تقرير لقاء "مشعل" عبر قناة "العربية".. حراك دبلوماسي وسط متغيرات عربية وإقليمية

خالد مشعل
خالد مشعل

يبدو أن ظهور رئيس حركة حماس بإقليم الخارج، خالد مشعل، مساء الأحد على قناة العربية التي تشرف عليها الرياض بشكل مباشر، يحمل تطورات في العلاقات بين الحركة المقاومة والمجموعة الخليجية، في خطوة تمهد لشطب مرحلة من القطيعة.

وفي هذا التقرير يستعرض موقع "زوايا" أبرز التوقعات حول مضمون اللقاء ومدى قدرة مشعل على توجيه الرسائل وإقناع الجمهور الخليجي، وعن جدوى ظهوره عبر قناة العربية التي استضافت "إسرائيليين" من قبل، والمكتسبات الفلسطينية من هذا اللقاء التلفزيوني والتطورات اللاحقـة لما بعد اللقاء.

صعوبة القياس والتعويل

الباحث في قضايا الحكم والسياسة الدكتور جهاد حرب قال في حديث لـ "زوايا"، أنه في حال حدوث اللقاء فإن هناك تحولًا في وجهاتِ نظر قناة "العربية"، ومن الصعب قياس هذا التحول في الوقت الراهن، ما لم يكن بيانًا واضحًا من السعودية حول العلاقـة مع حركة حماس، وحتى اللحظة لا توجد مؤشراتٍ واضحة.

وأضاف، أنه من المبكر الحديث عن اختراقات في العلاقة بين حركة حماس والسعودية وإن كان هناك تأثير فإنه بفعل تطور العلاقات بين قطر والسعودية، الذي جاء نتيجة لما جرى في الحرب الأخيرة من اكتساب المقاومة لمشروعيةٍ عاليةٍ على المستوى الشعبي"، حسب ما قال "حرب".

اقرأ أيضاً: مقتل الناشط بنات.. عندما يهدد عناصر الأمن السلم الأهلي

ولفت إلى أن حماس ستسعى لاستثمار تلك المشروعية، بما في ذلك زيارات هنية للدول العربية وفي مقدمتها المغرب، مشيرًا إلى أن ذلك مؤشر على التغيير، منوهًا أنه لا يمكن التعويل على مقابلة صحفيةٍ لوحدها، وأنه يجب علينا الانتظار لرؤية تطورات ما بعد المقابلة ودرجة القبول لدى المملكة العربية السعودية والخليج لتوجهات حماس والعكس صحيح، منبها إلى أنهما للجانبين توجهان مختلفان في تحالفاتهما الإقليمية.

ترطيب الأجواء وتغيير حكومي وشعبي

واعتبر حرب مخاطبة الجمهور الخليجي عبر قناة العربية دليل على ترطيب الأجواء، الذي قد يؤدي إلى تغيير في وجهات النظر على المستويين الحكومي والشعبي، لافتًا إلى أن السعودية الدول الرئيسية في الخليج العربي، وسياستها تؤخذ بعين الاعتبار في دول الخليج العربي.

وتساءل "حرب" عن مدى ذهاب السعودية في العلاقة مع حماس والشعب الفلسطيني، وهل ستفرج عن المعتقلين في السعودية؟، وهل ستمول قطاع غزة دون المرور عبر السلطة الفلسطينية؟، وهل ستستقبل حركة حماس وممثليها وقيادتها في زيارة رسمية؟.. قائلاً "ما زال الوقتُ مبكرًا للحكم".

ورأى أن خطاب مشغل للخليج سيكون دبلوماسيًا من أجل إعادة العلاقات بين السعودية والفلسطينيين، مبينًا أن اللقاء سيقوي حركة حماس، فيما يتعلق بالاندماج في منظمة التحرير، وسيمنحها شرعية على المستوى العربي، لأن السعودية أهم دولة مؤثرة في جامعة الدول العربية.

وتمنى الباحثً "حرب" أن تكون علاقة طيبة بين الشعب الفلسطيني والخليج، وأن تعود المصالح لبعضها البعض، وأن يحدث تقارب فلسطيني مع الخليج شامل ومع الدول العربية بشكل عام، ليكون كل منها نصيرًا للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.

هل سيقنعُ الخليجيين؟

من جهته، قال الصحفي والإعلامي فتحي صبّاح، إن مشعل في حال إجراء المقابلة عبر "قناة العربية" لن يتمكن من إقناع الجمهور الخليجي كله، بل سيقنع جزءًا منه، مبينًا أن الشعوب العربية ليست كلها مع مواقف الأنظمة بما فيها الشعوب الخليجية التي معظمها ضد الاحتلال والتطبيع.

وبيّن خلال حديثه لـ "زوايا" أن المؤيدين للأنظمة في الدول الخليجية بمقدورهم الكتابة في أي وقتٍ عن تأييدهم للأنظمة والتطبيع حيث تلتقي مصالحهم مع الأنظمة، أما من يخالف ذلك سيعاقب، لذا يظهر وكأن أغلبية الشعوب الخليجية مع التطبيع وهذا غير صحيح.

خطوة ذكية في كل الاتجاهات

وعن أهمية استخدام منصات ذات خطابٍ معادٍ وتستضيف إسرائيليين، قال: "تابعت قناة العربية إبان الحرب على غزة، وكنت على إطلاعٍ فيما تبث وتستضيف أشخاصًا دون غيرهم، وشوّهت صورة الشعب الفلسطيني ومقاومـته، وإنحازت لرواية الاحتلال.. ولكن خطاب مشعل على العربية سيكون أفضل من الجزيرة".

وبيّن أن الجزيرة تتبع قطر الداعمة لحماس وللشعب الفلسطيني فاللقاء عليها يعتبر "تحصيل حاصل"، لكن صعود مشعل عبر "العربية" سيكون له أهمية كبيرة، لأن استخدام "معسكر المعارضين لسياستك من خلال منصاتهم" كقناة العربية الأكثر شعبية لهذا المعسكر، وتتبع السعودية ذات العلاقة المتوترة مع حماس وتبث من الإمارات ذات العلاقة السيئة مع حماس أيضاً، فهي "خطوة ذكية" سواءً من مشعل أو قناة العربية، كما تحدث "صباح".

وقال: "لا أعرف من بادر في المقابلة، وأراها خطوة تجاه مصالحة مع العربية وحماس، بعد قطيعة بينهما مستمرة حتى الآن، وبعد منع حماس القناة من العمل في غزة منذ فترةٍ طويلةٍ"، مشيرًا أنها "خطوة ذكية من مشعل إن كان هو المبادر، كي يتمكن من مخاطبة القناة والجمهور الخليجي من خلال منصاتهم وإيصال رسائل لهم".

ونبـّه إلى أن البعض سيلوم "مشعل" على لقائه عبر "العربية" إما من باب المناكفة السياسية، أو من باب إظهار التناقض بين مشعل وحركته مع قناة منحازة ضد المقاومة، موضحًا أن كل المعارضين للمقابلة سيختارون زاويتهم للانتقاد. 

التقييم بناءً على المضمون

وأيّد "صبّاح" المقابلة في كل الأحوال، لافتًا إلى أنه قد لا يعجبـه الحوار، وأنه يعتمد على مضمونه الذي سيقدمه مشعل، ويكون مقبولا في حال كان خطابًا متوازنًا معقولًا للخروج من حالة الاستعصاء نحو المصالحة وإنهاء الانقسام، ونحو مبادرة للمصالحة مع السعودية والإمارات والخليج أو قدم أفكارًا ومقترحات.

وأكد أن من مصلحة الشعب الفلسطيني والمقاومة استغلال كل المنابر الإعلامية المحلية والعربية والدولية باستثناء "إعلام العدو"، من أجل دعم قضايا الشعب الفلسطيني.

ويعتقد أن مخاطبة الجمهور العربي ولاسيما الخليج من خلال محطة مثل "العربية" وهي محطة لديها نسبة مشاهدة عالية حسب وصفـه، مهم للغاية، مشيدًا برئيس المكتب السياسي السابق لحماس "خالد مشغل" بوصفـه يتمتع باحترامٍ وتقدير كبير، ولديه خبرات مهمة في العمل الدبلوماسي والسياسي والإعلامي.

أربع رسائل لمشعل

وأوضح صباح أن مشعل سيوجه رسائل مهمة للسعودية والخليج، ورسائل للاحتلال والولايات المتحدة، وأخرى للمجتمع الدولي، ورابعة للفلسطينيين ومحمود عباس، حيث ستكون في أربعـة اتجاهات.

وعن مكاسب خطاب مشعل سواء على الخليج أو على الشعب الفلسطيني، قال: "أعتقد من المبكر معرفة مكاسب ما سيقوله لشعوب المنطقة والخليج، و"مشعل" معروف عنه الوسطية ومرونة العمل الدبلوماسي والسياسي والإعلامي، وقد يوجه خطاب مصالحة مع الخليج يفتح الأبواب أو تبقيها مواربة دون إغلاقٍ في العلاقات بين الأطراف المختلفة".

وأشار إلى وجود حالة توتر بين حماس والسعودية والخليج بشكل عامٍ، في قضايا معتقلي حماس في السعودية، والتطبيع القائم، والتطبيع المحتمل بين الاحتلال والسعودية، وكان آخر محطات التطبيع افتتاح السفارة الإسرائيلية في الإمارات، ما ألقى بظلاله على العلاقة بين الخليج وحماس.

ورأى أن حماس لا تقطع العلاقة مع أي دولةٍ بغض النظر عن إقامتها علاقات مع "إسرائيل"، وآخر دليل هو زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس "إسماعيل هنية" للمغرب، كما أن وجود الحركة في قطر التي تقيم علاقات مع "إسرائيل" دليل آخر على ذلك.

وأكمل: "حماس لديها من المرونة والبراغماتية الشيء الكثير، ولن تغلق علاقاتها مع السعودية ولا الإمارات".

جزء من التحول السياسي في المنطقة

الباحث الإعلامي سعيد أبو علي، أوضح في حديث لـ موقع "زوايا"، أن حركة حماس تاريخياً ليس لديها مشكلة في أن تظهر في أي وسيلة إعلام عربية، طالما أنه منبر يتيح لها فرصة أن تقدم خطابها سواء السياسي أو المقاوم، لافتاً إلى أن المشكلة كانت لدى بعض وسائل الإعلام العربية الخليجية (الإمارات والسعودية)، والتي تحولت لحالة عداء ضد حركة حماس.

ونوه إلى أن حركة حماس في السابق كانت تتحرك بأريحية في جمع الأموال (من دول الخليج) لصالح مشروعها المقاوم وإغاثة الفقراء، إلى أن تحولت لحالة معادة للمقاومة الفلسطينية التي تمثلها حماس، ولذلك فإن ظهور رئيس المكتب السياسي السابق، ورئيس الحركة في الخارج حالياً خالد مشعل على قناة العربية السعودية، أمر هام، ويمكن قراءته على أنه يأتي في سياق التحول السياسي الذي تعيشه المنطقة، خاصة أن مثل هذا اللقاء لا يمكن أن يتم دون المرور بالمخابرات السعودية التي تشرف على القناة.

وأشار، إلى أن التحول في المنطقة، جاء بعد مصالحة السعودية وقطر، وتركيا ومصر، وذلك جراء فشل خيار التحارب والشقاق، وبالتزامن مع التحول في الإدارة الأمريكية بقدوم الرئيس جوزيف بايدن، معرباً عن ظنه أن هناك رغبة في التعامل مع حركة حماس على أنها طرف في المعادلة الفلسطينية.

كما نوه، إلى أن لقاء مشعل على قناة العربية، يمكن أن يفهم أيضاً على أنه جزء من معاداة السعودية للسلطة الفلسطينية، حيث هناك خلافات كبيرة بين الطرفين منذ أربع سنوات تقريباً، مشدداً على ضرورة أن تعي حماس وتكون ذكية في فهم هذا الأمر اذا ما اتضح أنه هو الهدف السعودي من التقارب مع حماس، محذراً من احتضان السعودية لحماس على حساب السلطة الفلسطينية.

وأشار إلى أن العلاقة بين السعودية والسلطة الفلسطينية بدت سيئة خلال الأربع سنوات الماضية، وكانت قناة العربية تمثل منبر محمد دحلان، الذي يتبنى خطاباً ضد السلطة الفلسطينية.

وعن قدرة إقناع مشعل للجمهور والنخبة السياسية الخليجية في لقائه على العربية، لفت "أبو علي" إلى أن الشارع العربي في كل مكان يدعم خيار المقاومة الفلسطينية أو على الأقل يقدر الخيارات الفلسطينية، وبالتالي ليس ضرورياً أن يكون اللقاء موجهاً لهذا الغرض.

واستدرك بالقول إن كان اللقاء في سياق إحداث تغيير في تعامل الأنظمة الخليجية مع حماس، فهو يمثل اعترافا بشرعية حماس في دول عربية جديدة، لافتاً إلى أن الكثير من سلوكيات مصر، تفسر على أنها اعتراف بشرعية حماس، حيث قررت مؤخراً إدخال السيارات لقطاع غزة عبر معبر رفح، دون أن تكون السلطة الفلسطينية طرفاً بالموضوع.

وتفسيراً لمسار رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية الذي يتواجد في لبنان للقاء حزب الله، ولقاء مشعل على قناة العربية المناهضة للمحور الايراني الذي تنتمي له حماس، اعتبر الباحث الإعلامي أبو علي، أن هذا يأتي في سياق تبادل الأدوار في قيادة حماس، وليس في مجال التنافس والصراع الداخلي كما يظن البعض، لافتاً إلى أن هناك تماسك في داخل الحركة.

وما بين طموح حركة حماس للوصول إلى علاقات طيبة مع جميع الأنظمة العربية، تعد إطلالة مسؤول الحركة في الخارج خالد مشعل، اختراقا دبلوماسيا يحمل ما بعده.

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo