اهتزت الساحة الفلسطينية اثر مقتل الناشط السياسي نزار بنات وما زالت قضيته تتفاعل، إن قضيته هي قضية كل حر يريد أن يعبر عن رأيه بحرية ليشعر بالكرامة والانتماء عبر المشاركة السياسية بالرأي الحر على الأقل.
وعلى الرغم من صدمة الشارع بالحدث إلا أن القتل بغير الحق وعلى خلفيات سياسية واجتماعية نسقا معتادا او متوقعا على الأقل في مجتمع فقير محتل يسخر جل جهوده وموارده للأنشطة الأمنية والريعية الحزبية التي تسعى للوصول للسلطة والقرار واستحواذ الموارد المختلفة عبر أعمال غير منتجة لإغراض الحشد الحزبي والدعاية السياسية واستقطاب التأييد أو كبت الرأي والحريات، مما يقود بدوره لتقييد وتراجع الإنتاج.
وطالما كان الأمر كذلك أيهما أجدر بالاحتجاج النتيجة ام السبب، قتل الفرد وتغيير رأس المنظومة أم قتل شعب وإعادة هيكلة تلكم المنظومة بما يتوافق وقيمنا أهدافنا المشروعة.
إن تلكم المنظومة الأمنية والمعسكرة التي تسرق قوت أبنائنا لتكميم أفواهنا وتلجمنا بالنار لننهزم فوق هزائمنا أولى بالمواجهة. ان منظومة ترفع شعار السلم والمقاومة به أو التحرر وتنفق على العسكرة أكثر من صحة وتعليم شعبها أجدر بالمواجهة.
إن نسبة أفراد القوات المسلحة في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إجمالي القوة العاملة 5.8% حسب البيانات المتاحة من البنك الدولي للعام 2012، وقد كانت اعلي بكثير في سنوات اسبق، وهي الأعلى عالميا باستثناء إريتريا وكوريا الشمالية في حين أن متوسط النسبة عربيا 2.2% ومتوسطها لنفس فئة الدخل وهي المتوسطة العليا تبلغ 0.8% ناهيك عن الإنفاق على المجتمعي على المليشيات، أي القوات غير النظامية، والكوادر الحزبية من رواتب وامتيازات وسلطة اتخاذ قرار وتحكم بالموارد في وظائف غير منتجة وأدوار وهمية بالمؤسسات العامة والمجتمعية تقود لتدهور الإنتاج والعمل.
إن ذلك هو من أهم أسباب هدر الموارد الاقتصادية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، فهناك فعليا فئتان الأولى تنتج وتعمل والثانية تعتاش على الأولى وتمتص إمكاناتها وتفسد جهودها.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن جهودا غير نظامية قد تكون مقاومة ومعتبرة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أننا لسنا دولة وننشد "السلم" ولا نحتاج هذا الهدر في الموارد وهذا الشكل من الإنفاق الذي يحيل صراعنا ضد دكتاتورية حكامنا عوضا عن محتلنا.
لذا وعلى غير العادة أسجل احتجاجي على المحتجين بان احتجاجكم في غير محله وأجدر أن يكون على إعادة تفعيل أدوات الحكم الرشيد والدمقرطة، إن احتجاجكم أجدر أن يكون على انقسام إفرازات أوسلو التي تعتاش على أخطاء وتناقضات بعضها البعض، إن قتل شعب بأكمله عبر جوع 85% منهم فقدوا منهم الغذائي وبطالة أكثر 70 % من شبابه فقدوا مستقبلهم، نعم يا سادة إنها الآلاف السنوات من أعمار شبابنا كان يمكن أن تخدمنا انقلب ضدنا، في حين تتزايد أرباح الاحتكارات، التي تسير عكس اتجاه المؤشرات الاقتصادية العامة لقطاع غزة خصوصا، وتتوارث الطبقة العليا المتحكمة المناصب والامتيازات، إن ثورتكم يجب أن تكون لاستعادة كلمتكم واختياركم العام الحر لتنفيذ إرادتكم في وطنكم ومواردكم ضد جيوش من المنتفعين الأمنيين والمتحزبين من المستحوذين للسلطة والساعين خلفها وهم اخطر، أولئك لا دأب لهم الا كيفية اقتناص قوت أولادكم ليعززوا عروشهم بتكبيلكم وتكميمكم.
عندما قرر المعارض الفلبيني نينوي اكينو مؤسس حزب" لابان أي سلطة الشعب" العودة للبلاد بعد نفيه لسنوات وتحذيرات الجميع له من اغتياله، أجاب أن الفلبين تستحق الموت من اجلها، وقد اغتيل بمجرد عودته لبلاده في المطار مما فجر عصيانا مدنيا مباشرا توج خلال عامين 83-85 جهود عقدين للقضاء على الدكتاتورية والفساد, وتجارب الدول زاخرة. إن أنشطة المواجهة المدنية والاقتصادية هي الأنجع لمواجهة الانتفاعية المادية للسلطة.
إن أدب الاقتصاد السياسي لم يفتأ يعاصر تجاربا كهذه ولم يفتأ يتفتق عن حلول لها لمواجهة السلطة بكل شعاراتها الزائفة، ومواجهة الليبرالية والاحتكار المتعالي المتزاوج معها ويعيد للجموع كلمتهم.
إن العصيان المدني بكل مفرداته من المقاطعة للإضراب الشامل والعام والامتناع الضريبي يجب أن يعيد أولئك لصوابهم حتى يستوعبوا أن الزوائد الاوسلوية التي يعتاشون فيها حيّدت الاحتلال عن المواجهة وجعلتنا في مواجهة بعضنا البعض.