مقتل الناشط بنات.. عندما يهدد عناصر الأمن السلم الأهلي

مظاهرات ضد مقتل نزار بنات
مظاهرات ضد مقتل نزار بنات

أسفرت حادثة مقتل الناشط والمعارض نزار بنات نتيجة تعرضه للضرب أثناء اعتقاله فجر الخميس، أسئلة مُلحّة باتت تشغل بال الرأي العام والمراقبين في هذه الأثناء، وهي: ماذا بعد الواقعة؟، إلى اين يتجه الوضع الداخلي الفلسطيني وهل أصبح السلم الأهلي مُهدداً بمستوى غير مسبوق نتيجة للفجوة الآخذة بالتعاظم بين السلطة والشارع؟، وما هو المطلوب رسمياً لامتصاص التداعيات؟

مواجهات رام الله

تحذيراتٌ من تحريض مسؤولين وموظفين بالسلطة

 

الحال، ان الجهات الحقوقية والرقابية تعتقد ان صمت أقطاب السلطة وحركة "فتح" هو الطريقة المثلى في هذه المرحلة الحساسة التي تشهد غضباً عارماً مما يعتبره كثيرون اغتيالاً للرأي وحرية التعبير ولأي محاولات للحديث عن الفساد وسطوة الجهات التنفيذية على مفاصل الحياة الفلسطينية برمتها.

 

لكنّ تتبع منشورات صدرت عن قادة وجهات محسوبة على السلطة منذ لحظة الإعلان عن وفاة الناشط بنات تظهر أنها احتوت على تحريض ضد الغاضبين ومن سيواصل نهج نزار بنات في "الانتقاد الجريئ" لأخطاء النخبة السياسية المتنفذة.

 

وهو ما دفع "محامون من أجل العدالة" إلى التحذير من بعض التصريحات الصادرة عن مسؤولين وموظفين في السلطة والتي تحتوي مواد تحريضية تنذر بحالة من الترهيب والقمع، معتبرة أنها تؤسس لخطاب يدعو الى الكراهية والفوضى.

 

وقد رصد موقع "زوايا" منشوراً على فيسبوك لمحافظ سلفيت عبد الله كميل وهو ابن جهاز المخابرات سابقاً، زعم فيه أن "ثمة دعوة لمتظاهرين من قوى مناهضة للسلطة وفي دمها الفكر الانقلابي السبت.

 

بنفس الوقت وحسب فهمنا لعقلية البعض فقد يبادروا بإطلاق النار تجاه المتظاهرين لإلصاق التهمة بالسلطة. انتبهوا وفوتوا الفرصة عليهم".

 

منشور عبد الله أبوكميل[/caption]

 

 

وردّ عليه الناشط حمزة زبيدات بمنشور آخر على صفحته في فايسبوك، بالقول إن ما يمكن فهمه من منشور المحافظ كميل هو ان السلطة الفلسطينية تجهز نفسها لارتكاب مجزرة في رام الله، مشدداً على انه لم يحدث في تاريخ التظاهرات الفلسطينية ضد السلطة في الضفة ان استُخدم العنف أو إطلاق النار.

 

وطالب زبيدات السلطة بالتحقيق مع عبد الله كميل عما صرح به ومن اين حصل على معلوماته "المزعومة".

منشور حمزة زبيدات

كما كتب الناطق الرسمي باسم الهيئة العامة للشؤون المدنية عماد قراقرة، منشوراً وصفه حقوقيون ب"التحريضي"، إذ كتب فيه: "لا تختبروا صبر حركة فتح خلفها جبال من الشهداء والأسرى.

 

 

الويل من غضب فتح، هذه الرسالة يجب ان يدركها كل متربص بالوطن وأمنه.

 

فتح فيها رجال أشداء عند اللزوم سيرى كل المتربصين ومن يحاول المساس بالحركة ومؤسسات الدولة ما لم تتوقعه عيناه ان تراه. وانت يا منادي أقم الصلاة".

منشور عماد قرارة[/caption]

 

وكتب أحد ضباط المخابرات على صفحته الفيسبوكية ايضا: "لا اسفا ولا دمعا"، لكنه سرعان ما حذفه بعد تلقيه الشتم والانتقاد والحذف.

 

الاتحاد الأوروبي يحذر السلطة

 

 

وعلمت "زوايا" من مصادر رسمية في السلطة ان مسؤولين في الاتحاد الاوروبي بعثوا الى رئيس الوزراء محمد شتية في الساعات الاخيرة رسائل تحذيرية لعدم المبالغة في قمع المتظاهرين الغاضبين والعمل على احتوائهم، خشية من مآلات لا تحمد عقباها.

 

كما طالب الاتحاد الأوروبي في رسالته بتوقف المسؤولين والموظفين في السلطة عن التحريض وتأجيج المشاعر الغاضبة اصلا.

 

اقرأ أيضاً: صحيفة أمريكية: الفلسطينيون وحدهم أطاحوا بنتنياهو

 

ويقول ضابط في الاستخبارات الفلسطينية لموقع "زوايا"-طلب عدم ذكر اسمه- ان ما يقلق الأمن الفلسطيني هو أن يتصاعد سقف الانتقاد للسلطة الفلسطينية والنزول الى الشارع بما يشكل خطورة على "هيبة السلطة".

 

ولذلك، تحاول السلطة احياناً أن تثير مواضيع خلافية ودعائية في قضية نزار، وذلك بهدف تشتيت حالة الرفض لما جرى معه، على أمل ان يكون هذا عاملاً يؤدي الى تخفيف وطأة الغضب وامتصاصه.

 

وفاة الناشط بنات "جريمة تخطت الضحية إلى المجتمع"

 

 

من جهته، قال مدير دائرة التدريب والتوعية والمناصرة في الهيئة المستقلة إسلام التميمي لموقع "زوايا" إنه لا بد من الاشارة لفعل التعذيب الذي تعرض له باعتباره جريمة تتخطى الضحية كفرد والذي وقع الفعل عليه الى أبعد من ذلك، اي الى المجتمع وعائلته واقربائه؛ كونها توصف بالأعراف الدولية والمبادئ الدستورية الفلسطينية بأنها "جريمة" وليست مجرد انتهاك عابر لحقوق الإنسان.

 

وأوضح التميمي أن ما حصل مع الناشط نزار يدق ناقوس الخطر إذا ما نظرنا إلى ما حصل في الدول العربية والإقليمية من احتجاجات دامية نتيجة الارتدادات الناتجة عن القمع الأمني وما ولد من انتقام وثأر دفعت دول عربية ثمنه.

 

وبالحالة الفلسطينية، شدد الحقوقي إسلام التميمي على "أننا مجتمع أحد مقومات صموده هو التعاضد والتكاتف الاجتماعي، لكن هذا الفعل والجريمة بحق نزار يثير بالنفس والمزاج والروحية الفلسطينية مشاعر الاستياء ويترك اثارا على النسيج الاجتماعي".

 

كما أن ما حصل مع نزار له تبعات على مبدأ العدالة الجنائية وضمانات العدالة في المحاكمة، مضيفاً أن "ما تم رصده وتوثيقه من مساس بموضوع المحاكمات العادلة وضمانات الإنسان باجترار البراءة، قد ولد انطباعاً لدى الناس المتهمين بتجاوز القانون لعدم تسليم أنفسهم خوفا من التعذيب".

 

وتابع التميمي: "الخوف هو ان تتنامى هذه المشاعر وانعدام الثقة بأركان القانون، وان يُضرب عصب السلم الاهلي، لان الدولة طرف بالجريمة بدلا من أن تكون راعية وحامية للقانون والحريات استناداً إلى المادة 84 بالقانون الأساسي".

 

"جريمة اغتيال بنات" تضر بالثقة بالقانون وتمسّ بالعَقد الاجتماعي

 

 

وهنا، يقول التميمي إنه لمجرد تخيل كيف يمكن ان تصبح قوى الامن أداة تهديد وترويع للمواطن قياسا على مداهمة المنزل الذي تواجد فيها الناشط نزار بنات، فإن هذا بحد ذاته يضعف القانون ويهدد السلم الأهلي. وأشار التميمي في هذا السياق، الى مسألة مهمة متصلة بعملية قتل نزار، وهي أنه تمت مداهمة البيت الذي تواجد فيه نزار دون مسوغ قانوني؛ هذا إن علمنا أن المُشرع القانوني وضع ضوابط في دخول الأمن إلى المنازل، وربطها بمذكرات صادرة عن النيابة.

 

وفي حالة نزار بنات، أوضح التميمي أن ما صدر عن النيابة هي مذكرة إحضار وليس مذكرة اعتقال للناشط، وهذا لا يستدعي حضور قوة فلسطينية مسلحة بدخول منطقة مصنفة "ج" بالتنسيق مع الجانب الاسرائيلي ومداهمة المنزل دون استئذان.

 

وأضاف انهم كسروا الشبابيك والابواب وقاموا بالاعتقال دون اي مسوغ قانوني، حيث اقترنت حرمة البيوت بفعل أدى لوفاة نزار، يقول التميمي.

 

وبين التميمي أن الغضب يسكن كل الناس وأن العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة بات مهدداً نتيجة جريمة قتل نزار، خاصة وأن هذه الجريمة غير مقبولة اجتماعيا وليس فقط قانونيا. بالتالي، فإن تصاعد وتنامي الاحتجاجات والنزول إلى الشارع كانت السلطة بغنى عنه لو تم التعامل مع مسألة نزار بهدوء وسلاسة وبالقانون، وفق التيميمي، موضحاً أنه بأسوأ الأحوال كان يمكن توجيه تهمة "جُنحة" بحق نزار، بالرغم من انه لم يقترفها وقد عبر عن حرية تعبير لا اكثر.

 

وهذه الجُنحة لا تحتاج إلى مذكرة إحضار ولا قوة اعتقال مكونة يتراوح عددها بين 25 و27 رجل أمن.

 

ويخلص الحقوقي التميمي إلى القول إن "المجتمع الآن في حالة رفض وإدانة للفعل وهناك خلخلة للعلاقة بين السلطة والمواطن، حتى ان الفجوة بينهما قد تعاظمت".. فالسلم الاهلي علاقة متبادلة بين المواطنين أنفسهم، وكذلك بين المواطن والدولة تقوم على مبدأ المُواطّنة، وهذه العلاقة تعرضت لمساس خطير، حسب التميمي.

لكن، ما المطلوب من السلطة الفلسطينية لتلافي اي تداعيات خطيرة على السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي؟

يقول أمين عام المبادرة الوطنية د.مصطفى البرغوثي في حديث لموقع "زوايا" إن المطلوب من السلطة ثلاثة امور لتدارك اي تداعيات سلبية لوفاة نزار بنات؛ الاولى، تشكيل لجنة تحقيق مستقلة غير تلك الحكومية؛ لأن الأخيرة غير مستقلة ولا يجوز ان تكون لجنة التحقيق في جريمة وفاة بنات برئاسة وزير.

 

وأما المسألة الثانية المطلوبة من الحكومة، فهي محاكمة واضحة وشفافة أمام الرأي العام لكل من شارك بالجريمة سواء بالقرار أو التنفيذ.

 

بينما تتمثل النقطة الثالثة بإجراء السلطة تغييرات جوهرية على مستوى الحكومة وأجهزة الأمن لإلغاء كل مظاهر العنف والتعذيب لأي سبب كان، وما يرتبط بقضايا على خلفية حرية الرأي والتعبير.

 

وتابع البرغوثي "لم نرَ إرادة حتى اللحظة لدى الحكومة لفعل النقاط الثلاثة سالفة الذكر، ولكن الحكمة أن يتواصلوا مع المجتمع المدني والخبراء والأخذ بمقترحاتهم. "ولو كان هناك مجلس تشريعي لتشكلت لجنة التحقيق في الجريمة من أعضاء هذا المجلس"، وفق البرغوثي.

 

وحذر البرغوثي من التهديد الذي يتعرض له السلم الأهلي والنسيج المجتمعي، موضحاً أن ما جرى سيؤثىر على قدرتنا وصمودنا في مواجهة الاحتلال ومخططاته الاستيطانية والاستعمارية.

 

المصدر : خاص زوايا- أدهم مناصرة

مواضيع ذات صلة

atyaf logo