل هذه الموبقات، فإنها ستنتج ثقافة مجتمعية فاسدة، تستمرئ التجاوزات، وتتعايش معها كجزء من سنن الحياة الطبيعية، في مقابل البحث عن بدائل شكلانية لخطايا لا تمس مصالح السلطة، يعبر بواسطتها الصالحون..! عن رفضهم للفساد، فيما هم أنفسهم فاسدون ربما، أو متعايشون مع الفساد الحقيقي، لكنهم يظنون أن مقاومتهم لبعض المظاهر القشرية كاف لإراحة ضمائرهم، بوصفهم غير راضين عن الفساد، ومحاربين له.

بالمناسبة:

الشكلانية أزمة عميقة في مجتمعاتنا العربية، وقديمة،،، شخصياً أربط بعض جذورها بالانقلاب الكبير في التاريخ الإسلامي على حكم المُنْتَخبين، وتحويل نظام الحكم إلى نظام ملكي، يستحوذ فيه الملوك على خيرات الأرض، لكن دون أن يثيروا حفيظة أعداء الفساد..! حيث تم ربط مفهوم الفساد ببعض القشريات، وتُرِك أعداء الفساد المزيفون، أو المخدوعون ليحاربوها، بينما الفساد الحقيقي يحظى بصمتهم، وربما برضاهم، أو تصفيقهم.

وللإنصاف، فإن السلطة الفلسطينية لم تأت بجديد في هذا السياق، إنما حذت حذو النعل بالنعل مع تاريخ العرب وحاضرهم، ولمزيد من الإنصاف فإن السلطة الفلسطينية ليست الطرف الفلسطيني الوحيد الغارق في أشكال الفساد العميق، فالمحسوبية سمة الفلسطينيين، حكومات- في طرفي الوطن- وأحزاب، ومؤسسات، والتغول على المال العام، واحتكار الدولة في الحزب، وغياب القانون، واستبداله بقانون الحزب، وغياب المساءلة، وكل ما قيل أعلاه يمكنني أن أعرض شواهداً لوجوده في كل تجمعاتنا الفلسطينية.

وسأزعم أن حكم السلطة يمكن وصفه بحكم دولة، أو شبه دولة يعتريه الفساد، بينما يحكمنا غيرها ليس بأدوات دولة، وإن استخدم مسمياتها، إنما بعقل التنظيم، وقراراته، وأدواته، وأيضاً يعتريه ما يعتري السلطة من الفساد.

أما الفصائل التي لم تحكمنا بعد، ففيها ما نعرفه، ونصمت عنه مراعاة لواقع فلسطيني استثنائي، يرى في الحديث عن هذه الفصائل عملاً غير وطني، أو ربما لمصلحة أجندات خارجية..! هذه التهمة الحقيرة التي يشهرها المتنفذون في وجه كل المحاولات الإصلاحية والنقدية..!

باختصار إذن: من هذا الغبي الذي يجرؤ على القول بأن السلطة الفلسطينية بلا مشاكل؟! ومن هذا الذي يستطيع إنكارها؟!
نعم هناك خطايا، وهناك فساد، لكن ما السبيل إلى إصلاح هذه الخطايا؟

بدون لف أو دوران، وبدون مقدمات طويلة، إن السبيل الوحيد لمقاومة الفساد لا يأتي من خلال العمل على إسقاط السلطة، دون أن يقدم لنا المطالبون بإسقاطها ضمانات ما بعد الإسقاط، ولا بتعهيرها، أو تخوينها، أو شيطنتها، إنما بالوسائل السلمية التي نص عليها وضمنها القانون الفلسطيني، ولقد أثبتت الفعاليات السلمية قدرتها على تحقيق منجزات مع السلطة سواءً في قانون الضمان الاجتماعي، أو معاهدة سيداو، أو في قضية اللقاحات، أو حتى قضية نزار بنات، والتي استجابت فيها السلطة لمطلب تشكيل لجنة تحقيق محايدة، وتم رفع القضية للقضاء، ما يعني إثبات وجود إدانة للفاعلين.

وبرغم كل ما قيل وتم تضخيمه عن عنف السلطة مع المتظاهرين، إلا أننا شاهدنا أيضاً تعاملاً حضارياً إلى حد ما مع التظاهرات، خاصة تلك التي لم تتجاوز القانون الفلسطيني، وشاهدنا رجالات الشرطة وهم يتلقون الإهانات بالكثير من التحلي بالصبر، مع عدم إنكار بعض التجاوزات، ولو أردنا مقارنة تعامل شرطة السلطة الفلسطينية مع المتظاهرين بمثيلاتها في الدول العربية فإنك لن تستطيع إلا الاعتراف بأفضلية الشرطة الفلسطينية، هذا ناهيك عن مقارنة سلوك شرطة السلطة بشرطة غزة هنا، والذي أزعم بأنها تتفوق حضاريا بمسافات واسعة عن سلوك شرطة غزة، ولقد شاهدنا جميعاً كيف تعاملت شرطة غزة مع حراك" بدنا نعيش" وحراكات أخرى كان القمع دائماً هو سيد الموقف، والاستدعاءات القبلية، والبعدية، بل إن اجتماعات سلمية ليست موجهة ضد حكومة غزة كان يتم منعها، وشخصياً كنت مدعواً لبعضها وشاهدت المنع بنفسي، ولم يكن العنوان يومها إلا المطالبة بإنهاء الانقسام، دون اتهام لحماس مثلاً بأنها المسئولة عن الانقسام، ومع ذلك منعنا في أكثر من محاولة، ولقد كنت يومها أحد ناشطي ما عرف ب" وطنيون لإنهاء الانقسام".

أنا لست مغرماً بالسلطة، ولا بأوسلو، ولا بحل الدولتين، وأعلن دون حرج أنني من المؤمنين بحل الدولة المدنية الديمقراطية الواحدة، ولهذا الحديث مقام آخر، لكني لا أتهم صانعي أوسلو بالخونة، فإن العدل يقتضي الاعتراف بأنهم مقاتلون سبقونا جميعاً في القتال، وفي الاحتكاك بالعالم، وبما يمكن أن يسمح به في صراعنا مع إسرائيل، وبما يمكن أن يقدمه العرب والمسلمون من العون لمواجهة إسرائيل، ولم يذهبوا إلى المفاوضات إلا بعد أن اكتشفوا استحالة هزيمة إسرائيل عسكرياً بقوانا الذاتية كفلسطينيين، واستحالة خوض العرب لهذه المعركة، واستحالة سماح العالم لمسألة كهذه على الأقل في المدى المنظور، فذهبوا مرغمين، ولم تكن فلسطين في أيديهم فتنازلوا طوعاً لإسرائيل عن 78% منها، وعلى كلٍ فلقد اكتشف غيرهم متأخراً ما اكتشفوه هم قبل عقود..!

ومع عدم إيماني بحل الدولتين، بل وعدم إيماني بواقعيته، ولا بقدرته على إنهاء الصراع، إلا أن وجود السلطة" كمبدأ" لا يمكن إنكار كونه منجزاً وطنياً يجب الحفاظ عليه، فهي عنواننا الرسمي، وهي ممثلتنا أمام هذا العالم الظالم، وهي أداتنا لتعزيز الصمود في أرضنا، وعدم تركنا للمجهول، أو الفوضى، أو روابط القرى..! ولأجل هذا فإن الحفاظ على السلطة مسألة وطنية بامتياز من وجهة نظري، دون أن يعني هذا قبول كل ما يصدر عنها كمسلمات، ولا التنازل عن حقنا في مقاومة عوارها سلمياً، دون شيطنة، أو تخوين، ودون دعم العنف والفساد، أو السكوت عنه في ناحية، ورفع شعارات الحرية والإصلاح في ناحية أخرى.

النزاع السلمي مع السلطة- أي سلطة- حق مشروع لا يمكن التنازل عنه، وأتمنى من كل قلبي أن يصدق الداعمون له هناك، فيدعمونه هنا، حتى لا نشك في أن المسألة لا تعدو كونها صراعاً على السلطة، لا يلتفت إلى نزاهة أدوات الصراع.

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo