حصري

حوار القنصل البريطاني في آخر أيام عمله: "أشعر أحياناً أن حل الدولتين مستحيل"

القنصل العام البريطاني في القدس فيليب هول
القنصل العام البريطاني في القدس فيليب هول

 

  • أحيانا أشعر أن حل الدولتين مستحيل.

  • المستوطنات تجعل من الصعب للغاية التوصل إلى السلام.

  • المسؤوليات التاريخية عن الحقبة الاستعمارية محل نقاش ساخن.

  • حرب غزة بمثابة نكسة للجميع خاصة للفلسطينيين.

  • الشعب الفلسطيني دافئ وودود.

  • تحقيق دولة فلسطينية ليس أمرا سهلا، لكنه الهدف الصحيح.

أنهى القنصل العام البريطاني في القدس فيليب هول مهامه قبل أيام، فكان لموقع "زوايا" النصيب لإجراء مقابلة صحفية حصرية معه حول رؤيته لآفاق حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على ضوء مجريات الأحداث والوقائع الجيو-سياسية التي فرضتها "إسرائيل" على الأرض، إضافة إلى تجربته الثقافية والاجتماعية في فلسطين.

والآتي تفاصيل المقابلة..

بداية نشكرك سيد فيليب هول على إتاحة الفرصة لموقع "زوايا" لإجراء هذا اللقاء معك رغم انشغالك بالترتيبات اللازمة للعودة إلى المملكة المتحدة.

- ونبدأ بسؤالك عن حل الدولتين، من منظورك هل تبقّت أي فرصة له كسبيل لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟

الفلسطينيون هم أفضل مُعلمين للحقيقة ومفادها "أن هناك أملًا دائمًا". نعم هو كذلك، أشعر أحيانًا كما لو أن حل الدولتين مستحيل، ولكن بعد ذلك، يتعين علينا النظر في البدائل. إذا نظرنا إلى استطلاع الرأي، فإن الفلسطينيين والإسرائيليين يريدون العيش بشكل منفصل، وليس معًا. يقول لي الناس هنا: "نريد فقط أن نكون قادرين على المضي قدمًا للحفاظ على أرواحنا وحياتنا". لذا نعم، هناك أمل، لكنه بالتأكيد لن يكون سهلاً (الطريق اليه ليست يسيرة).

- لكن الوقائع الجيوسياسية المفروضة على الأرض، والمستوطنات الإسرائيلية، وما شهدنا من مواجهات مع القوات الإسرائيلية في القدس الشرقية وأماكن أخرى من الأراضي الفلسطينية، أليست كلها مؤشرات على أن حل الدولتين أصبح خيارا غير واقعي؟

بالنسبة للمستوطنات فهي تخلق عقبة كبيرة أمام حل الدولتين، نعم. النقاط الأخرى -المواجهات - هي مشكلة، لكنها في الحقيقة ليست عقبة أمام حل الدولتين.

- إذا كان هناك بديل لحل الدولتين، فما هو الخيار الأكثر واقعية لحل الصراع بوجهة نظرك؟ و لماذا؟

البديل الأول والواضح هو حل الدولة الواحدة، الذي يتمتع فيه جميع المواطنين بحقوق متساوية في دولة واحدة. أعتقد أن هذا غير مرجح، على الأقل في أي إطار زمني يمكن لي توقعه.

أما البديل الثاني هو نطاق الخيارات بين دولة متكاملة واحدة ودولتين مستقلتين بالكامل. البديل الثالث هو الاستمرار دون حل. والمشكلة الاحتلال المستمر. لا أحد منا يريد أن يرى هذه البدائل. لذا أنا أعتقد أن حل الدولتين يظل أفضل طريقة للتفكير في حل يأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات بين الدولتين، والتي ستمكنهما من العيش والازدهار جنبا إلى جنب.

- بعد مرور خمسة وعشرين عامًا على اتفاقية أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، هناك إحباط فلسطيني عام من آليات المجتمع الدولي وقدرة الدول الفاعلة في هذا العالم على ممارسة الضغط المطلوب على إسرائيل لوقف الاستيطان وممارساتها التي تضر بحل الدولتين. كيف تعلق؟

أنا أتفهم وأشارك الإحباط. أتذكر جيدا الأمل في الوصول إلى وضع دائم وفق اتفاقية السلام بحلول عامي 1999 و 2000. أوافق على أن المستوطنات تخلق صعوبات للغاية أمام التوصل إلى السلام وتطبيق حل الدولتين. كثيرا ما يقال إن المجتمع الدولي لا يمكنه أن يرغب في المزيد من السلام من الفلسطينيين والإسرائيليين. الحكومات على الجانبين، وكذلك الشعبان، بحاجة إلى ذلك السلام. لا أشعر كما لو أن هذا هو الحال في الوقت الحالي، لكنني أعتقد أن الوضع ذاهب نحو التحسن.

- كيف يُعاد الأمل للفلسطينيين بالحلول السلمية وقدرة المجتمع الدولي لضمان العدالة لهم في أي اتفاق نهائي مع الإسرائيليين؟

يجب أن يأتي الأمل من الفلسطينيين، وأعتقد أنه كذلك. لا أعتقد أنه يمكن للأطراف الدولية أن تضمن العدالة. يمكن أن تعمل من أجل العدالة وتدعمها، ولكن في النهاية الاتفاق يتطلب حلا وسطا. يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد في تعزيز اتفاق مع أكبر قدر ممكن من العدالة.

- يرى الفلسطينيون أن المملكة المتحدة تتحمل مسؤولية تاريخية عما حل بهم من احتلال إسرائيلي. كيف تعمل لندن على مراجعة ذلك، عبر تمكين الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم؟

المسؤوليات التاريخية، وخاصة من الحقبة الاستعمارية، هي محل نقاش ساخن، بما في ذلك في لندن. أعتقد أنه علينا أن نتذكر أنه لا يوجد أحد على قيد الحياة اليوم كان في سن الاقتراع وقت وعد بلفور، لذلك نحن نسأل حقًا عن مقدار المسؤولية. الناس اليوم في واقع نتج عن أحداث في عهد أجدادهم. لقد تبنت لندن منذ فترة طويلة الرأي القائل بأن للفلسطينيين الحق في تقرير المصير، وكذلك الحقوق السياسية، إلى جانب ذلك الحقوق المدنية والدينية التي أقرها وعد بلفور. نريد أن نرى احترام تلك الحقوق وإعمالها.

- هل تعتقد أن الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تجبر البلدان في جميع أنحاء العالم على التفكير بطريقة مختلفة، كأن يتم تحريك المسار السياسي في اتجاه جديد لضمان الحل العادل؟

من المبكر جدا قول ذلك. الأحداث التي سبقت حرب غزة الأخيرة، في القدس على وجه الخصوص، خلقت إعادة تشكيل التفكير. رأى الناس في جميع أنحاء العالم أن العديد من الفلسطينيين يواجهون الظلم، وصدموا بما يجري في الحرم القدسي الشريف، في الشيخ جراح وأماكن أخرى في القدس. كان هناك حديث متزايد عن الحاجة إلى حقوق متساوية للفلسطينيين والإسرائيليين.

لسوء الحظ، كان نزاع غزة (حرب غزة) مدمرًا جدًا للفلسطينيين. تسببت بشكل كبير في معاناة غزة، وإطلاق حماس للصواريخ مكّن العديد من الدول من العودة إلى تحليل بسيط وهو: الفلسطينيون الذين ينكرون حق إسرائيل في الوجود يهاجمون إسرائيل.

إسرائيل لديها حق الدفاع عن النفس. قد يكون الأمر مختلفًا إذا اعترف أولئك الذين يطلقون الصواريخ بإسرائيل وحقها في الوجود ولم يلجأوا إلى العنف، لكن هذا ليس هو الحال.

لذا كان القتال في غزة بمثابة نكسة للجميع، وللفلسطينيين على وجه الخصوص.

لكنني أعتقد أن الأحداث التي وقعت قبل ذلك الوقت كانت تجعل العالّم يفكرون بشكل مختلف، وهناك تحول تدريجي في التفكير في البلدان الأخرى.

- سيد هول، هل يمكنك إلقاء بعض الضوء على الأنشطة الاقتصادية والتنموية التي تقوم بها المملكة المتحدة من خلال القنصلية البريطانية العامة في الأراضي الفلسطينية؟

نحن ندعم وكالة الأونروا وكذلك اللاجئين في غزة والضفة الغربية وأماكن أخرى. نحن نقدم المساعدة الإنسانية، وندعم التعليم والثقافة من خلال القنصلية البريطانية. نحن ندعم السلطة الفلسطينية لتحسين ترتيبات التجارة والجمارك. نساعد السلطة الفلسطينية في الإدارة المالية، لتمكينها من استعادة العائدات التي يجب أن تعود للفلسطينيين، وخلق قاعدة إيرادات أوسع. كما نساعد السلطة الفلسطينية والمجتمع المدني على العمل معا بشكل بناء، مع المساعدة من أجل الشفافية والتقييم والمساءلة. نحن نساعد قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية مع التركيز القوي هناك أيضًا على المساءلة والاستدامة (وبالتالي القدرة على تحمل التكاليف) والشمول للنوع الاجتماعي والمساواة.

نحن نقدم الدعم للمتضررين من جائحة كورونا، للنساء اللواتي يواجهن العنف القائم على النوع الاجتماعي إضافة إلى المهددين بالهدم أو إخلاء منازلهم، لذلك نحن نقدم مجموعة واسعة من الدعم الذي أعتقد أنه موجود على صعيد مهم.

- لنتحدث قليلاً عن تجربتك الشخصية أثناء عملك كقنصل بريطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كيف تقيم ذلك؟

هذا هو مكان التناقضات، وتجربتي هنا كانت استثنائية مجزية ومحبطة في آن. لقد جعلني الفلسطينيون موضع ترحيب كبير في كل مكان. أنا شهدتُّ نجاحًا استثنائيًا ومعاناة. لقد بذلت قصارى جهدي، وأقرّ أن أفضل ما لدي لم يكن جيدًا بما يكفي لتحقيق التغيير الحقيقي المطلوب، والمعروف أن خياري الوحيد هو الاستمرار في بذل قصارى جهدي. قد أكون مخطئا، ولكن هذا شعوري في تجربتي الفلسطينية.

-  كيف وجدت الشعب الفلسطيني عندما تعاملت معه عن كثب؟

- دافئ، ودود، ومُرحّب، والعديد منهم موهوبون بشكل استثنائي. لذا فالناس -بالتأكيد الغالبية العظمى منهم، كما في أي مجتمع- جيدون. كدبلوماسي، كشخص يمثل الديمقراطية، عليك أن تؤمن بالناس، وأنا أفعل –وأنا أؤمن بالشعب الفلسطيني بقدر إيماني بأي شعب آخر، وبطرق عديدة أكثر. احترامي للفلسطينيين هائل. ومع ذلك، يمكن للنظام السيئ التغلب على الشعب الخيّر. نحن نعلم أن النظام - احتلال وسلطة فلسطينية محدودة القوة - سيئ. لقد كان أفضل ما يمكن تحقيقه في وقت اتفاق أوسلو، ولم يكن أحد كذلك قادرًا على العثور على أفضل منه منذ ذلك الحين ، لكننا بحاجة إلى مواصلة المحاولة.

نحن بحاجة إلى إيجاد طريقة كي يحكم الفلسطينيون أنفسهم. لن يكون تحقيق دولة فلسطينية بالأمر السهل وجميل. لكنه الهدف الصحيح وأنا متفائل به.

- سؤالي الأخير لك، أي طعام فلسطيني تفضل؟ و لماذا؟

زيت وزعتر. والفواكه المحلية في الموسم. سيعطيك أطفالي الإجابات الصحيحة (مقلوبة وكنافة) ولكني في سن يجب أن أراقب خصري (الريجيم)، وهناك لا شئ أفضل من الزيت والزعتر وبعض الفواكه والقهوة في حديقة جميلة في صباح فلسطيني. سأفتقد ذلك وسأشتاق فلسطين.

سعدنا بلقائكم، السيد فيليب هول، القنصل العام البريطاني في القدس وأنت تستعد لإنهاء مهمتك هنا. نتمنى لك كل التوفيق في الفصل التالي من حياتك المهنية.


للاطلاع على المقابلة باللغة الإنجليزية اضغط هنا

المصدر : خاص- زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo