اعتدنا ان نسمع فيديوهات الشهيد نزار بنات التي نتقد السلطة وادائها السياسي وفساد بعض رموزها، لكن نزار اليوم، اكراماً لروحه، ومن هول الفاجعة والصدمة التي عاشها بسبب استشهاده، فقد قرر أن يكتب:
أعرف انهم كانوا يريدون خنق صوتي ويلاحقونني ويمارسون علي شتى انواع الضغوط والتضيقات، حتى أكف عن قول ما اقول، فالقول بالنسبة لهم نوعان، نوع محمود، فيه الرياء والنفاق والتشجيع على الاستمرار بالخطايا وتوفير الغطاء الضروري لارتكاب كل الموبقات بحق (الوطن)، وباسم (المشروع الوطني) ومراتب (حماته) من الوزير الى العقيد الى الأجير ، ونوع مرفوض، فيه توضع النقاط على حروف فلسطين الكبيرة التي رفضت ان تجزأ او تتقلص مساحتها، ورفض ابناؤها ان تهان كرامتهم، وتمتهن انسانيتهم، فيه توضع النقاط على حروف مراتب مناضليه من الشهيد الى الجريح الى الأسير.
أعرف أنهم كانوا يريدون اعتقالي واستجوابي والتحقيق معي.
اعرف انهم قد يذهبون بي الى (مسلخ) أريحا، او الى (مقبرة) جنيد.
أعرف انهم قد يسيلون دمي، او يكسرون يدي او رجلي او ضلع لي.
أعرف انهم قد يلفقون لي واحدة من التهم المعهودة بغسل الاموال او الاتجار بالسلاح او حتى المخدرات.
أعرف انهم قد يحاكمونني أمام قاض في محكمة مدنية أو حتى عسكرية.
وأعرف انني قد أقضي بقية عمري في سجونهم، أو الى ما يشاء الله.
عندما اقتحموا المنزل بالعتلات، وانقضوا علي من الأول فيهم حتى السابع والعشرين، ايقنت ان ما توقعته قد أن أوانه، وقلت في نفسي فليكن، فسادفع ثمن كلمتي الصادقة والجرئية كما دفعته في المرات السابقة، أقل قليلاً او اكثر قليلاً، لا يهم، فهذا خياري.
لحظات بعد ان أخرجوني سحلاً من المنزل، بدأت العتلات تنهال على كل شبر في جسدي، لا بل على المناطق التي تسبب اذى أكثر، على الأطراف والرأس والقفص الصدري، لكموني بقبضاتهم وببساطيرهم وبكل ما لديهم من حقد، داسوا على رأسي وشتمونني بكل ما لديهم من الفاظ نابية.
قلت لنفسي، سأتحمل، فهذه فاتورة لا بد من تسديدها، فاتورة قول الحقيقة والتعبير عن رأيي وقناعتي بهم وبادائهم، فلا مشكلة شخصية لي مع أي منهم، ولا اعرف معظمهم. استمر الضرب والسحل وتزايد حتى سال دمي من كل مكان، وكدت اختنق،
قلت لنفسي، سأتحمل، فربما كل هذا العنف وهذه الوحشية كوني قرررت خوض الانتخابات كي يكون لي منبر وموقع مؤثر، أقول فيه ما أريد بأسم من ينتخبني من الشعب، فيعلو صوتي أكثر، وقد أستطيع أحداث فارق بالاسهام في اصدار قرار او تشريع ما، وبمسائلة وزير أو مسؤول عن صفقة اسمنت أو طحين أو لقاحات فاسدة. استمر وتزايد الضرب حتى بت عاجزاً عن عد الاضلاع التي كسرت، وتخدر جسدي ولم اعد أشعر بالألم.
قلت لنفسي، سأتحمل، فربما كل هذا العنف والحقد كوني رفضت قرار الغاء الانتخابات، وطالبت بحقي وحق كل فلسطيني باختيار ممثليه، واعادة بناء نظامه السياسي، واستعادة جزء من كرامته المهدورة.
استمر التنكيل وتزايد حتى شعرت بان دمي بدأ ينضب من جسدي المتكور.
قلت لنفسي، سأتحمل، فربما كل هذا العنف والبطش كوني فرحت بهبة أهل القدس واللد، وبصواريخ غزة، وبزحف الفلسطينيين من الاردن ولبنان للعودة لوطنهم، وربما لأني بالغت بالفرح والشعور باستعادة جزء من فلسطينيتي المصادرة، استمر الضرب والتنكيل حتى ادركت ان ما يحدث أكثر من مجرد اعتقال، وأكثر من مجرد عقاب، وأكثر من مجرد تلقين درس لا ينسى.
قلت لنفسي، أيعقل انهم يريدون قتلي؟ ايعقل ان يكون رأيي سبب في موتي؟، ايعقل ان يكون لساني سبب في ترميل زوجتي وتيتيم أطفالي؟ ايعقل أن يكون ..... لقد غبت عن الدنيا الآن، لقد مت بالفعل، لقد قلت لووووووو نيييييييي