أفلس .. فقتل

مظاهرات على مقتل نزار بنات
مظاهرات على مقتل نزار بنات

في البداية دعونا نتفق أن كلّ حزب معارض يتحيّن الفرص من أجل اسقاط الطرف الآخر، مستغلًا كل الهفوات ومؤجج لها، وربما صانعها أيضًا، وهذا من أبجديات العمل السياسي، لكن الغباء السياسي هو أن تُعطي لخصمك السكين الحافي ليذبحك فيها وهو متلذذ بغبائك!

على خلفية قتل المعارض نزار بنات من قبل أفراد من جهاز أمني في السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أثناء اعتقاله فجر يوم الخميس 24/6/2021 دون إذن من النيابة العامة كما هو معلن، وبمخالفة واضحة للقانون الفلسطيني.

 

لقد دأب البعض بالاختباء وراء التاريخ الرومانسي لحركة فتح التي يتوق له الجماهير من أجل تمرير فساد بعض قادتها الحاليين الذين يخطفون قرار الحركة في اتجاه يقزّمها ويفقدها جماهيريتها، والمُتابع البسيط يعلم مدى الغياب والتشتت الذي تعيشه الحركة منذ سنوات، أي أن هذا الأمر ليس اتهامًا باطلًا، بل حقيقة واقعة على الأرض، وفي ضوء هذا تصدر مجموعة من المنتمين إلى حركة فتح قضية قتل بنات من أجل تحويلها من جريمة قائمة إلى أداة للدفاع عن حركة فتح والسلطة الفلسطينية، من خلال إدانة الفعل بصورة خجولة مع تذكير في غير محله بآراء القتيل المعارض، وبالمقابل ضخ مجموعة من الاتهامات والتخوفات من أجل إرهاب الفتحاويين الأسوياء الذي رفضوا الجريمة بغضب إنساني من حيث المبدأ دون الدخول في أي تفاصيل، وطالبوا بالتحقيق فيها وإنزال العقوبة بالفاعلين، وصولاً إلى إعادة الهيبة إلى الحركة ومكوناتها السياسية والتنظيمية بصفتها حركة السلطة، علمًا بأن رئيس الوزراء وزير الداخلية المسؤول قانونًا عن الجريمة هو عضو لجنة فتح المركزية، وربما هذا الخلط ما بين حركة فتح والسلطة الفلسطينية هو الخطأ الذي يجب أن تتداركه الحركة، أو أن تكون على قدر حمله.

 

بالإضافة إلى أخذ جريمة قتل نزار بنات إلى ميدان المقارنات المخجلة بين سلطتي الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة، فكل فصيل راح يذكر ويتذكر جرائم القتل التي حدثت في حق أفراد حزبه مستغلًا ذلك أبشع استغلال، دون أن يخطر في بالهم أن الفروسية لا تقتضي مقارنة القتل بالقتل المضاد، بل تقتضي مقارنة العقوبة التي أوقعها هو بحق القاتل وتنفيذ القانون بعيدًا عن أي تعصب وتزييف للحقيقة، فميدان تنفيذ العقوبة وتحمل المسؤولية هو ميدان الفروسية والمقارنات الصحيحة.

 

ومن زاوية أخرى، تأتي خصوصية قضية مقتل المعارض نزار بنات بأنها جاءت على خلفية الرأي العلني، ولم توجّه له أي تهمة أخرى كحمل السلاح أو تهديد السلم الأهلي، ولو على سبيل التشتيت، وأن مرتكبيها هم أفراد أمن منوط به حماية الناس وتنفيذ القانون وليس عصابة تقتل على خلفية الرأي دون محاسبة، فإذا أراد البعض لحركة فتح أن تكون عصابة، فهناك من يرفض ويكتب من أجل أن ترفع فتح راية القانون والعدل ورد المظالم، وهنا أطرح سؤالًا مهمًا: من الذي يهدم حركة فتح ويفتح باب الخراب على السلطة؟! هل هم هؤلاء الذين ينتقدون الأفعال التي تتجاوز القانون؟! أم من يتركب هذه الأفعال ومن يناصر تجاوزها تحت حجج مكشوفة؟!

لهذا من يعمل على خلق الفوضى وهدم حركة فتح وتفتيت كيان السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وتمكين المعارضين من مهاجمتها وإسقاطها شعبيًا وإعطائهم الحجج والأسباب على طبق من دم، هم من قتلوا نزار بنات، وليس من انتقد هذه الجريمة وأدانها، يعاونهم في ذلك من أرادوا معالجة العَرض بالسكوت عنه، دون التطرق لأسباب هذا العَرض تحت حجة منع الفتنة وسقوط السلطة، ويغضون النظر عن صانع هذه الفتنة، بل يسعون إلى تحوير الجريمة واستغلالها من أجل ضرب وعي الجماهير من خلال تحييدهم نفسيًا وأخلاقيًا للانفضاض عن التضامن ورفض عملية القتل بربطها باستغلال حركة حماس للحدث لتحقيق أهدافها للنيل من السلطة وصولًا إلى الانقلاب عليها مستعينين بمأساة ما حدث في عام 2007 وهذا وإن كان حقيقًا فليس مدعاة للصمت على جريمة القتل وتمريرها.

على صعيد آخر، لم توفر حركة حماس فرصة في الضفة الغربية يمكنها من خلالها افشال أي حراك جماهيري حول حدث معين من خلال اطلاق تصريحات قادتها وطريقة تغطيتها الإعلامية للحدث، وأخيرًا رفع أعلامها في جنازة المغدور نزار بنات، وكذلك فعل المتنفذين في حركة فتح والسلطة، باستغلال أي حراك شعبي مطلبي في غزة من خلال ضربه بتصريحات حمقاء وتغطية إعلامية تعطي الطرف الآخر الأسباب التي يتمناها لمهاجمته، وأنا أرى أن الهدف الخفي من وراء هذا الاستغلال من طرفي الصراع هو محافظة كل طرف على وجود الطرف الآخر من خلال إفشال أي حراك شعبي في شقي الوطن المنشود، من أجل عدم فوز الشعب وتحقيق مطالبه بخضوع السلطات وتنفيذ القانون، وبالتالي لا يتفوق طرف على طرف آخر أخلاقيًا، لأن التفوق الحقيقي هو التفوق في تنفيذ القانون، وليس في المقارنة بتجاوزه، لأن ما يميز النظام عن العصابة هو تطبيق القانون، فالجريمة متوقعة الحدوث، أما التمايز والفخر فيكون في معاقبة الجناة، وليس بتمييع الجرائم من خلال مقارنتها ببعضها لتنتهي القصة وكأننا في ثأر شعبوي يعود لعصور الظلام.

 

 

في النهاية نحن نريد حركة وطنية قوية الأكتاف تفتح صدرها للنقد وتأخذه على محمل الجد وتعمل به، كي لا تتأثر بالهجوم والتهديد فهذا لا يؤثر في الجسد السليم المتعافي من الفساد والمفسدين، فهناك من يريد فتح بأكتافها القوية، وهناك من يريدوها ضعيفة تخاف من النقد ليأكلوا ما بقي من لحم أكتافها، لأنهم نشأوا في بيئة وعلى يد قادة لا يعرفون من فتح إلا منافعها.

 

المصدر : خاص زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo